"الإختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية " عبارة دائما ما نرددها للدلالة على مدى تقبل رأى الأخر واحترامه . لكن أحيانا يكون الخلاف مفسدة للعلاقات الطيبة بين بنى الإنسان . خصوصا فى فترات التناقض الاجتماعى والاقتصادى والسياسى فنلاحظ هذه الأيام الحوارات الكثيرة والمترامية الاطراف حول الاوضاع الحالية فى بلدنا مصر . خاصة مع حسم قضية انتخاب رئيس الجمهورية وحصرها بين فردين لا ثالث لهما . فنجد متعصبين لكلا الطرفين كلا منهما يدافع باستماتة عما يعتقد أنه الصواب. وفى دفاعه عن ما يؤمن به ويعتقد أنه الاصلح نجده يسلك مسلكا مغايراً لما يفترض أن يكون عليه فنجد نظرات الاستحقار ونبرات الاستهزاء والاستعلاء والسخرية والتعصب والصلابة فى اصدار الأحكام وإلقاء التهم الباطلة على الآخرين أو قد يمتد الاختلاف ليحدث الصدام والعراك, واستخدام التكنولوجيا الحديثة فى التشوية خاصة " الفيسبوك والفوتشوب " حتى لم يعد الفرد العادى يدرك الحقيقة من التهم الباطلة , ما هو صواب وما هو خطأ ؟ فالبعض يصدر أحكاما على الآخرين لمجرد الاختلاف فى الرأى معه , فهو يسير على مبدأ " إن لم تكن معى فأنت ضدى " فنجد التدنى فى لغة الحوار والخلط بين الحوار موضوع الحديث وشخص المتحدث , والقطع بأن رأيه صواب ولا يحتمل الخطأ ونجده يسطح آراء وأفكار الآخر , ويبالغ فى تعميمه وتطرفه واصداره الأحكام على الآخرين , وكل تلك السلوكيات خاطئة . فإذا كنا فى KG1 ديمقراطية فيجب علينا أن نتعلم أدب الحوار وثقافة الإختلاف فيما بيننا , فاللياقة والأدب فى الحديث مع الآخر – مهما كان الآخر دون تجريح أو تعالى أو سخرية وتهكم أو القاء الاتهامات يعتبر أدب وثقافة رفيعة يجب أن نتعلمها فى مدارسنا وجامعتنا ومساجدنا وبين أفراد اسرتنا , خاصة أن الاسلام أقر الإختلاف كظاهرة طبيعية فى حياة البشر فقال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.)( الحجرات : 13 ) وكما قال الرسول –صلى الله عليه وسلم " لاَ فَضْلَ لِعَرَبِىٍّ عَلَى أَعْجَمِىٍّ وَلاَ لِعَجَمِىٍّ عَلَى عَرَبِىٍّ وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى " رواه الامام احمد بن حنبل . وكان الإمام الشافعى يقول رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأيى غيرى خطأ يحتمل الصواب " فلا ينبغى لأحد أن يدعى الحقيقة المطلقة , فالحقيقة نسبية فلابد أن نترفع عن الأنانية وحب الذات والعجب بها حتى نجد مكانا لتقبل رأى الآخر , فكان الفيلسوف الفرنسى " جان بول سارتر " يقول " الآخر هو وسيط بينى وبين نفسى وهو مفتاح لفهم ذاتى والإحساس بوجودى " فلكى تقنع الآخر برأيك فلابد أن تتعلم الموضوعية والمرونة والتواضع والعقلانية وسعة الأفق عند الحديث مع الآخر , وأن تتعلم أيضا حسن الإنصات والأسلوب المهذب فى الحديث , وعدم فرض السيطرة على آراء الآخرين قال تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) ( النحل : 125 ). ولكى نتعلم أدب الحوار لأبد أن نربى ابنائنا عليه فى التنشئة الاجتماعية , فعدم المفاضلة بين الابناء واحترام ارائهم والانصات اليهم والمشاركة الفعالة فى مشكلاتهم واشراكهم فى وضع حلول للمشكلات التى تواجه الاسرة واتخاذ القرار , وتعليم الابناء فن الحوار وممارسته الفعلية , يخلق جيلاً قادراً على الحوار والاختلاف باخلاق عالية واحترام رأى الآخر بدون عنف أو تجريح . فالحوار الديمقراطى يعتمد على أدب الحوار وثقافة الإختلاف الخلاف فى الرأى لا يعنى التناقض وإنما هو ظاهرة صحية إيجابية ودليل على مدى ثقافتنا وتباين افكارنا خاصة فى عصر العولمة والانفتاح على الآخر, وتنوع مصادر الوعى والمعرفة .