لم تعد الرياضة مجرد منافسة على الميداليات أو أداة للترفيه الجماهيري، بل أصبحت لغة عالمية قادرة على توحيد الشعوب، وجسرًا للتفاهم بين الأمم، ومنصة لتطبيق مبادئ العدالة والمساواة والحوكمة، من هنا ظهرت فكرة "الأممالمتحدة للرياضة" — مفهوم رمزي واستراتيجي يشير إلى منظومة دولية تضم كبرى المؤسسات والمنظمات الرياضية، التي تعمل وفق رؤية تشبه في جوهرها دور الأممالمتحدة السياسية، ولكن عبر أدوات رياضية وإنسانية، هذه المنظومة تقود اليوم ما يمكن تسميته ب "الدبلوماسية الرياضية الجديدة"، التي تُستخدم فيها البطولات، والسياسات الرياضية، والقوانين الدولية كأدوات للتقريب بين الثقافات، وحماية القيم الإنسانية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) التي اعتمدتها الأممالمتحدة عام 2015. أولا:- مفهوم الأممالمتحدة للرياضة، حيث يقوم هذا المفهوم على أن الرياضة أصبحت مؤسسة عالمية ذات أركان وأجهزة وهيئات تشبه الأممالمتحدة من حيث الهيكل والتأثير، فإذا كانت الأممالمتحدة تتألف من مجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية، فإن الأممالمتحدة للرياضة تضم في هيكلها الرمزي: أبطال أندية وادى دجلة يتألقون في رمي الرمح -الكاراتيه - الجمباز والسباحة ويحققون إنجازات عالمية وقارية رئيس الاتحادين العربى والافريقي يشيد بدور مصر فى نشر السلام بشرم الشيخ (1)- اللجنة الأولمبية الدولية (IOC) – بحكم سلطتها في التشريع وتنظيم الحركة الأولمبية. (2)- الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) – يمثل "الجمعية العامة" للرياضة نظرًا لتعدد الدول الأعضاء فيه وتنوعها الجغرافي. (3)- الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات (WADA) – تمثل "محكمة النزاهة" التي تحافظ على العدالة والمساواة في المنافسة. (4)- محكمة التحكيم الرياضي (CAS) – تمثل "محكمة العدل الرياضية الدولية"، وهي الجهة القضائية العليا في النزاعات الرياضية. (5)- اليونسكو واللجنة الدولية للإنصاف الرياضي – تمثل "مجلس حقوق الإنسان الرياضي"، الذي يعزز المساواة والتمثيل المتكافئ. ثانيا /- الأهداف الكبرى للأمم المتحدة للرياضة (1)- تعزيز السلام العالمي، وذلك عبر مبادرات مثل Peace and Sport وSport for Development and Peace (UNOSDP). (2)- تحقيق العدالة والنزاهة، وذلك من خلال القوانين الموحدة لمحاربة الفساد والمنشطات والتلاعب بالنتائج. (3)- تمكين المرأة والشباب، وذلك من خلال دعم برامج الإدماج الرياضي في الدول النامية. (4)- الاستدامة البيئية، من خلال تطبيق معايير الاستدامة في تنظيم البطولات والأحداث الرياضية. (5)- الرقمنة والابتكار، وذلك من خلال دمج الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين في الإدارة الرياضية الدولية. ثالثا:- أفضل الممارسات العالمية في الأممالمتحدة للرياضة (1)- مبادرة IOC – "Sport for Climate Action" ، والتي أطلقتها اللجنة الأولمبية لتقليل الانبعاثات الكربونية في الأحداث الرياضية الكبرى، حيث يعد أفضل مثال على ذلك أولمبياد ( باريس 2024) والتي تعدّ أول دورة "محايدة كربونيًا". (2)- برنامج FIFA Forward 3.0، والذي يُموّل الاتحادات الصغيرة بمبالغ تصل إلى ( 8 ملايين دولار) لدعم البنية التحتية والحوكمة. (3)- اتفاقية WADA العالمية للنزاهة الرياضية 2023، حيث أنشأت منظومة قانونية دولية لمحاربة المنشطات والتحايل الإلكتروني في الرياضة. (4)- التحالف الدولي للنزاهة في الرياضة (SIGA) ، والذي يطبق معايير الحوكمة والشفافية على المؤسسات الرياضية العامة والخاصة عالميًا. (5)- مبادرة الأممالمتحدة "Sport for SDGs" ، والتي تعتمد 17 هدفًا للتنمية المستدامة في خطط الاتحادات الرياضية، منها ( الصحة، والمساواة، والتعليم، والعمل اللائق). الرسالة الإنسانية والرمزية، تكمن في إن جوهر الأممالمتحدة للرياضة ليس فقط في التنظيم، بل في ترسيخ فلسفة السلام عبر الرياضة، وإعلاء قيمة الإنسان قبل البطولة، فهي تسعى إلى عالمٍ تكون فيه المباراة جسرًا للتفاهم، والقانون الرياضي ضمانًا للعدالة، والابتكار الرقمي سبيلًا للحوكمة، ليصبح الرياضي سفيرًا، والمنافسة وسيلةً للسلام. في النهاية، الأممالمتحدة للرياضة ليست حلمًا طوباويًا، بل واقعًا يتشكل يومًا بعد يوم مع تزايد النفوذ المؤسسي للرياضة في العالم، الرياضه أصبحت منظومة قادرة على بناء عالم أكثر عدالة وسلامًا عبر لغة عالمية واحدة.