مرة أخرى.. وبعد أقل من عام ونصف عام.. أصبحنا وجهًا لوجه أمام نظام مبارك بكل مفرداته.. مرشح رئاسى يتحدث عن فرض الأمن والاستقرار.. ويغازل الأقباط.. ويحذر من أية مواجهة مع إسرائيل.. ويحرض ضد غزة وحماس.. وجهاز أمن الدولة يعاود إحياء لعبة الفزاعات، ليخوف الشعب من الإخوان والشرعية والدولة الدينية وسقوط مصر فى فخ التطرف، مثلما حدث فى أفغانستان وإيران. ومرة أخرى.. وبعد أقل من عام ونصف العام.. أصبحنا وجهًا لوجه مع الحزب الوطنى المنحل بكل أدواته وفساده.. وشبكته العنكبوتية، التى تقوم فى الأساس على المصالح.. يمولها رجال الأعمال ويدعمها مسئولو المحليات الذين يتشبثون بالنظام السابق إلى آخر رمق.. وبالطبع لابد أن تشارك فى هذه المواجهة آله إعلامية رهيبة.. منظمة ومدربة للإلحاح على الجمهور بصور نمطية معدة سلفًا لخلق حالة من الخوف الدائم لدى هذا الجمهور إزاء كل من له صلة بالدين.. هذه الآلة الجهنمية ينفق عليها بسخاء من أموال ساكنى طره، لكى يروجوا للجنرال القادم ليحكم مصر وترهيب الناس من الدكتور الذى سيحكم – كما يزعمون – برأس مرشد الإخوان. لا تكاد تفتح قنوات وصحف محمد الأمين، إلا وتقرأ أو تشاهد تحذيرات من الأمريكان وإسرائيل وإمكانية قيام انقلاب عسكرى لو حكم. رغم كل الضغوط والإحباط والنكسات، التى تمر بنا، فالأمر المؤكد أن الثورة فى النهاية لن تضيع.. بالعكس سوف تنتصر.. وتحقق طموحات هذا الشعب المظلوم فى حياة كريمة وديمقراطية حقيقية غير مزيفة ولا شكلية.. وفى عدالة اجتماعية تضمن له رغيف الخبز النظيف وزجاجة الدواء وتعليم الأبناء. ورغم علو صوت الكذابين والأفاقين ومعدومى الضمير الذين يهرولون الآن لإعادة إنتاج نظام مبارك بإحياء الفساد المنظم وشراء الذمم والترويج للمحسوبية والرشوة، فالأمر المؤكد والمقطوع به فى النهاية أن ثورة 25 يناير النبيلة لن تضيع.. ولن تعود دولة القمع والظلم وتكميم الأفواه بعد أن ذاق الشعب طعم الحرية. لقد تصور أذناب النظام الساقط أن بإمكانهم أن يعيدوا عجلة الزمن إلى الوراء.. وأن يستردوا امتيازاتهم، التى امتصوا بها دماء الشعب بأن يثيروا الغبار الكثيف على الثورة.. ويعملوا على شيطنتها.. ويؤلبوا القوى الثورية بعضها على بعض حتى لا يبقى منها فيصل غير ملوث أو محرج فتكون هذه هى اللحظة التاريخية المناسبة للإنقاض على الثورة بمعاول التشويه والتشويش حتى يكرهها الناس ويتنكروا لها. ومن الواجب أن نعترف بأنهم نجحوا فى ذلك إلى مدى يعيد عن طريق الإلحاح الإعلامى الكاذب والفاسد والأموال التى تنفق بغير حدود والدعم المعنوى، الذى توفره تصريحات السادة فى واشنطن وتل أبيب.. والفزاعات التى تستخدم من حين لحين لإرهاب الناس وتخوينهم حتى لا يكون لهم من أمل إلا المطالبة برئيس "دكر" قادر على أن يعيد الأمن والاستقرار.. لكن كل هذا نجاح مؤقت والأمر المؤكد فى النهاية أن الثورة لن تضيع ورايتها لن تسقط. ونظام مبارك لن يعود بأى مسمى.. ورجاله وحاشيته الفاسدة، التى ضجت من ظلمها السماوات والأرض لن تعود إلا إذا دخل الجمل فى سم الخياط. ومن يستنتج من النجاح الذى حققه الفريق أحمد شفيق فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، أن ثوار التحرير انتهى أمرهم.. وأنهم لا يمثلون الشعب المصرى.. وأن بقية الشعب تريد عودة النظام السابق – على حد قول السيدة سوزان مبارك مؤخرا- فإن هؤلاء يخدعون أنفسهم بهذا الوهم.. فقد خرجت أغلبية الشعب المصرى تنتخب أعضاء البرلمان بمجلسيه وتنتخب رئيس جمهورية الثورة.. وحددت فى كل مرة من خروجها إلى صناديق الاقتراع شرعية ثورة 25 يناير المباركة. ولولا حالة الانقسام وتفتيت الأصوات التى فرضتها كثرة أعداد المرشحين الذين يمثلون تيار الثورة لكانت النتيجة مختلفة تمامًا.. ومحسومة تمامًا. ربما تنجح المحاولات المبذولة حاليًا لتجميع صفوف القوى الثورية من جديد وتفكيك الاستقطاب السياسى القائم وربما تفشل.. لكن الأمر المؤكد والمحسوم أن الثورة لن تضيع.. ولن تعود مصر أبدًا إلى دولة الخوف وزوار الفجر.. الدولة التى يحكمها جهاز أمن الدولة الرهيب.. يرفع فيها من يشاء ويخسف الأرض بمن يشاء.. وما يرفع إلا الفاسدين. متفائلون نحن بوعى الشعب وعزيمة الشباب.. نعول على القاعدة القادرة الصلبة بأكثر مما يعول على النخبة السياسية التى تزن الأمور دائمًا بحساب المكسب والخسارة.. القاعدة الشعبية هى التى تعرف كيف تدافع عن نفسها.. عن حريتها وديمقراطيتها.. عن مستقبلها ومستقبل أبنائها وأحفادها. نعرف أن التجربة الديمقراطية صعبة والأعباء تنوء بها الجبال والأشقاء والجيران غير مسرورين بهذه التجربة ويرون أنها خطر عليهم ويحلمون بالقضاء عليها قبل أن تنضج وفروعها تعلو وتمتد.. ولذلك يشنون عليها الحرب سرًا وعلنا. يقول الكاتب جعفر الشايب فى مجلة "الشرق" السعودية تحت عنوان "مصر.. استعادة الكرامة" إن عديدًا من الدول العربية لا ترغب فى أن تتحول مصر إلى واحة ديمقراطية فى المنطقة.. لكن المأمول به عدم إعاقة هذه التجربة الديمقراطية الوليدة.. وأن يترك المجال أمام الشعب المصرى فى تحديد خياراته السياسية دون أى تدخل، وذلك ضمانًا للاستقرار وإتاحة المجال أمام التحول السلمى باتجاه الديمقراطية. وأيضًا رغم هذا التحدى القادم من خارج الحدود ضد الثورة ونجاح تجربتها الديمقراطية وقدرتها على التغيير الكامل والشامل فإن الأمر المؤكد فى النهاية أن الثورة لن تضيع.. وجذوتها لن تنطفئ.. وأنا على ذلك من الشاهدين.