الحازمون غاضبون يشتمون. هذا قبل أن أسأل: لماذا كذب؟ كنت لا أزال أسأل: هل كذب؟ إنهم فى صدمة... يغيب العقل أو يُمنح إجازة أو توكيلا حصريا ليتوحد الحازمى فى حازم. حالة ليست جديدة فى تاريخ البشرية... الوله بالأشخاص وتقديسهم والتوحد فيهم بعد صنع صورة خيالية ترسمهم أبطالا وقديسين. وهنا تأتى الصدمة عندما يكتشف الممسوسون فى الشخص أنه مجرد أنسان عادى، أرضى، يأكل ويشرب، ويتحايل مثل كل الناس عندما يفاجأ بقوانين الدولة. لا فرق هنا بين أتباع مغنٍّ أو نجم كرة قدم وأتباع شيخ، كلهم سيحركون ماكينة الشتائم، وجرب مثلا أن تنقد شيكابالا أو الخطيب عند الممسوسين بهما، ستجد شتائم متشابهة ومتطابقة بالنص مع تلك التى أتحفنى بها «الحازمون» لمجرد سؤال: هل كذب الشيخ؟ لا يفكرون. يشغّلون ماكينة الشتائم إذا لم يُذكر اسم الشيخ مقرونا بالتبجيل أو الاحترام، ولن أقول التقديس. يقسمون العالم إلى «حازمون» و«أعداء». ماكينات الشتائم لا تحتاج إلى مجهود، فى الحقيقة إنها ردود الضعيف أو المنفعل أو الممسوس بلا عقل... تصيب بالقرف والغثيان.. لكنهم معذورون أنهم ممسوسون بشيخهم. الشيخ هنا لم يعد فردا عاديا لكنه «جسد جماعى» يتحرك على الأرض. الحازمون هم الكتلة الموازية لحزب الكنبة. كل منهما يلتقى عند «الخوف من الحرية» أو «الخوف من التفكير». والتوحد مع شخص أو زعيم أو شيخ يعبر عن شعور جبار بالضعف والعجز، يبحث فيه ساكن الكنبة أو الحازمى عن سلطة يخاف الابتعاد عنها ويتوحد معها إلى درجة تلغى العقل والوجود وتحول الشخص إلى رد فعل هستيرى تجاه كل من يجرؤ على الخروج عن هذه الرواية. الخروج عن الرواية إرادة باتجاه الحرية يخاف منها سكان الكنبة والسائرون فى مواكب حازم وبينهم تواصل غريب وتبادل أعضاء مثير للتأمل. الشيخ حازم مثالى للعب هذا الدور، هو شيخ وله كاريزما فى الخطابة تلعب فى منطقة مختلفة عن الشيخ كشك، لكنها تملك قدرات فى أداء العروض العامة، تنسى معه ما يقوله، لا تفكر فيه، ويتحوله كلامه إلى امتداد للوجود الشخصى، لا يعنى المستمع أن يفكر فى تناقضات أو يحلل أصول الكلام فيصبح كلامه عن البيبسى أو جوزة الطيب علميا، وسيجد من يخترع أسانيد علمية ويصمم مواقع لإثبات نظريته. الثورة فتحت المجال ليخرج من مسجده إلى الميدان، ويقابل جمهورا واسعا يبحث عن شخص لا يعبر عن اختيار محدد، فالشيخ لا إخوانى صرف ولا سلفى تماما، لا ينتمى إلى تنظيم محدد، كما أن ملامحه مختلفة عن جهامة السلفيين (أو المشهور منهم) وخطابه أكثر نعومة، يقلل فيه من التحذيرات متحدثا عن التكيف مع الحياة الحديثة بلغة واثقة رغم افتقارها أحيانا إلى العلم. لا شىء سيبذله الشخص لتتغير مصر فتتحول إلى دولة عظمى إلا انتخاب الشيخ حازم، الذى تصنع له صورة «الأسد» فى مواجهة «وحش السلطة»، رغم أنه كان ينسحب من المواجهة إذا تجاوزت الخطبة أو حرب الألفاظ. بطولة الحنجرة تَفوَّق فيها الشيخ حازم، وأكمل بها صورته الخرافية عند مريديه، وهم ليسوا أكثر من مريدين يريدون خلطة من كل شىء لا يدفعون فيها إلا تأييد الحازم. والشيخ بانفعاله وتلقائيته شىء، ومحاولته فى التحايل على حقائق الأوراق شىء آخر. لكن الأول يستخدم الآخر ليرسل إلى اتباعه رسالة: «إننا مضطهدون، نواجه حربا من السلطة»، وهكذا تكتمل الدائرة فى صنع الخرافة، خصوصا أن الجمهور الجديد على السياسة وجد نفسه فى حرب خرافات، تستعصى فيها الأحداث على التفكير لمن لم يشغل باله بالسياسة يوما. فالدولة تلاعب الشيخ بالأوراق، تسرب لدى جيشها الإعلامى ما لديها، لتبتزّ المرشح وتستهلك جمهوره فى حرب فارغة مع من يريدون كشف الحقيقة. والمرشحون الآخرون يقيمون خرافاتهم على حسب هواهم، فالمهندس خيرت الشاطر يتحول إلى «النبى يوسف» أو «مهندس النهضة» لمجرد أنه «شاطر» فى الحصول على توكيلات محلات تجارية، وعمرو موسى أو أحمد شفيق هما رمز الاستقرار لأنهما أبناء الدولة، والخرافة ليست فى الموسى ولا الشفيق، لكنها فى الدولة، فلم تكن هناك دولة أساسا، كانت عصابة تقهر الجميع... فقط . نقلا عن جريدة التحرير