لم يتحدث الرئيس عن السودان.. مصر الرسمية كلها بدت غير مكترثة بما يجرى فى السودان، هل لذلك علاقة بأن الرئيس تعهد بعدم التدخل فى الشئون الداخلية لدول الجوار؟ قياسا على ذلك ألا يعد حديثه عن سوريا تدخلا فى الشأن الداخلى؟ ما الفارق بين عمر البشير وبشار الأسد؟ على المستوى العملى لا فرق، كلاهما جاء للسلطة بدعم عسكرى انقلابى، الأول صنعه بتحالف مع القوى الأصولية وكاهنها المغضوب عليه حاليا حسن الترابى، والثانى أجرى الانقلاب أبوه وسلمته أجهزته العسكرية السلطة عقب موته. قتل بشار ويقتل فى شعبه، جعل من الأراضى السورية مسرحا لحرب أهلية عريضة واستقطابا دوليا واسعا، لكن البشير أيضا قتل شعبه فى دارفور والجنوب وجبال كرفان، أشعل حربا أهلية طاحنة ضد جزء من وطنه لم يطلب إلا العدالة والمساواة، رفع فى وجهه رايات الجهاد ونصوص التكفير والتوثين، وانتهى به الأمر إلى تقسيم البلاد بين دولتين، دون أن يشعر بخزى أو عار، أو حتى يعتذر على تفريطه فى وطن اغتصبه موحدا. اليوم فى السودان انتفاضة شعبية، يستعد بها السودانيون لخلع الجنرال الثالث، وانهاء الانقلاب الثالث أيضا فى تاريخهم، بحثا عن ديمقراطية رابعة تستمر محصنة من الانقلابات العسكرية، لكن جنرال هذه المرة ليس كمثله جنرال، فهو يمثل العسكر والتيار الأصولى معا، الذى سيسقط فى السودان هو نظام العسكرتارية الأصولية، وهو نظام محسوب على إطارات الأصولية الدينية السياسية بشكل أو بآخر، لذلك ربما لم يهتم الرئيس المصرى المنتخب بما يجرى، وفعلت مثله كل الدولة. لكن حظ السودانيين مع مصر هو الأصعب، نال السودان استقلاله بعد انفصال عن مصر، وبدأ ربيعا ديمقراطيا قصيرا، فى وقت تصاعد فيه نفوذ الثورة المصرية بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر، وكانت «الموضة» هى التنظيمات الشمولية، لذلك لم تحتمل مصر الستينيات ديمقراطية على حدودها الجنوبية، فانقلب عليها الجنرال عبود بدعم أو صمت مصرى لا فرق، لكن السودانيين انتفضوا قبل أن ينتهى عقد الستينيات وأطاحوا بعبود فى ثورة شعبية بدأوا بها نضال الشعوب العربية نحو الديمقراطية.. لكن التجربة الديمقراطية الثانية أجهضت أيضا بانقلاب لجعفر نميرى، أعاد فيه الحكم العسكرى للبلاد أيضا بدعم أو بصمت مصرى. لكن الشعب السودانى عاود الانتفاضة ضد نميرى وخلعه بثورة شعبية سلمية منتصف الثمانينيات، وسلم سوار الذهب الدولة لحكومة منتخبة فى تجربة ديمقراطية لم تستمر سوى ثلاث سنوات انتهت بانقلاب عسكرى إسلاموى وفر له مبارك غطاء سياسيا دوليا جلب له اعترافا سريعا، قبل أن تتدهور العلاقات بين نظام مصر العسكرى، ونظام السودان العسكرى الأصولى. لم تتحمل مصر مع رؤسائها الثلاثة السابقين، أى مشروع للديمقراطية فى السودان، كانت تخشى من عدوى الديمقراطية، ووقفت عمليا مع الأنظمة الاستبدادية العسكرية، وللحق أيضا تآمرت ودبرت كل اجهاض للديمقراطية. واليوم ثارت مصر من أجل الديمقراطية وجاءت صناديق الاقتراع بحكم بمرجعية إسلامية، وتثور السودان ضد العسكرتارية الإسلامية، فهل تواصل مصر منح ظهرها لحرية الشعب السودانى، لأن مصادفة قدرية جديدة أسكنت رئيسا إسلاميا القصر فى القاهرة، وتهدد رئيسا إسلاميا آخر بالمغادرة مخلوعا فى الخرطوم؟! نقلا عن الشروق