نائبة بالشيوخ: التعليم الجيد السبيل الوحيد لبناء المواطن في أي دولة مدنية حديثة    "العمل بأسيوط" تنظم ندوات توعوية حول أحكام قانون العمل    الأنبا بشارة يشارك في صلاة ليلة الاثنين من البصخة المقدسة بكنيسة أم الرحمة الإلهية بمنهري    غرفة المطاعم: 9 مايو المقبل آخر موعد لتلقي طلبات المنشآت السياحية استثنائها من تطبيق الحد الأدنى للأجور    لجنة الإسكان بمجلس النواب توافق على موازنات الهيئة القومية لمياه الشرب وهيئة تنمية الصعيد    محافظ أسيوط يشيد بمركز السيطرة للشبكة الوطنية للطوارئ بديوان عام المحافظة    إزالة 22 تعدي على الزراعات وأملاك الدولة بالشرقية    أمين مجلس التعاون الخليجي: الهجمات الحوثية في البحر الأحمر تمثل تهديدا غير مقبول للتجارة العالمية    مراسم رسمية.. الرئيس السيسي وقرينته يستقبلان رئيس البوسنة والهرسك وزوجته بقصر الاتحادية    بعد التأهل للنهائي.. رقم تاريخي ينتظر جوميز مع الزمالك    جوارديولا: سباق لقب الدوري طويل    وصلت ل10%.. مصدر يكشف ل الشروق عقوبة ثلاثي الأهلي بعد مباراة مازيمبي    الرياضية: الصين تستضيف كأس السوبر السعودي    الداخلية: ضبط عصابة و71 سلاحا ناريا و227 كيلو مخدرات خلال يوم    إصابة عامل بطلق ناري في قنا.. وتكثيف أمني لكشف ملابسات الواقعة    «أزهر الشرقية»: لا شكاوى من امتحانات «النحو والتوحيد» لطلاب النقل الثانوي    إحالة عاطلين للجنايات في سرقة حقائب السيدات وحيازة فرد خرطوش بالقاهرة    قنوات ART تنعى عصام الشماع: أعماله ستظل خالدة في وجدان المشاهد العربي    أبو الغيط يهنئ الأديب الفلسطيني الأسير باسم الخندقجي بفوزه بالجائزة العالمية للرواية العربية    515 دار نشر تشارك في معرض الدوحة الدولى للكتاب 33    محافظ الغربية يشهد ختام فعاليات مبادرة عيون أطفالنا مستقبلنا    تحت شعار "عقلك كنزك ".. كلية الطب جامعة قناة السويس تعقد ندوة توعوية حول "ما بعد السكتة الدماغية"    «معلومات الوزراء»: ألمانيا والصين الأكثر إصدارا للسندات الخضراء    بسبب حرب غزة| طلاب الجامعات في واشنطن ينادون بتغييرات في العلاقات مع إسرائيل    الوادي الجديد تبدأ تنفيذ برنامج "الجيوماتكس" بمشاركة طلاب آداب جامعة حلوان    الزمالك: الفوز على الأهلي ببطولتين.. ومكافأة إضافية للاعبين بعد التأهل لنهائي الكونفدرالية    إصابة 6 أشخاص في حادث تصادم على طريق جمصة بالدقهلية    دراسة تكشف العلاقة بين زيادة الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم    بحضور وزير الخارجية الأسبق.. إعلام شبين الكوم يحتفل ب عيد تحرير سيناء    التعاون الاقتصادي وحرب غزة يتصدران مباحثات السيسي ورئيس البوسنة والهرسك بالاتحادية    ولع في الشقة .. رجل ينتقم من زوجته لسبب مثير بالمقطم    مصرع شخض مجهول الهوية دهسا أسفل عجلات القطار بالمنيا    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    برشلونة أبرزها.. مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    تطور عاجل في مفاوضات تجديد عقد علي معلول مع الأهلي    منهم فنانة عربية .. ننشر أسماء لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائى فى دورته ال77    «ماستر كلاس» محمد حفظي بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير.. اليوم    مؤسسة أبو العينين الخيرية و«خريجي الأزهر» يكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين.. صور    ضحايا بأعاصير وسط أمريكا وانقطاع الكهرباء عن آلاف المنازل    مركز تدريب هيئة الطاقة الذرية يتسلم شهادة الأيزو ISO 21001: 2018    البحوث الإسلامية يعقد ندوة مجلة الأزهر حول تفعيل صيغ الاستثمار الإنتاجي في الواقع المعاصر    «الرعاية الصحية» تشارك بمؤتمر هيمس 2024 في دبي    أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على طلاقها من أحمد العوضي    خسائر جديدة في عيار 21 الآن.. تراجع سعر الذهب اليوم الإثنين 29-4-2024 محليًا وعالميًا    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    مجموعة طلعت مصطفى تقرر شراء 10 ملايين أسهم خزينة    اتحاد الكرة: قررنا دفع الشرط الجزائي لفيتوريا.. والشيبي طلبه مرفوض    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    البورصة المصرية.. «EGX30» يقفز 2.90% و«السوقي» يربح 28 مليار جنيه في مستهل التعاملات    من هي هدى الناظر زوجة مصطفى شعبان؟.. جندي مجهول في حياة عمرو دياب لمدة 11 سنة    مطار أثينا الدولي يتوقع استقبال 30 مليون مسافر في عام 2024    مصرع عامل وإصابة آخرين في انهيار جدار بسوهاج    أمين لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب    "استمتع بالطعم الرائع: طريقة تحضير أيس كريم الفانيليا في المنزل"    سامي مغاوري: جيلنا اتظلم ومكنش عندنا الميديا الحالية    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    "بلومبرج": الولايات المتحدة تضغط من أجل هدنة في غزة وإطلاق سراح الرهائن    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خريف المنطق
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 02 - 2019

يتصور الناس أن هناك حكمة خفيّة فى السياسات العالمية الكبرى.. وأنه لا مكان للخطأ أو العبث. كلّ الخطوات مدروسة.. كلّ السيناريوهات منضبطة.. كلّ مقدمة تقود إلى نتيجة، وكل قرار يؤدى إلى غاية.
لا أعتقد أن الأمور تسير حقًا على هذا النحو الهندسى الحاسم. ذلك أن بعض القرارات بلا منطق، وبعض السياسات بلا دراسة.. وكثيرٌ من التحليلات والنظريات تخترع الحكمة اختراعًا حتى توجد لها مكان.
يأتى هذا الحديث بمناسبة.. نهاية الحرب الأمريكية فى أفغانستان بعد 18 عامًا. بدأت الحرب عام 2001 ضدّ نظام طالبان وانتهت الحرب عام 2019 بعودة طالبان. فى عام 2001.. طالبان حركة إرهابية كبرى.. وفى عام 2019.. طالبان قوة سياسية تشارك فى صُنع السلام.
فيم كانت الحرب إذن؟ وفيم كانت الأموال والدماء؟ وفيم كانت الخطب والتصريحات؟
إن تأمُّل ما جرى فى تلك الحرب - وهى الأطول فى تاريخ أمريكا - يذهب بنا إلى أن المنطق بات يواجه تحديات ضخمة.. وأن اللامنطق يجد كل يومٍ مكانًا أكثر اتساعًا. يقول الرئيس دونالد ترامب: إننا ننفق «50» مليار دولار فى حرب أفغانستان كل عام. والآن نتفاوض معهم للعودة إلى ما قبل 18 عامًا.
قدرّت وزارة الدفاع الأمريكية تكاليف الحرب فى أفغانستان عام 2018 بنحو «45» مليار دولار.. وقدرّها الرئيس ترامب بنحو «50» مليار دولار.. وإذا ما تم تقدير إجمالى تكلفة الحرب مع ثبات الرقم السنوى الذى أعلنه الرئيس ترامب.. تكون الحرب فى أفغانستان قد تكلفت نحو «900» مليار دولار.. وهو رقم قريب من تقدير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن.
لكن مراكز دراسات أخرى ترتفع بالرقم قليلًا ليزيد على التريليون دولار. أما جامعة براون الأمريكية فإنها تصل بالرقم إلى قرابة الضعف. وينقل موقع هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» عن نيتا كراوفورد منسقة مشروع تكلفة الحروب فى جامعة براون الأمريكية تقدير فريق المشروع لتكلفة الحرب على أفغانستان بأكثر من «2» تريليون دولار. وأمّا تكلفة الحروب الأمريكية فى أفغانستان وباكستان والعراق منذ 2001 فهى تزيد على الخمسة تريليونات دولار!
لا تشمل هذه الأرقام التكاليف المستقبليّة لرعاية قدامى المحاربين. وتقدِّر ليندا بلايم من جامعة هارفارد نفقات الخدمات الطبية للمحاربين فى هذه الحروب خلال الأربعين سنة القادمة بأكثر من تريليون دولار.
لقد تجاوزت نفقات حرب أفغانستان نفقات حرب فيتنام.. إن حرب أفغانستان بتقدير عدد كبير من الباحثين.. هى ثانى أعلى الحروب تكلفةً فى التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية. وقد توصّل عالم الاقتصاد جوزيف ستيجلز الحائز على جائزة نوبل فى الاقتصاد.. فى دراسته الشهيرة مع جامعة هارفارد.. إلى أن حرب العراق وحدها تجاوزت الأربعة تريليونات دولار من دون النفقات الطبية المستقبلية. أمّا الرئيس دونالد ترامب فإنَّهُ يقدّر تكاليف الحرب فى العراق بأكثر من ستّة تريليونات دولار. إذا ما اعتمدنا رقم الرئيس ترامب فى حرب العراق، ورقم «جامعة براون» فى حرب أفغانستان.. تصل تكلفة الحربيْن إذن إلى أكثر من «8» تريليونات دولار!
قال لى وزير الإعلام العراقى الأشهر «محمد سعيد الصحاف» حين التقيته فى أبوظبى قبل سنوات: لقد عرضنا على أمريكا أن تأخذ النفط بسعر عشرة دولارات للبرميل ولكن بوش الابن رفض.. وأصّر على الحرب وإسقاط نظام صدام حسين. وفى تقديرى لو أن أمريكا كانت قد عقدت هذه الصفقة لوفرّت تريليونات الحرب ومعها تريليونات النفط.. لكنها لم تفعل.
إن الدماء التى سالتْ فى هذه الحروب هى أعلى تكلفة بكثير من كل هذه التريليونات.. ففى حرب أفغانستان خسر الجانب الأمريكى أكثر من «2000» قتيل و«20» ألف مصاب.. وخسر الجانب الأفغانى أكثر من مائة ألف قتيل. تتحدّث مراكز الدراسات الاجتماعية الأمريكية عن خسائر نفسيّة هائلة فى صفوف الأمريكيين.. حيث يعانى ثلث مليون من الجنود السابقين ممن خدموا فى حربى أفغانستان والعراق من إصابات فى الرأس.. أدت إلى اضطرابات ذهنيّة. وحسب «بى بى سى» فإن تقريرات المركز الوطنى للجنود المتقاعدين فى الولايات المتحدة مروّعة للغاية.. حيث يُقدِم على الانتحار «20» جنديا متقاعدا كل يوم!
يتفهم كثير من الأمريكيين قول الرئيس ترامب لقد تسلمتُ فوضى عارمة.. حروب لا نهاية لها.. مع قتلى وإنفاق غير محدود. إن السؤال الذى يطرح نفسه الآن.. أين المنطق فى كلِّ ما جرى؟ أين مصلحة واشنطن فى إنفاق التريليونات وتشييع القتلى؟
يتحدث كثيرون عن «لا أخلاقية الحرب».. وعن الدول التى تهدّمت، والدماء التى أريقت.. عن أم القنابل والطائرات بدون طيار. لكن الرد الطبيعى على ذلك هو أن الحرب بطبيعتها فكرة لا أخلاقية.. وأنّه مادامت تتحقق أهداف المنتصر.. فإن الحديث عن أخلاقية الحرب لن يتجاوز هوامش التاريخ.
لكن المعضلة هنا ليست كذلك.. المعضلة هى لا منطقية الحرب.. بغضِّ النظر عن لا أخلاقية الحرب. إنها دماء فى الهواء.. حروب عبثية تنتهى من حيث بدأت. بعد سنوات طويلة من المال والدم.. عادت طالبان إلى ما كانت عليه قبل الحرب. لا هدف إذن ولا غاية. لا منطق فى حرب الثمانية عشر عامًا.. ولا رؤية. سيقول البعض كان الهدف تدمير أفغانستان.. هذا صحيح، ولكنها كانت متهدّمة أصلًا. إذن فقد كان الهدف إسقاط النظام.. لكن النظام قد عاد من جديد.. وجرى الاعتراف به والتفاوض معه. إنّ ما لم يفكر فيه أحد.. أو لا يجرؤ على التفكير فيه.. هى أنها قد تكون مؤامرة على أمريكا بمثل ما أنّها مؤامرة على أفغانستان.. إنهاك أمريكا عبْر تدمير أفغانستان. لقد تجرأ الرئيس ترامب وقام بترجيح هذا الاحتمال..
إن صعود اللامنطق فى العلاقات الدولية.. هو أكبر مصدر لتهديد السلام العالمي. سيحاول البعض اختلاق الحكمة بأثر رجعى وادعاء عبقرية زائفة.. لكن ذلك كله لا يمكن أن ينفى ذلك الصعود الكبير .. للدور السياسى للغباء.
لمزيد من مقالات أحمد المسلمانى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.