عملت إسرائيل على مر التاريخ على عقاب الأسرى الفلسطينيين داخل السجون بكافة أساليب التعذيب والقهر والعزل لكسر إرادتهم، وكان من أهم أساليب الاحتلال عزل الأسرى عن العالم الخارجي ومنعهم من التواصل لمعرفة ما يدور في العالم من أحداث، ولكن الأسرى لم يسلموا بهذا الواقع وقرروا كسر الموانع الإسرائيلية بطريقتهم الخاصة. توجهت إلى تجمع للأسرى المحررين لأكتب تقريرا صحفيا حول سياسة العزل عن العالم الخارجي التي تتبعها إسرائيل بحقهم وقررت الحديث عن "الفيس بوك" كنموذجا باعتباره أشهر أدوات العصر الحديث، وكنت أضع عنوانا للتقرير (ماذا يعرف الأسرى المحررون عن الفيس بوك؟) وكان توقعي أنهم لا يعرفون ما معنى كلمة فيس بوك ويجهلون ابسط أساسيات أشهر أدوات العصر.
ولكن ما أن أجريت عدد من الحوارات مع المحررين حتى اكتشفت أن الأمر مختلف تماما وان إرادة الأسرى علت على سياسات العزل والتجهيل الإسرائيلية، وان الأسرى عملوا بإرادتهم وليس من رفاهية السجان على كسر جميع الموانع للتواصل مع العالم الخارجي وإيصال رسالتهم للعالم باستخدام احدث أدوات العصر، وكان لزاماً علي أن اقلب العنوان ليصبح (كيف استخدم الأسرى المحررون الفيس بوك من داخل الزنازين؟).
موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" الذي غزا العالم وأصبح الشغل الشاغل له واسقط النظام تلو النظام فيما يسمى "الربيع العربي" لم يكن حكرا على من ينعمون بالحرية ويمتلكون أحدث أجهزة الكمبيوتر والأجهزة التكنولوجية الحديثة، بل كان أيضا وسيلة مهمة للأسرى الفلسطينيين لكسر قضبان الزنازين وإيصال صوتهم إلى الخارج ولو بطريقة بالغة الصعوبة وتحمل الكثير من التعقيد والمخاطرة.
الأسير المحرر إياد أبو خيزران والذي قضى أكثر من 20 عاما داخل السجون الإسرائيلية يمتلك حسابا على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وحسابا أخر على Google+، انشأهما وهو داخل الأسر، بطريقة معقدة، في محاولة منه للتواصل مع أهله الذين كانوا ممنوعين من زيارته داخل السجن.
يقول إياد: "امتلك حساب على الفيس بوك كنت أحاول من خلاله إرسال رسائل إلى أهلي وأصدقائي وأعزائي تتضمن تحياتي ومواقفي وآرائي"، موضحا أن ذلك كان يتم من خلال تمكن الأسرى من تهريب جهاز جوال حديث فيه مميزات الاتصال بالانترنت وكتابة رسائل على حسابهم على الفيس بوك وغالبا كانت تتم هذه العملية على فترات متباعدة وبعملية معقدة جدا تحتاج إلى تخطيط لفترات طويلة.
ويشير إياد إلى انه يعرف أهمية هذا الموقع ودوره في ما يسمى "الربيع العربي" وحجم انتشاره في العالم، لكنه ما يزال لا يجيد استخدامه بشكل كبير، وسيعمل جاهدا خلال الفترة المقبلة إلى زيادة استخدامه بشكل مريح بعيدا عن الإجراءات المعقدة التي كانت تتم إبان استخدامه له من داخل السجن، من اجل مواكبة التطورات التكنولوجية الحادثة في العالم والتي عزل عنها لأكثر من 20 عاما.
الأسير المحرر ماجد الجعبة والذي قضى في السجون الإسرائيلية 18 عاما أوضح انه قام وبمساعدة عدد من رفاقه بالسجن بإنشاء حساب له على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك على الرغم من عدم معرفته به أو شكله أو آلية استخدامه، حيث قام بالتقاط صورة له في السجن وإنزالها على صفحته من اجل إيصالها إلى أهله وزوجته وأبنائه.
وأوضح الجعبة أن إدارة السجون تحاول قمع الأسرى ومنعهم من استخدام هذه الأجهزة ولكن الأسرى كانوا ينجحوا في بعض الأحيان بإدخالها للسجن بوسائل مختلفة، بالإضافة إلى إنزالها عقوبة شديدة على من تعلم انه قام بإنزال صورته على الفيس بوك من داخل السجن وتعمل على وضعه في العزل الانفرادي لفترة طويلة.
وأشار الجعبة إلى انه صدم بعد خروجه من السجن من حجم التطور التكنولوجي الحادث في العالم، قائلا: "قبل 18 عام لم يكن شيء من هذه الأجهزة ولم نكن نعرف الكمبيوتر ولا الجوال ولا الفيس بوك ولا أي شيء من هذا القبيل والآن خرجنا لنرى العالم قد تغير وأصبح كل شخص يحمل جوال حديث وجهاز لاب توب ويتواصل مع جميع دول العالم بكل سهولة من خلال هذه الأجهزة والبرامج، انه حقا تطور هائل".
وأضاف: "كنا نسمع من خلال الراديو عن وجود اختراعات حديثة مثل الكمبيوتر والاب توب وأجهزة الاتصال الحديثة ولكن لم نراها ولم نستخدمها إلا بشكل محدود جدا وفي ظروف أمنية صعبه، والآن سأعمل على تعلم استخدامها لألحق بركب التطور التكنولوجي واستخدمها للتواصل مع أهلي في الضفة الغربية".
الشيخ المحرر روحي مشتهى الذي اعتقل قبل 25 عاما أي قبل أن تعرف فلسطين الكمبيوتر أو الانترنت أو أجهزة الاتصال المحمول فاجأني بحجم الثقافة والمعرفة التي يمتلكها حول التطور التكنولوجي في العالم على الرغم من انه لم يلامسها بشكل مباشر أو يتعامل معها واقتصرت معرفته من خلال متابعة الأخبار عبر جهاز الراديو، متحدثا بتوسع عن دور الفيس بوك في الربيع العربي.
وأوضح مشتهى أن الأسرى عملوا على استخدام هذه التكنولوجيا بطريقتين، إما من خلال استخدام بعض أجهزة الجوالات التي يتم تهريبها إلى السجن بطرق معقدة، أو عبر التواصل مع الأهل في الزيارات والطلب منهم كتابة أخبارهم على صفحات الفيس بوك الخاصة بهم ويقوم الأهل في المقابل بنقل الرسائل الهامة التي تصله إلى حسابه على الفيس بوك.
وأكد مشتهى انه ينوي العمل على تعلم استخدام هذه البرامج واستخدامها بما يخدم قضية الأسرى ومن تبقى خلفه في السجون.
ولكن لم تخلى السجون من أسرى تعرضوا للعزل الشديد ولم يتمكنوا من متابعة الأخبار أو معرفة ما يحصل في العالم من تقدم تكنولوجي أو سياسي، فالمحرر شعيب أبو سنينه والذي قضى بالسجون الإسرائيلية 13 عاما، رد على سؤالنا حول كيفية استخدامه الفيس بوك بالسجن بالسؤال "ما هو الفيس بوك؟".
فالمحرر أبو سنينه لم يسبق له أن سمع عن هذا الشيء ولا يعرف ما إن كان هذا الاسم يدل على برنامج كمبيوتر أو شيء أخر، ولكنه عبر عن توجهه إلى تعويض فترة التجهيل التي اتبعها الاحتلال بحقه وتعلم هذه البرامج واستخدامها للحاق بركب التطور التكنولوجي الحاصل في العالم.
وهنا لا بد من التنويه أن استخدام الأسرى للفيس بوك من داخل زنازين الاحتلال لا يعبر عن رفاهية يوفرها الاحتلال للأسرى ولكن هي عزيمة الفلسطينيين الذين يرفضون الخضوع للواقع الذي يحاول الاحتلال فرضه عليهم ويبتكرون كل الوسائل لمواجهة هذه السياسية وإيصال رسالتهم إلى العالم بكل الطرق