عندما يقرر شخص ما أن يحتكم إلى قوته العضلية المجردة لتسوية نزاع نشأ بينه وبين شخص آخر فإن النتيجة غالبا لن تتجاوز الجروح والكدمات والكسور ( لدى كلا الطرفين فى معظم الأحوال)، فإذا ما قرر أن يستخدم سلاحا فإن النتائج عندئذ سوف تكون أفدح بكثير)، أما بالنسبة للدول، فإن لجوء دولة معينة إلى القوة العسكرية من شأنه أن ينتج دائما نتائج كارثية، ليس فقط بالنسبة للدولة التى تعرضت للهجوم، بل أيضا وفى معظم الأحيان للدولة المهاجمة ذاتها، ولا شك أن أول وأهم التكاليف التى يتحملها الطرفان هى التكاليف فى الأرواح التى يصعب دائما إن لم يستحل تماما حصرها على أفراد الجيوش المتحاربة والنأى بها عن المدنيين المسالمين، ويكفى فى هذا المجال أن نذكر القارئ بأن الخسائر البشرية فى الحرب العالمية الأولى تقدر بعشرة ملايين قتيل فى أكثر التقديرات تواضعا بينما تصل بها تقديرات أخرى إلى عشرين مليونا، أما عدد المصابين فهو فى المتوسط ضعف عدد القتلى، وأما الحرب العالمية الثانية فإن عدد ضحايا قد بلغ خمسة أضعاف عدد الضحايا فى الحرب العالمية الأولى، وربما كان من المروع للمرء أن يعرف أن عدد الضحايا من الاتحاد السوفيتى وحده قد بلغ 26 مليون إنسان، غير أن ذكرى هذا العدد المهول من الضحايا لم يمنع روسيا الاتحادية التى هى الوريث المعاصر للاتحاد السوفيتى، لم يمنعها مؤخرا من غزو جارتها «أوكرانيا» التى كانت تمثل معها منذ ثلاثة عقود أو ما يزيد قليلا كانت تمثل جزءًا من الاتحاد السوفيتى ذاته، وإذا كانت ألمانيا النازية هى المسئول الأول عن العدد المهول من الضحايا فى الحرب العالمية الثانية، فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية هى المسئول الأول عن إهلاك الأرواح البشرية فى العقود التالية للحرب، ويكفى هنا أن نذكر القارئ بأن العدد الكلى لضحايا الحرب فى فيتنام وكمبوديا ولاوس فى الفترة ما بين 1964و1975 قد بلغ ما يقدر بأربعة ملايين قتيل من بينهم ما يقرب من مليونين ونصف من الفيتناميين والكمبوديين واللاوسيين ممن لاقوا حتفهم بأيدى القوات الأمريكية، فى حين قام الفيتناميون الشماليون بإبادة ما يقرب من مليون ونصف المليون من الأمريكيين وحلفائهم الجنوبيين، كذلك فإن الولاياتالمتحدة مسئولة عن قتل ما يقرب من مليون عراقى فى عملية غزوها للعراق عام 2003، وقد مات هؤلاء: إما نتيجة مباشرة للقصف أو قبل ذلك نتيجة للجوع وتفشى الأمراض مع نقص الإمدادات والأدوية الذى نتج عن الحصار، وتأتى فرنسا فى المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدة حيث يكفى هنا أن نذكر أنها قامت فى الفترة ما بين 1954 و1962بقتل مليون ونصف المليون من أبناء الشعب الجزائرى لمجرد أن الجزائريين قاموا بالمطالبة بحقهم المشروع فى الاستقلال عن فرنسا التى قامت باحتلال الجزائر عام 1827 وضمها بالقوة.. بعد التكلفة البشرية تأتى التكلفة المادية التى تتمثل أولا وقبل كل شىء وحتى قبل أن تبدأ العمليات الحربية ذاتها تتمثل فى تدبير التمويل اللازم للحرب من تزويد الجيوش بالأسلحة والعتاد ومركبات النقل للأفراد والمهمات والذخائر ووسائل التموين والإعاشة، ثم تأتى بعد ذلك التكلفة المصاحبة للعمليات المتمثلة فى استهلاك الوقود والذخائر بمختلف أنواعها وعياراتها، وبعد ذلك وهذا هو الأهم والأفدح فهو ما يتمثل فى الآثار المترتبة على استخدام وسائل القصف والتدمير سواء كان القصف منصبا على الأهداف العسكرية للخصم أو الأهداف المدنية الاستراتيجية التى توفر للقوات المعادية وسائل الإعاشة والحركة وقد تمتد بحيث تنال كل المواقع التى تعتبر مصادر للقوة لدى الخصم، بل إنها قد تصل أحيانا إلى حد التدمير الشامل لأحياء أو حتى لمدن بأكملها مثلما قام الحلفاء بتدمير مدينة درسدن الألمانية الصناعية وتحويلها إلى أنقاض فى الفترة ما بين 13إلى 15فبراير 1945، وتشير بعض التقديرات إلى أن الخسائر التى لحقت بدرسدن قد تتجاوز ما يعادل التريليونين من الدولارات بالأسعار الحالية، والواقع أن رقم التريليون (ألف مليار أو مليون مليون) هو رقم عادى فى حساب تكاليف الحروب، وعلى سبيل المثال فقد قام فريق من الباحثين فى جامعة براون الأمريكية بتقدير ما أنفقته الولاياتالمتحدة فى الحرب فى أفغانستان والصراعات الأخرى الناجمة عن هجمات 11 سبتمبر 2001 بمبلغ خمسة تريليونات وثمانمائة مليار دولار، ولما كانت المعونات الاقتصادية التى تقدمها أمريكا لمصر تبلغ 850 مليون دولار أى أقل من مليار واحد، فإن معنى هذا هو أن ما أنفقته أمريكا فى حروبها تلك فقط تعادل ما يمكن أن تقدمه من معونة لمصر فى ستة آلاف عام والسؤال الآن هو: ماذا لو وجهت أمريكا أموالها لدعم التنمية الاقتصادية فى الشرق بدلا من الحرب، والجواب فى اعتقادى هو أن جزءًا كبيرًا من الإرهاب سوف يختفى تلقائيا، وعندها لن تحتاج أمريكا إلى المزيد من الحروب، والمضرور الوحيد فى هذه الحالة هم منتجو الأسلحة وتجارها، وهؤلاء هم المشكلة الحقيقية ومصدر البلاء.