أعلنت الكنيسة المصرية قبل اجتماع المجمع المقدس الذى عقد الاثنين الماضى، عن تعديلات إدارية تعيد تشكيل مركزها الإعلامى، مع إضافة مسميات وظيفية جديدة ونقل وجوه تواجدت منذ اعتلاء البابا تواضروس الثانى كرسى البطريركية. وجاءت التغييرات أيضاً قبل رسامة الأساقفة الجدد وإعداد زيت الميرون، ما أثار تساؤلات عن توقيت التشكيل الجديد وما سيليه من أحداث، بالإضافة إلى ما تم إعلانه من مواقف على السوشيال ميديا، والتى تدور جميعها حول خلافات بين البابا والدوائر المحيطة به، سواء بالمجمع المقدس أو السكرتارية، وهى خلافات وصل بعضها إلى حد الاستقالات. 1- بيان مرفوض جاءت صياغة بيان التعديلات والتشكيل الجديد منطقياً فى ظاهره، لكن التوقيت كان مثيراً للدهشة، ويتردد أن المركز الإعلامى بتشكيله القديم كان قد رفض نشر بيان بتفاصيل السيامات الجديدة، وأنها وصلت الإعلام بعد نشر القمص داوود لمعى، كاهن كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة، خطاباً موجهاً لأحد الأساقفة لحضور تلك الرسامات. وبحسب ما تم فإن المركز الإعلامى بالتغيير الجذرى فى تشكيله يبدأ عمله مع بداية لقاءات المجمع المقدس، وهو ما دفع رواد مواقع التواصل الاجتماعى وبعض المهتمين لتحليل الحدث على إنه رد فعلى من البابا على رفض المركز الإعلامى والمتحدث باسم الكنيسة نشر بيان السيامات الجديدة. وما يقال فى الأروقة إن الرفض جاء للتعبير عن غضب الكثير من الأساقفة لاختيار البابا المرشحين للأسقفية دون الرجوع للمجمع المقدس، أو حتى لجنة الإيبارشيات والأساقفة، وهى المعنية بالأساس بهذا الإجراء، ويستند المختلفون مع البابا إلى أن الكنيسة بالأساس ليست كنيسة بطريرك يتخذ فيها القرارات بشكل فردى دون مشورة باقى الأساقفة. 2- عهد الانقلابات وبدا أن البابا كان فى مأزق قبل لقاء المجمع المقدس، وصدور قرار التشكيل الجديد، وهو ما ظهر خلال اجتماع المجمع المقدس والذى ناقش الكثير من المشاكل وأحاطت به الأقاويل عن خلافات لم تقتصر على معارضى البابا من الأساقفة القدامى، لكنها طالت بعض من المحيطين به والدائرة المقربة، لعل أبرزها الأنبا رافائيل، أسقف عام كنائس وسط القاهرة، والسكرتير السابق للمجمع المقدس، والذى انضم لفريق الأنبا آغاثون، أسقف مغاغة والعدوة، والأنبا دانيال، أسقف المعادى والسكرتير الحالى للمجمع، هذا إلى جانب أساقفة المهجر ممن انقلبوا على البابا منذ فترة، حتى أن معظمهم أعلنوا عدم مجيئهم إلى مصر لحضور المجمع المقدس. ولم يتبق مع البابا سوى الأساقفة الجدد الذين قام برسامتهم خلال فترة رئاسته للكنيسة، وهو ما قد يفسر انفراده باختيار الأساقفة دون الرجوع للمجمع أو لجنة شؤن الأديرة والإيبارشيات، ورغم هذا فإن بعض الأساقفة الجدد انضم لفريق المعارضة، وعلى رأسهم الأنبا زوسيما، أسقف أطفيح بجنوب حلوان، والذى وصل بالمشهد إلى أنه قام بإهانة بعض من يروجون لأفكار تخالفه بشكل متوارى عبر برنامج دينى كانت تذيعه إحدى الفضائيات القبطية، وعلى الفور أوصى البابا تواضروس بإيقاف البرنامج فى يناير 2020، كنوع من الرد الحاسم. 3- كنيسة الاستقالات ولا يتوقف الصراع عند هذا الحد، خاصة أن الكثير من التسريبات بدأت تنتشر عبر «فيس بوك»، ولا تقتصر على المعلومات المكتوبة فقد نشر بعض التسجيلات الصوتية لأحد الأساقفة بها ما يشبه التخطيط للإيقاع بزوسيما، ووصلت إلى التلويح بتدبير تهمة ملفقة للتخلص منه أو إخراسه، وتخلل الحديث بعض العبارات من نوعية «دا شتم البابا على الهوا.. إحنا مش هنعديها كدا، ومش عارفين البابا ساكت ليه». و«زوسيما» ليس الوحيد، فقد شهدت الكنيسة خلال الأعوام القليلة الماضية عدداً من الاستقالات لأساقفة وأعضاء بالمجمع المقدس، وحاولت الكنيسة التعتيم عليها، لكن الغضب المكتوم دفع بخبر تلك الاستقالات للعلن، خاصة أن الأسقف المستقيل كان يتمسك برغبته فى عدم العودة لمنصبه والإصرار على الرجوع للدير الذى ترهبن فيه قبل توليه منصب أسقف، كما حاولت الكنيسة تجميل المشهد بالإعلان أن رحيل الأسقف بسبب معاناته من أمراض الشيخوخية وعدم القدرة على الإدارة والحاجة للإجازة والراحة. ولكن سرعان ما أزال الوقت وإصرار الأسقف على موقفه ألوان التجميل التى حاول البعض إخفاء الحقائق بها، وظهر أن هناك خلافاً كبيراً وقع بين رأس الكنيسة والأسقف، أدت لتقديم استقالته كنوع من الاحتجاج. 4- غضب شعبى وعلى الرغم من أن البابا يحاول ارتداء عباءة الإصلاح فى حل الكثير من المشاكل بسبب جمود الأفكار وعدم تطويرها، ومنها إصدار القانون التاريخى الخاص بالأحوال الشخصية، والذى من المتوقع أن يحل أزمة عشرات الآلاف من العائلات العالقة تحت عنوان «لا طلاق إلا لعلة الزنا»، وكذلك حرصه على أرواح المسيحيين خلال أزمة كورونا واتخاذ الإجراءات الاحترازية المشددة، والتى جاء من بينها منع الصلوات، إلا أن ذلك لم يمكنه من الحصول على التأييد الشعبى الكبير مقارنة بالبابا الأسبق الأنبا كيرلس السادس، أو البابا شنودة الثالث، رغم أن الأخير كان سبباً فى تأزم مشكلة الطلاق، والذى قد ترجع شعبيته الكبيرة لطول الفترة التى تولى فيها رئاسة كرسى مارمرقس، لكن الأمور قد تتغير فى السنوات المقبلة عندما تتضح نتائج التغييرات التى تجرى، لكن استمرار تصاعد الخلافات بالمجمع المقدس لا يبشر بذلك فى أغلب الظن.