في تصعيد جديد يكشف الوجه الحقيقي لمليشيات الحوثي المدعومة من إيران، اقتحمت عناصر الجماعة المسلحة، مقار خمس منظمات دولية في العاصمة اليمنية صنعاء، واحتجزت عددًا من الموظفين، وصادرت أجهزة اتصالات وأصولًا تابعة لتلك المؤسسات. التحركات الحوثية الأخيرة تمثل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الانتهاكات ضد المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق سيطرتها، ما ينذر بتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويؤكد سعي المليشيا إلى إحكام قبضتها الأمنية على كل ما هو إنساني أو دولي داخل البلاد. اقتحامات منظمة ومدروسة كيف يؤثر احتجاز الحوثيين للرهائن على العملية الإنسانية والسياسية في اليمن؟ جرائم مليشيات الحوثي في اليمن: 11 عامًا من الانقلاب والدمار حسب مصادر فإن المليشيات الحوثية نفذت حملة مداهمات متزامنة استهدفت مقار خمس منظمات هي: منظمة أطباء بلا حدود، ومنظمة الإغاثة الإسلامية، ومنظمة العمل ضد الجوع، ومنظمة ACTED الفرنسية، ومنظمة هيومن أبيل البريطانية. وأوضحت المصادر أن الاقتحامات ترافقت مع احتجاز عدد من الموظفين وإخضاعهم لتحقيقات قسرية، ومصادرة أجهزة الحاسوب والاتصالات، إلى جانب استيلاء المليشيا على سيارات ومعدات ميدانية. وشهد مقر منظمة أطباء بلا حدود في الحي السياسي بصنعاء مشهدًا صادمًا، حيث اقتحم المسلحون المكاتب واحتجزوا عددًا من الموظفين المحليين والأجانب لساعات طويلة، فيما تعرض مقر منظمة الإغاثة الإسلامية في شارع حدة لعملية مصادرة واسعة طالت ملفات ومعدات حساسة، بدعوى "التدقيق الأمني" و"مراجعة أنشطة مشبوهة"، وفق زعم الحوثيين. هذه الممارسات، التي تتخذ طابعًا أمنيًا مبررًا بذرائع "الرقابة"، تعكس في واقع الأمر محاولة حوثية لإخضاع المجتمع المدني والمنظمات الدولية لسلطة الجماعة وتحويل العمل الإنساني إلى أداة سياسية. نمط متكرر من الانتهاكات الهجمات على المنظمات الدولية ليست جديدة في سجل الحوثيين، فمنذ مطلع عام 2024، كثفت المليشيات حملاتها ضد المؤسسات الإنسانية، حيث تم اقتحام مقار تابعة للأمم المتحدة ومنظمات إغاثية كبرى، واحتجاز موظفين وناشطين. وكانت آخر تلك الحوادث في 18 أكتوبر الماضي، عندما اقتحم مسلحون حوثيون المجمع السكني للأمم المتحدةبصنعاء واحتجزوا 15 موظفًا، بينهم مسؤولون أجانب، قبل أن تضطر المنظمة الدولية لإجلاء معظمهم خوفًا من تكرار الحادثة. ووفق تقارير حقوقية حديثة، فإن عدد موظفي الأممالمتحدة المحليين المختطفين لدى الحوثيين تجاوز 60 شخصًا، إضافة إلى موظفين من منظمات غير حكومية محلية ودولية، فضلًا عن ناشطين وصحفيين. هذا النمط من الاعتقالات والاحتجازات التعسفية يعكس رغبة المليشيا في تكميم الأصوات المستقلة ومراقبة تدفق المساعدات الإنسانية بما يخدم مصالحها العسكرية والسياسية. أهداف خفية وراء التصعيد يرى محللون أن تصعيد الحوثيين ضد المنظمات الإنسانية يرتبط بتطورات ميدانية وسياسية داخلية، فالمليشيا، التي تعاني من أزمة تمويل خانقة بعد تراجع الدعم الإيراني وتأخر إيرادات الموانئ الخاضعة لها، تحاول الضغط على المجتمع الدولي لإعادة فتح قنوات تمويل جديدة. كما تهدف الجماعة إلى السيطرة على مسار المساعدات الإنسانية وتوجيهها لصالح مقاتليها ومناطق نفوذها، وهو ما ترفضه المنظمات الدولية التي تشدد على ضرورة التوزيع العادل والشفاف للإغاثة. وفي هذا السياق، تُتهم المليشيا باستخدام ورقة "العمل الإنساني" كورقة ابتزاز سياسية للحصول على اعتراف غير مباشر بها كسلطة أمر واقع في شمال اليمن. تداعيات كارثية على الوضع الإنساني الاعتداءات الحوثية الأخيرة تهدد بوقف عدد كبير من أنشطة المنظمات الدولية، التي تشكل شريان الحياة لملايين اليمنيين في ظل أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم. وبحسب تقديرات الأممالمتحدة، يحتاج أكثر من 21 مليون شخص في اليمن إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية، بينما يعتمد نحو 17 مليونًا على المساعدات الغذائية بشكل مباشر. تقول مصادر داخل منظمات الإغاثة إن الوضع الأمني في صنعاء بات مقلقًا للغاية"، وإن المنظمات تدرس إغلاق مكاتبها أو تقليص وجودها الميداني"، وهو ما يعني أن ملايين المدنيين سيُحرمون من المساعدات الغذائية والطبية في المناطق الأكثر تضررًا. الاعتداء على المنظمات لا يعطل فقط عمليات الإغاثة، بل يفاقم أيضًا فقدان الثقة الدولية في قدرة الحوثيين على تأمين بيئة عمل آمنة، الأمر الذي قد يؤدي إلى عزل مناطق سيطرتهم عن المجتمع الدولي بشكل شبه كامل. المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي أدانت عدة منظمات إنسانية الهجمات الحوثية، ووصفتها بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف التي تضمن حماية العاملين في المجال الإنساني أثناء النزاعات المسلحة. كما دعت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية مجلس الأمن إلى التحرك العاجل لوقف هذه الممارسات ومحاسبة المسؤولين عنها، باعتبارها جريمة حرب. لكن المراقبين يرون أن ردود الفعل الدولية لا تزال خجولة، وأن استمرار الصمت الأممي يشجع الحوثيين على التمادي في انتهاكاتهم. وطالبت الحكومة اليمنية الشرعية المجتمع الدولي ب "اتخاذ موقف حازم" وإعادة تقييم التعامل مع الحوثيين كجهة يمكن التفاوض معها، في ظل استمرارهم في استهداف المنظمات والمجتمع المدني. انعكاسات سياسية وأمنية تأتي هذه التطورات في وقت تسعى فيه الأممالمتحدة إلى إحياء مسار السلام اليمني المتعثر، غير أن ممارسات الحوثيين الأخيرة تعقّد المشهد وتؤكد أنهم غير معنيين بالحلول السياسية. كما يرى مراقبون أن الجماعة تحاول إرسال رسالة مزدوجة: الأولى إلى الداخل، مفادها أنها "القوة الوحيدة المسيطرة"، والثانية إلى الخارج، بأنها تملك القدرة على تعطيل أي تحرك دولي لا يرضيها. إلا أن هذه السياسة قد تنقلب ضدها، إذ تؤدي إلى تزايد العزلة السياسية والاقتصادية لصنعاء، وانكماش موارد الجماعة، ما يضعها في مواجهة مأزق داخلي حاد في ظل تدهور الأوضاع المعيشية وانهيار الخدمات. تكشف عمليات اقتحام مقار المنظمات الدولية في صنعاء عن نهج ممنهج من القمع والسيطرة يتجاوز الأهداف الأمنية المعلنة، فالحوثيون يسعون إلى احتكار العمل الإنساني والإغاثي كوسيلة للابتزاز السياسي والاقتصادي، في حين يدفع المدنيون ثمن هذه الممارسات. إنّ استمرار هذه الانتهاكات دون ردّ دولي حاسم سيؤدي إلى مزيد من تدهور الوضع الإنساني في اليمن، وربما انهيار كامل للجهود الأممية الرامية لإحلال السلام. ويبقى السؤال: هل يتحرك المجتمع الدولي لوضع حد لجرائم الحوثيين، أم أن الصمت سيبقى الغطاء الذي تواصل تحته المليشيا ارتكاب فظائعها بحق اليمنيين والمنظمات الإنسانية؟. الانشقاقات في صفوف الحوثيين تكشف عن أزمة ثقة عميقة: صلاح الصلاحي نموذجًا قطع خطوط إمداد الحوثيين عبر البحر الأحمر يحمي الملاحة الدولية في اليمن