"ماديبا" الرجل الذي تحول من فتى يربي الماشية في محافظة كيب الشرقية الفقيرة إلى زعيم يغير مسار تاريخ جنوب إفريقيا، عاد مؤخرا إلى مسقط رأسه.. وقد تكون العودة هذه المرة نهائية. عاد نيلسون مانديلا الرئيس السابق لجنوب إفريقيا والحائز جائزة نوبل للسلام، بجسده الواهن وبسنواته ال93 إلى قريته الغالية على قلبه والتي غادرها في عشرينات القرن الماضي ليبدأ برحلة جعلته أيقونة عالمية.
ويقول زيمسيليه غاماكولو (45 عاما) وهو أحد أفراد قبيلة "ماديبا" التي منحت مانديلا اسمه القبلي، "عندما تشاهدون الأعلام ترفرف، هذا يعني أنه هناك"، في إشارة إلى جاره الشهير الذي ينتمي مثله إلى القبيلة نفسها.
وترفرف الأعلام الرسمية في حين يهب النسيم فوق الهضاب المعشوشبة التي تتخلها بيوت متواضعة وحيوانات ترعى.. هنا، يبدو رجل الدولة المسن مستعدا للاستقرار.
ويرى أهل قريته أن عودته إلى المجمع ذي الحراسة المشددة والذي يقع من الجهة الأخرى من منزله السابق، لهو أمر مناسب ودائم بعد الوعكة الصحية التي ألمت به في كانون الثاني/يناير الماضي والذي أثارت القلق في البلاد.
ويقول غاماكولو "أعتقد بأنه عاد نهائيا. فقد مضى على عودته هذه أربعة أشهر، وهو كان قد طالب كثيرا بإحضاره إلى هنا".
يضيف "التقاليد تقضي بألا تتخلى عن ناسك. فأنت تعود دائما إليهم لأن في ذلك عودة إلى جذورك".
يتابع "هذا ما كنا نتوقعه. وكان الأمر ليكون غريبا لو أنه بقي في جوهانسبورغ".
وكان مانديلا قد ولد في قرية ميزو المجاورة، لكنه انتقل وهو بعد فتى إلى قونو حيث نضج شغفه بالمساحات المفتوحة وبالطبيعة.
والقرية الواقعة في كيب الشرقية حيث البطالة متفشية، أصبحت اليوم مجهزة بالمياه والكهرباء وبمنازل من الآجر.
لكن الحياة ما زالت قاسية مع حدائق تزرع فيها الخضار والفاكهة المحلية ومحلات بسيطة لبيع البضائع الأساسية، بالإضافة إلى الطرقات الترابية.
هنا، العالم يختلف كليا عن ضاحية جوهانسبورغ الفخمة التي كان يقطنها. لكن الأخبار تسري في القرية أن لا نية لدى "تاتا ماديبا" أو "تاتامخولو" (أي الأب والجد في لغة اكزوسا) لمغادرة مقر تقاعده الريفي.
وتشير نتومبي نتونديني (29 عاما) التي تعمل في مركز المجتمع المحلي أنه "لا يريد العودة (إلى جوهانسبورغ). هو قال إنه يريد أن يموت هنا".
ومانديلا لم يظهر علنا منذ تموز/يوليو من العام 2010، وهو لم يعد يغادر مقر إقامته حيث تكثر الأشجار والمؤلف من منزلين.
وتقول نتومبي التي تلفت إلى أنه محبوب جدا في القرية، "هو الآن مسن.. مسن جدا. ولم يعد يملك النشاط الكافي للتجول".
تضيف "هو كان أول رئيس أسود في جنوب إفريقيا. ونحن فخورون جدا به، إذ إنه يتحدر من قرية فقيرة مثل هذه".
يستقبل مانديلا زائريه لكنه يبقى بعيدا عن الأنظار، قبالة الهضاب التي اجتازها مرارا وتكرارا وهو بعد فتى وحيث ينظر إليه بفخر إذ إنه البطل المحلي وواحد من أبناء القرية.
ويقول نتوبيكو يوزوا (62 عاما) الذي يتمنى أن يشارك مانديلا في لقاءات محلية، "نحن لا نرحب به كشخص مشهور، بل نرحب به كرجل.. كجار".
يضيف "من الصعب رؤية ماديبا بسبب الأمن المفروض حوله. ليس من السهل زيارته لكننا سعداء لأنه هنا. وعلى الرغم من مرضه، نحن سعداء لأنه في منزله".