يبدو أن الرئيس الأمريكي وإدارته لن ييأسوا من محاولاتهم لدعم الإخوان المسلمين بأي طريقة والعمل على "تلميعهم" وإخفاء قبحهم وشذوذهم الفكري والديني والذى يضعهم في مصاف الجماعات الإرهابية المتشددة التي خرجت جلها من رحم جماعة وتنظيم الإخوان المسلمين. وفي رصده لتلك المحاولات الأمريكية يكشف الكاتب الصحفي الأمريكي ريان ماورو فى موقع "كلاريون بروجكت" - وهو موقع دراساتيهتم بشئون الحركات الإسلامية - عن أن الكثير من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين سوف يتم إنفاقها لتعزيز جماعة الإخوان والدعاية لها ودعمها لمواجهة التطرف الآتي من تنظيم القاعدة. ويوضح ماورو أن الولاياتالمتحدة ستعمل كفريق واحد مع الحكومات الإسلامية في تركياوقطر في محاولة للتأثير على الشباب المسلم في اتجاه أكثر إيجابي حيث أعلنت الولاياتالمتحدة والحكومة الإسلامية في تركيا عن إنشاء صندوق بقيمة 200 مليون دولار للبرامج التي يفترض أنها تشجع على عدم اللجوء إلى العنف بين المسلمين في النقاط الإرهابية الساخنة مثل باكستان والصومال و اليمن. وتابع.. يصل مجموع الأموال التي ستطرح خلال أكثر من 10 سنوات الى مئات الملايين من الدولارات، مع تقديم الولاياتالمتحدة لثلاثة ملايين دولار كبداية، جنبا إلى جنب مع حكومات تركيا وكندا ومختلف الدول الأوروبية و"مصادر خاصة".. والبلد الإسلامي الوحيد الآخر المذكور كشريك إلى جانب تركيا هى قطر؛ مشيرا إلى أن دور تركياوقطر سوف يكون هو صياغة الرسالة الإسلامية ضد تنظيم القاعدة. وأوضح أن هذا الصندوق، المسمى بالصندوق العالمي لإشراك المجتمع والمرونة، سيقوم بتعزيز البرامج المحلية مثل التدريب المهني، والشبكات الاجتماعية والمناهج الدراسية الجديدة في الدول الإسلامية. ويشدد ماورو على أن التفكير القائم من وراء إنشاء هذا الصندوق هو نفس التفكير الخاطئ الذي يتمسك بجماعة الإخوان باعتبارها جماعة معتدلة وديمقراطية والبديل غير العنيف لتنظيم القاعدة؛ وقد تم التعبير عن هذا المنطق من قبل مدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر في شهادته فى 31 يناير 2012، والتي جاءت لتفسير تصريحاته السابقة وغير الدقيقة والمحرجة لجماعة الإخوان والتي قال فيها كلابر: القاعدة ربما ستجد صعوبة في التنافس للحصول على الدعم المحلي مع جماعات مثل جماعة الإخوان التي تشارك في العملية السياسية وتوفير الخدمات الاجتماعية والدعوة الدينية، فالفكر الجهادي غير العنيف المؤيد للديمقراطية يتحدى ايدولوجية تنظيم القاعدة التي تتبنى العنف والذي قد يسفر عن زيادة القوة السياسية للاحزاب العلمانية أو معتدلة. ويقول ماورو أنك إذا كنت تعتقد أن الإسلام السياسي الذي ينتهجه الإخوان المسلمين هو الحل للوقوف أمام الإسلام السياسي لتنظيم القاعدة، كما يفعل أوباما وإدارته، فإن حلفائك الطبيعيين الذين يتبنون نفس الأفكار سيكونون تركياوقطر. ويطلق ماورو على رئيس الوزراء التركي أردوغان إسم "ملك الإسلاميين" بسبب انحياز حكومته مع الإخوان في مصر وأنه يقول أن حماس ليست منظمة ارهابية؛ كما يحاول أردوغان تطبيق الشريعة الإسلامية في تركيا تدريجيا، وقد قوبل اردوغان برد فعل عنيف ضد محاولاته لتطبيق الشريعة تتمثل في الاحتجاجات الضخمة التي واجهها أردوغان خلال الصيف، والتي لم يتم تغطيتها من قبل وسائل الإعلام الغربية. ويؤكد ماورو أنه يتم بالفعل الترويج للأيديولوجية العثمانية الجديدة لتركيا حتى في داخل الولاياتالمتحدة نفسها، وذلك من خلال شبكة من المدارس التي أسسها فتح الله غول، واحتضان الحكومة التركية للقبائل الأمريكية الأصلية أو سلالات الهنود الحمر في أمريكا، كما تقوم تركيا ببناء عدد من المساجد على النمط العثماني، وخير مثال على ذلك بناء المسجد الكبير فى ولاية ماريلاند بقيمة 100 مليون دولار. ويرى ماورو أنه بدلا من إقامة تحالفات مع تركياوقطر، يجب على الولاياتالمتحدة أن تتطلع إلى قادة مسلمين آخرين مثل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، عدو جماعة الإخوان، والذي حرص على تهميش المعارضة الإخوانية التي هددت حكمه من خلال تبني الأحزاب الليبرالية. كما يجب أن تستمع الولاياتالمتحدة إلى ما كان الملك عبد الله يقوله عن تركيا تحت ولاية اردوغان، وذلك عندما أشار إلى قول أردوغان "أن الديمقراطية بالنسبة له هي مثل ركوب الحافلة، فبمجرد أن يصل إلى الحكم، سيهبط منها"!.. كما قال الملك الأردني أيضا أن الأسلوب والصبر هما الفرق الوحيد بين أردوغان والرئيس المصري السابق محمد مرسي، وقال: "بدلا من النموذج التركي الذي أخذ ست أو سبع سنوات حتى كونه اردوغان، أراد مرسي أن يفعل ذلك بين عشية وضحاها". ورغم تلك المحاولات اليائسة من قبل تلك الدول الداعمة لتنظيم الإخوان المسلمين ومحاولاتهم لبعث الحياة في جسد التنظيم الذي تهاوى تحت ضربات الجيش والشرطة المصرية ووسط كراهية معظم المصريين والدول العربية له، يرى الكثير من المحللين أن تنظيم الإخوان بالفعل بدأ في التراجع والانهيار بشكل كبير رغم الدعم الأمريكي التركي القطري اللامحدود للجماعة وتنظيمها الدولي. فيقول الكاتب السياسي "جوناثان سباير" أنه مع خروج التقارير التي تشير إلى أن زعيم حماس خالد مشعل يسعى للانتقال من قاعدته الحالية في العاصمة القطريةالدوحة، ورغم إنكار ورفض حماس لهذه التقارير إلا أنها أصبحت واقعا لا يمكن إنكاره؛ وهذا هو أحدث مؤشر على تغير مذهل في حظوظ جماعة الإخوان المسلمون، حتى أن التاريخ قد يتذكر عام 2013 باعتباره عام الكسوف الجزئي للحركة، بعد لحظاته وجيزة جدا من صعود شمسها في 2011 و 2012. ففي بداية العام الماضي، استطاعت جماعة الاخوان المسلمين الإستحواذ على السلطة في كل من مصر و تونس وهيمنت على حركات التمرد السورية وعلى الميليشيات ذات الأفكار المماثلة لها وبدعم من الراعي القطري نفسه، وبدا أنها تتجه لتحقيق النصر في الحرب الأهلية في سوريا؛ كما كان حزب العدالة والتنمية ذو الصلة بالإخوان مسيطرا على السلطة في تركيا، وكانت إمارة قطر تبرز بوصفها الممول الأكثر حيوية والمشجع المتحمس والرئيسي للإخوان في المنطقة. ويوضح الكاتب أن هذا الأمر تزامن مع قدرة قطر على تشكيل الرأي العام وفقا لإرادتها، وذلك عن طريق رسائلها العابرة للحدود في العالم الناطق باللغة العربية والإنجليزية على السواء من خلال قناتها قناة الجزيرة التي تحظى بشعبية كبيرة في كثير من البلدان.. كما كان يبدو أن التحالف الإخواني القطري يسير جيدا على الطريق محاولا توليه دور القائد في المسأله الفلسطينية.. وهكذا كان كل شيء يبدو أنه يسير في الاتجاه الصحيح. وفي عام 2013، انعكس ذلك التقدم تماما وشهدت الجماعة إنهيارا سريعا ومفاجئا للجميع. والأهم من ذلك، تم الإطاحة بالإخوان من السلطة في مصر وقامت السعودية والإمارات بدعم ذلك الانقلاب الشعبي عليهم. وبدأ النظام الجديد في مصر في عملية تدمير الميليشيات المسلحة الإسلامية. وفي قطر، وفي الوقت نفسه، تم استبدال الأمير حمد بن خليفة بإبنه تميم، فيما لا تزال ظروف وأسباب رحيل الأمير حمد المفاجئ من السلطة غامضة، ومنذ ذلك الحين، اختفت قطر تقريبا من المسرح الإقليمي، وتراجعت مساهماتها لجماعة الإخوان في مصر. وأشار الكاتب إلى أن حماس وبينما كانت تعرب عن قلقها إزاء تطور الأحداث في مصر، فإنها كانت تسعى إلى إعادة تنشيط اتصالاتها مع إيران، التي تعتبر المنافس الأقوى والأقرب لجماعات الإسلام السني مثل الإخوان والجماعة الإسلامية التي تدعمهم فيما تمثل ايران الكتلة الاسلامية التي يهيمن عليها الشيعة.. وفي تركيا يحاول حزب العدالة والتنمية المنتمي للإخوان لملمة أنقاض خططه وآماله في المنطقة؛ ويتوقع تشكيل تحالف بينه وبين الليبراليين والعلمانيين على غرار الأنظمة الإسلامية السنية الأخرى في جميع أنحاء المنطقة، في شمال أفريقيا والمشرق العربي والخليج. وأوضح الكاتب أنه بعد الأحداث التي جرت في عام 2013، لم يعد حزب العدالة والتنمية التركي مطروحا على قائمة اختيارات الناخبين هناك، وبالتالى يجب على الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية أن يتعاملا مع الاحتجاجات الغاضبة والمستمرة من قبل الأتراك غير الإسلاميين، كما يجب عليهما أن يواجها فقدان الحلفاء والعزلة الإقليمية التي باتت تركيا فيها بسبب سياسات اردوغان. ويبدو – وفقا للكاتب - أن هذا هو ضريبة إعلان رئيس الوزراء التركي أردوغان عن دعمه للإخوان ومعارضته للإطاحة بهم في مصر، مما يجبر رئيس الوزراء التركي على التوقف عن البكاء على إخوانه من الجماعة دون حسيب أو رقيب ؛ وكل هذا يعني أن الجماعة تتراجع حرفيا عن كل الجبهات التي حققت بها تقدما كبيرا في الماضي. وبغض النظر عن صحة التقارير الخاصة بنقل خالد مشعل من قطر أو عدمه، فإنه يجب الاعتراف أن حركة حماس يتم إجبارها الآن على إعادة ترتيب نفسها، و العودة إلى أحضان إيران لتصبح في متناول يدها، وذلك بسبب أن هذه الحركة قد وضعت رهاناتها الخاسرة على التحالف الإخواني الممول من قطر والذي لن يخرج إلى حيز الوجود بعد الآن. ويخلص سباير في تقريره إلى أننا لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن ندعي الانتهاء من جماعة الاخوان المسلمين؛ فسوف تبقى سياساتهم وافكارهم في عقول العرب السنة المحافظين في الشرق الأوسط، لكن يمكننا القول أن تلك اللحظة التي بدا فيها كل شيء ممكنا بالنسبة للجماعة قد ولت بلا جدال، وما بدا وكأنه بداية محتملة لعصر جديد انتهى في لحظة وجيزة بمجرد خروجه في الشمس، والتي أذابت آمال الإخوان المسلمين في الهيمنة الإقليمية والمحلية والدينية.