الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد: فحرمة الدماء من أعظم ما حث الإسلام على صيانته، ومن مظاهر ذلك ودلائله أنه هدد من يستحلها بأشد العقاب فقال تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً.. النساء/ 93)، يقول الشيخ سيد سابق في فقه السنة 3/ 6، 7: "فبهذه الآية تقرر: أن عقوبة القاتل في الآخرة: العذاب الأليم والخلود المقيم في جهنم، والغضب واللعنة والعذاب العظيم، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: (لا توبة لقاتل مؤمن عمداً) لأنها آخر ما نزل ولم ينسخها شيء، وإن كان الجمهور على خلافه.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق)، ويقول: (لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن، لأكبهم الله في النار)، ويقول: (من أعان على دم امرئ مسلم بشطر كلمة، كتب بين عينيه آيس من رحمة الله).. ذلك أن القتل هدم لبناء أراده الله، وسلب لحياة المجني عليه، واعتداء على عصبته الذين يعتزون بوجوده وينتفعون به، ويُحرمون بفقده العون". وعبارات شيوخ ما ذكرنا: (رابعة والنهضة وهيئة الحقوق) وهي من عيِّنة: (قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار)، (اليوم نغزوهم ولا يغزونا) (أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها) (إن موقف المعارضة كموقف أبي جهل من الرسول) (الصعيد قادم وهو غاضب، سنأتيكم بمائة ألف رجل، كل رجل منهم بمائة ألف رجل) (إن الداعين إلى 30 يونيو كفار ومنافقين).. إلخ، لا تحمل في طياتها سوى الشحن تمهيداً لمعارك دامية، سبقتها أحكام على الخصوم بالكفر والنفاق الذي مؤداه انتهاك هذه الحرمة والتحريض على قتل المخالفين لهم في أمور السياسة الشرعية التي ليست محل اتفاق أصلاً بين علماء الأمة، ولا هي من أمور الاعتقاد.. والزعم بأن مخالفيهم يدينون بالعلمنة أو الإلحاد أو الليبرالية ومن ثم استحقوا المنابذة والعداء، لا يعدو – إن فترضنا أنهم كذلك – كونه عملاً كفرياً لا يجوز التكفير لأجله بالعين، كما لا يجوز الحكم على فاعله بالكفر واستحلال دمه إلا بعد إقامة الحجة الرسالية مع تحقق شروطها وانتفاء موانعها.. فما بالك وكل من يتهم بأي منها يحاول جاهداً أن يثبت أنه على التوحيد الخالص، وأنه يؤدي الصلوات وحج أو يعزم على أن يحج إلى بيت الله الحرام، وأنه يفعل كل ما أمره الله به قدر طاقته، بل ويظن في نفسه أنه أحسن الناس حالاً مع الله، وأنه أفضل ممن يتهمونه؟.. ومن قواعد ديننا الحنيف أن من دخل الإسلام بيقين لا يخرج منه بيقين. وكثيرة هي تلك الأحاديث التي تنهى عن تكفير المسلم ومن ثم عن استحلال دمه، وحسبنا منها قول النبي في الصحيح: (إذ قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه)، وقوله: (من دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه)، وقد جعلهما النووي تحت باب أسماه: (باب تحريم قوله لمسلم: يا كافر).. وحسبنا منها أيضاً قوله عليه السلام مبكتاً وزاجراً وقارعاً ورادعاً: (أشققت عن قلبه) يقولها لصحابي جليل، قتل كافراً قال (لا إله إلا الله) تخوفاً أو تقية أو حقناً لدمه، من غير أن يقدم حسنة واحدة ولا تقرب إلى الله بطاعة في حياته.. فكيف بالذي يتأله على الله تعالى مع من هو أفضل حالاً، فيحكم على قتلاه بدخول الجنة وعلى قتلى غيره بدخول النار؟. ثم إن شيوخ (رابعة) وأخواتها، يؤكدون بتحريضهم، على أنهم خوارج هذا العصر من وجه آخر غير التكفير بالمعصية.. ألا وهو دعوتهم الدهماء على الخروج على الإمام المتغلب – على افتراض كونه كذلك – وهي واحدة من طرق استحقاق الإمامة، وعلى صحة انعقادها: إجماع أهل السنة.. فقد "ذهب أهل السنة والجماعة إلى أن الإمامة تصح أن تعقد لمن غلب الناس واستولى عليها، بل إن هناك من العلماء من نقل الإجماع على وجوب انعقاد الإمامة للمتغلب، ولعل من حكا ذلك لم يعتبر خلاف الخوارج والمعتزلة – الذين يرون عدم صحة انعقادها – خارقاً للإجماع، واعتبر فقط إجماع أهل السنة"، وتجدر الإشارة أن تلك هي عبارة د. (صفوت عبد الغني)، وهي من رسالته في الدكتوراه ص 361 التي كانت عن: (تداول السلطة)، وقد دعم قوله هذا الذي استقاه من كلام أهل العلم، بقول الإمام أحمد في هامش نفس الصفحة: (ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسُمِّى أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً).. وقول الشافعي: (كل من غلب على الخلافة بالسيف حتى يسمى خليفة ويجمع الناس عليه فهو خليفة).. وقول النووي: (إذا مات الإمام فتصدى للإمامة من جمع شرائطها من غير استخلاف ولا بيعة، وقهر الناس بشوكته وجنوده، انعقدت خلافته لينتظم شمل المسلمين، فإن لم يكن جامعاً للشرائط بأن كان فاسقاً أو جاهلاً، فوجهان أصحهما انعقادها، لما ذكرناه).. وقول ابن حجر في فتح الباري ج 13: (قد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء).. وقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (فمتى صار قادراً على سياستهم إما بطاعتهم أو بقهره فهو ذو سلطان مطاع إذ أمر بطاعة الله) [ينظر على الترتيب: الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 23، ومناقب الشافعي للبيهقي 1/ 449، وروضة الطالبين للنووي 10/ 46، وفتح الباري 13/ 7، ومنهاج السنة 1/ 528]. والحكم فيما سبق ذكره هو – بالطبع – على القياس، وإلا فصحة القول بذلك مع غير الخليفة من باب أولى.. وأما فيما يتعلق بأمر المتغلب بطاعة الله التي وردت في آخر عبارة ابن تيمية، فليس لنا أن نسئ الظن بالقيادة الحالية ومع حصول حزب النور "على وعود من الفريق السيسي بعدم المساس بمواد الشريعة في الدستور أو مواد الهوية"، والخبر بتفاصيله بجريد المصريون الأحد 28 من شعبان الموافق 7/ 7 / 2013. ثم إن أئمة (رابعة والنهضة والحقوق) فضلاً عن كونهم متبعي فرقة ضالة هم فرقة الخوارج في التكفير بالمعصية، وناقضين إجماع أهل السنة بخروجهم على الإمام المتغلب، هم بما يجري الآن على أرض الواقع: دعاة وأئمة فتنة.. ذلك أنه في الوقت الذي لا يدخر الأزهر وسعاً في جمع الكلمة، لا يدخرون هم وسعاً في تشتيتها.. وفي الوقت الذي تُجري المشاورات لمصالحة وطنية، يأبون ويدعون الدهماء إلى التأبي.. وفي الوقت الذي يرى العالم كله (أهل تمرد) يُفطرون ويدعون الناس لإفطار جماعي، إذاهم يحرضونهم على إشهار السلاح في وجوههم وفي ميدانهم.. وفي الوقت الذي يشهد العالم كله بأن ما جرى هي ثورة شعبيه بكل ما تعنيه الكلمة وقد خرجت لها الملايين، إذا هم يحشدون حشودهم ليثبتوا أنهم كذلك أصحاب ملايين.. وفي الوقت الذي اعترفت أمريكا ومن ورائها الغرب بشرعية ال 30 من يونيو وأنها ثورة شعبية متكاملة الأركان، تماماً كالتي عزل وأزيح بها (مبارك)، إذا هم يضعون رءوسهم في الرمال تحت معبود (شرعية مرسي) وأمام أمر يعلمون هم قبل غيرهم أنه من رابع المستحيلات إذ دونه حرب أهلية من شأنها أن تدمر البلاد وتقضي على الأخضر واليابس، لاسيما وأن إمامهم وقادة جماعته يخضعون الآن لتحقيقات تنبئ عن خبايا وخفايا لا يعلم مدى فداحتها إلا الله. ثم أين شيوخ (رابعة) وقريباتها من كل ما يجري الآن، بل ومنذ أن بدأت هذه الفتنة تطل برأسها وتوجه اتهامات العالم كله للدكتور مرسي بالاستبداد وسوء الإدارة؟، ولم سكتوا وباركوا الفساد الذي عم وطم أيام الرئيس المعزول، وما هو موقفهم من الإقصاء الذي كان يمارس على قدم وساق بالمخالفة للشريعة والقانون؟، وما رأيهم فيما نسمعه عمن يدافعون عنهم، من شراء الذمم واستغلال حاجة الناس ودفع الأموال لهم لتحقيق مطالبهم والاعتصام بميداني (النهضة ورابعة) وحمل السلاح عنهم بالوكالة وتعمد القتل به؟، وما هو موقفهم من جنودنا وأبنائنا بسيناء الذين يسقطون بين الحين والآخر حتى يومنا هذا؟، وأين كلامهم عن وحدة الأمة ورأب الصدع؟، بل أين جهودهم في حقن دماء أبناء بلدهم؟، ولم الإصرار على اعتبار ما جرى انقلاباً عسكرياً، والتحريض على (الرباط والثبات في الميادين وساحات الجهاد كما يعتبرونها)، وتجاهل مطالب الملايين بعزل د. مرسي والتي لولا فضل الله علينا وتدخل الجيش – الذي أعذر وحذر وأنذر مراراً – لسالت الدماء أنهاراً، ولأصبحت بلادنا سوريا جديدة أو عراقاً جديداً باعتراف المحللين العسكريين؟، وماذا لو كنتم مكانه في موضع المسئولية ولماذا اعتبروا هذه الخطوة هي نهاية المطاف أو نهاية العالم، وماذا بعد؟، وألا يعد ذهاب من يحرضونهم ويتسببون في الذهاب بهم إلى الحرس الجمهوري للقتل، إلقاء بالنفس إلى التهلكة يحملون هم وزره، سيما وأن للجيش مندوحة في أنه الذي بُغي واعتدي عليه في عقر داره، حتى من باب دفع الصائل؟، وأين دورهم من إحداث جماعة الإخوان ومناصريهم للفتن والقلاقل والفوضى التي عمت العباد ولا زالت، وملأت البلاد طولاً وعرضاً؟، بل أين هم من التصعيد غير المسبوق فيما أطلقوا عليه (معركة العاشر من رمضان) ومناداتهم بأنها معركة حياة أو موت؟، وأين هم من التهييج الذي تقوم به (قناة الجزيرة) المأجورة والمعروفة باتجاهاتها، والتي تهدف إلى تسويق الوضع عالمياً على أنه انقلاب عسكري واعتداء من الجيش على المتظاهرين السلميين؟.. وأين.. وأين.. وأين؟؟؟.. فاللهم إني أبرأ إليك مما يفعل هؤلاء واعتذر إليك مما يفتي به أولئك.. واللهم هل بلغت اللهم فاشهد.