فى 30 أبريل تمر الذكرى 44 لتحرير آخر مدينة فيتنامية من أيدى القوات الأمريكية، حيث قامت القوات الفيتنامية الشمالية بتحرير مدينة سايجون عام 1975 لتنهى الحرب الأمريكية على فيتنام، وتلقن الولاياتالمتحدة درسا قاسيا لم ولن تنساه، فرغم فارق القوة الهائل بين الطرفين، والقصف المستمر والقتل والتعذيب الممنهج للشعب الفيتنامى الأعزل، وإستخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية التى قتلت الملايين، فإن إرادة الفيتناميين لم تنكسر، وازدادوا صلابة وقوة ومقاومة، وبالطبع فقد كان هناك فارقا كبيرا بين عقيدة المقاتلين الأمريكان الذين يحاربون من أجل أهداف ليست جوهرية، لمجرد زيادة بسط النفوذ الأمريكى، وبين عقيدة الفيتناميين الذين كانوا يحاربون حرب وجود، فأكدوا أن الإرادة والعزم إذا توفروا يمكنهم هزيمة الخصم مهما بلغت قوته وجبروته.. ورغم أن الخسائر الفيتنامية كانت مهولة، بقتل الملايين بالإضافة إلى التلوث الكيميائى الذى ما زال ضحاياه مستمرين حتى الآن، حيث يكثر تشوهات المواليد والإصابة بالسرطان نتيجة تلوث معظم مصادر المياه والأراضى الزراعية فى فيتنام، والتى تستلزم لإزالة آثارها قرنًا كاملًا طبقًا لما أقره الخبراء الكيميائيون، إلا أن الخسائر الأمريكية كانت كبيرة أيضًا، حيث سقط منهم حوالى 57 ألف قتيل، وبلغ عدد الجرحى 154 ألف شخص، بالإضافة إلى مئات الأسرى.. وهو ما لم يتوقعوه ممن كانوا يتعاملون معهم بمنتهى الاستعلاء والعنصرية، ويصفونهم بالقمل الأبيض كما جاء على لسان الجنرال وليام وستمورلند رئيس أركان الجيش الأمريكى آنذاك، والجنرال ماكسويل تايلور أحد القادة الأمريكيين الذى وصفهم قائلًا: «إن الفيتناميين ليسوا بأفضل من قمل يغزو جلد الكلب».. وكذلك وصفهم الضابط جون مكلين الذى كان متوليًا العلاقات العامة فى السفارة الأمريكية فى سايجون فقال: «إن عقول الفيتناميين تعمل كما تعمل السيقان الرخوة للطفل المشلول، وأن محاكماتهم العقلية لا تضاهى طفلًا أمريكيًا فى السادسة من عمره».. ولكن أثبت الفيتناميون رغم ما نالهم من ويلات الحرب، أنهم أقوى وأكثر صبرًا وجلدًا حتى حققوا النصر وأخرجوا آخر جندى أمريكى.. وقد كانت الحرب الأمريكية على فيتنام ضمن محاولاتهم القضاء على النفوذ الشيوعى، حيث كانت فيتنام منقسمة إلى قسمين وفقا لاتفاقية جنيف عام 1954، وهما فيتنام الشمالية والتى كانت موالية للاتحاد السوفييتي، أما فيتنامالجنوبية فكانت موالية للولايات المتحدة، وطبقًا للاتفاقية كان من المفترض إقامة استفتاء فى البلدين عام 1956 من أجل إقامة حكومة موحدة، ولكن دعمت الولاياتالمتحدة الحركة الرافضة للاستفتاء عام 1955 خوفًا من انتشار الشيوعية فى آسيا، وبدأت ترسل جنودها إلى سايجون عاصمة الجنوب، وظلت حالة الشد والجذب بين الشيوعيين والرأسماليين، حتى شكل الشيوعيون الموجودون فى الجنوب قوة سميت بالفيت كونج، تستهدف التخلص من السيطرة الأمريكية على جنوبفيتنام عام 1958، وبدأت تشتبك مع القوات المدعومة من الولاياتالمتحدة، حتى أعلن الرئيس الأمريكى جون كيندي، عام 1961 وقوف بلاده إلى جانب حكومة فيتنامالجنوبية، ودعمها بكل ما أوتى من قوة، وأرسل 400 مستشار عسكرى لتدريب الجيش الجنوبي، ثم تم إرسال 8000 جندى أمريكى فى العام نفسه، وفى المقابل سيطرت قوات الفيت كونج على أعداد كبيرة من القرى فى فيتنامالجنوبية، وبدأوا المواجهة المباشرة مع القوات الأمريكية، وظل التصعيد مستمرا من الجيش الأمريكى الذى زاد إلى 23 ألف جندي، وفى عام 1965 أعلنت الولاياتالمتحدة إرسال 100 ألف جندى من الولاياتالمتحدة وأستراليا ونيوزيلندا والفلبين وكوريا الجنوبية، للقتال فى فيتنام، وخلال عامين زادوا إلى 485 ألف جندى ورغم ذلك كانت ضربات المقاومة مستمرة، وكانوا يستخدمون القاعدة التى وضعها صن تزو الفيلسوف والخبير العسكرى الصينى الذى ولد عام 545 قبل الميلاد: «تجنب نقاط القوة وهاجم نقاط الضعف»، فكانوا يتسببون فى خسائر كبيرة للقوات الأمريكية، كما أنهم استطاعوا تغيير موقف الشعب الأمريكى من الحرب، وبعد أن كان ثمانون بالمائة من الشعب موافقًا على الحرب فى فيتنام تعالت الأصوات المطالبة بالانسحاب ووقف الحرب، ليتم الانسحاب الأمريكى من فيتنام عام 1973، ومع اختفاء الأمريكيين من الساحة الفيتنامية، تمكنت قوات الفيت كونج من دخول العاصمة الجنوبية سايجون ليرحل بعدها جنود الولاياتالمتحدة، الذين كانوا يحمون السفارة الأمريكية فى سايجون.. ورغم أن هذه الحرب امتدت لسنوات طويلة، وانتهكت فيها الولاياتالمتحدة حقوق الإنسان وارتكبت أبشع الجرائم ضد الإنسانية، فإن الفيتناميين أثبتوا من خلالها أن الانتصار فى المعارك لا يعتمد على القوة المجردة، لكن يحتاج استخدام العقل وفهم نقاط القوة والضعف، والصبر وعدم اليأس مهما بلغت الخسائر.. فكما يقول الله سبحانه وتعالى فى الآية 249 من سورة البقرة: {فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا اليَوْمَ بِجَالُوتَ وجُنُودِهِ قَالَ الَذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.