يدعى علاج "كورونا" ب"الدقة" ب5000 جنيه فى ظل أزمة انتشار فيروس كورونا وتهديده لحياة عشرات الآلاف حول العالم، أصبح الملجأ الآمن لأى شخص هو الطبيب، ولكن أن تتحول مهمة الطبيب من إنقاذ المرضى من الموت إلى إرسالهم إليه هو الخطر الأكبر. فمؤخرًا ذاع صيت الدكتور جودة محمد عواد، كاستشارى للتغذية العلاجية، عبر منصات التواصل الاجتماعى المختلفة لاسيما «اليوتيوب»، مدعيًا قدرته على علاج كل الأمراض تحت ستار الدين ليتحدى الدواء ويجنى المال فى الوقت الذى يقضى فيه على أرواح الآلاف ممن زرع لديهم أمل الشفاء على يديه. هدى على، مريضة بالفشل الكلوى وبعد رحلة طويلة من الغسيل الكلوى، وجدت إعلانًا للدكتور «جودة» يؤكد خلاله أنه يمتلك علاجًا للقضاء على أمراض الكلى بعيدًا عن نصب الأطباء، فتوجهت إليه ليشترط عليها أن توقف غسيل الكلى وتبدأ رحلة العلاج من الصفر مؤكدًا لها الشفاء خلال عام بحد أقصى. وبالفعل استجابت «هدى» له، فقدم لها كبسولات مكونة من زيت وحنة وقرنفل مطحون وحدد لها الجرعة مقابل 1500 جنيه، وبعد فترة من تناول المريضة للكبسولات والمتابعة معه أوهمها بتحسن حالتها الصحية، إلا أنها أصيبت بمضاعفات جعلت حالة الكلى الصحية فى المرحلة الأخيرة. فيما قال طارق خيرى، إنه تخوف من تجربة العلاج بعدما نصحه الدكتور «جودة» بشراء كبسولات طحالب البحر منه لعلاج الفشل الكلوى، بينما أكد أن أحد أصدقائه اشترى منه علاجًا للعقم تسبب فى إصابته بورم سرطانى وحينما تقدم ببلاغ ضده بقسم الشرطة أغلقت العيادة ثم أعاد افتتاحها مرة أخرى. وأكدت الدكتورة نانسى مصطفى، استشارى أمراض الكلى، أن أكثر من حالة ترددت عليها بالمستشفى التى تعمل بها اكتشفت انسداد المياه بالكلى بسبب توقف المرضى عن الغسيل واستجابتهم لنصيحة الدكتور «جودة». عشرات الحالات المشابهة التى تواصلنا معهم أكدوا أنهم كانوا ضحايا للدكتور جودة عواد، ما دفعنا للتوجه إلى عيادته لمعرفة ما يدور بالداخل. أمام قسم الأزبكية عثرنا على صيدلية سألنا بداخلها عن عيادة الدكتور جودة، فابتسم بسخرية وأجابنا بأن الدور الثالث ملك ل «إمبراطورية جودة»، فاستفسرنا منه عن سبب هذا المسمى، أخبرنا أنه يحجز الطابق الثالث بالكامل من العقار كمستشفى خاص به وليست مجرد عيادة، فهى مزودة بأسرة للعلاج وأكثر من 4 غرف واستوديو كامل مجهز للتصوير أسبوعيًا، بالإضافة إلى معمل تحليل باسم «الجودة» فى الطابق الثانى. حاولنا أن نعرف منه مدى نجاحه فى العلاج، فأكد أن الآلاف من المرضى أصيبوا بمضاعفات والبعض منهم ماتوا بسبب أسلوبه الخاطئ فى العلاج، كاشفًا عن تقدم العديد من الضحايا ببلاغات ضده وبالرغم من غلق عيادته 3 مرات إلا أنه يعيد تشغيلها مرة أخرى. خرجنا من الصيدلية وصعدنا عبر الدرج فى محاولة للعثور على أى لوحة إعلانية يدون عليها اسم الطبيب ولكننا لاحظنا أنه اكتفى بوضع «بوستر» لإعلان عن معمل التحاليل الخاص به بنفس شعار العيادة «هنا حيث تجد الطب والدين.. نعيد إليكم أمل الشفاء». بمجرد وصولنا للطابق الثالث، وجدنا غرفة كاملة بها محاليل طبية وأسرة لعلاج المرضى، وغرفة للانتظار وأخرى للحجز، وغرف أخرى بالداخل توقعنا أن تكون الاستوديو وغرف الكشف. وبالرغم من عدم عثورنا على أى لافتات تحمل اسم الطبيب وتخصص دراسته كما نجد فى عيادات كبار الأطباء، إلا أننا وجدنا بوستر كبيرا يحمل اسمه وصورته ومدونا عليه؛ حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة بجامعة القاهرة، ودبلومة الباثولوجيا الإكلينيكية ودبلوم الأمراض الباطنية من جامعة القاهرة، ودبلوم الدراسات الإسلامية والإمامة من الأزهر الشريف. بالإضافة إلى دكتوراه فى التغذية العلاجية والمناعة من جامعة عين شمس، وعضو جمعية الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة، واختتم بأنه مقدم برامج بالتليفزيون المصرى منذ عام 1985م وحتى الآن. هذا الخليط من الإنجازات العلمية غير المرتبطة ببعضها البعض أثار تعجبنا ولم نجد له تفسيرًا واضحًا، وبعد جولة فى المكان سألنا موظف الحجز عن استفسارنا فطلبنا منه حجز موعد للكشف فأخبرنا أن الحجز بقيمة 500 جنيه، والأيام المتاحة هى السبت والأحد والثلاثاء والأربعاء من الساعة الخامسة إلى العاشرة مساء، فحصلنا على موعد ليوم السبت. وبعد التوجه لتأكيد الحجز طلب منا موظف الحجز بيانات عن الحالة الصحية، فأخبرناه أننا نعانى من حساسية الصدر ونرغب فى الحصول على علاج للوقاية من الإصابة بفيروس الكورونا، فقال لنا: «العلاج الشافى منحه الله هدية لعبده الصالح الدكتور جودة.. بإذن الله شفاؤك عندنا»، ثم أخبرنا أن العلاج ينقسم إلى شقين صيدلى وهى تركيبات طبيعية خاصة بالطبيب وعشبى عبارة عن خلطات مختلفة، ثم طلب منا الانتظار بغرفة بها شاشة تعرض كافة البرامج التى يقدمها الدكتور من الاستوديو الخاص به. «الكمامات خزعبلات لاتسيروا خلفها كالقطيع».. كانت هذه الكلمات التى أعلن بها الدكتور جودة عواد عن حضوره إلى العيادة ليتهافت عليه العشرات من المرضى يطلبون منه علاجهم من الأمراض فأكد لهم بابتسامة أن الحل لديه. وعندما حان دورنا دخلنا إلى غرفة واسعة بها 3 شاشات تعرض برامج مختلفة يقدمها الدكتور فى نفس الغرفة، وأثناء جلوسه وراء مكتبه كان يقرأ تفاصيل الحالة التى دونها الموظف، ثم نظر إلينا مطولًا ووجه سؤالًا لنا: «بصراحة.. هل تناولتم أدوية من قبل؟»، فأجبنا «نعم بالتأكيد»، فأبدى انزعاجه ثم قال لنا: «أنتم الشباب أهوج تنساقون وراء ما يطلقون عليه التحضر وهو فى الحقيقة أكثر ما يغيب عقولكم». تساءلنا بتعجب عن سبب كلامه، فأوضح لنا أن أدوية السعال تحتوى على نسبة من الكحول، وأن تناولنا لها طوال الفترة الماضية أغرقنا فى الذنوب التى حولت غضب الله علينا إلى داء الحساسية الذى لم نشف منه حتى الآن. ونصحنا أن نتوقف عن تناول الأدوية مهما كانت، لأن الطبيعة هى العلاج الوحيد الذى خلقه الله، مؤكدًا أن الدواء تحد للطبيعة وصنع الله مضيفًا: «الإيمان بها شرك بالله»، فزعمنا أننا مؤيدون له فى الرأى وطلبنا الحصول على علاج لفيروس «الكورونا». فأجاب مؤكدًا أنه الوحيد الذى يملك العلاج لأن فكره منفتح على عجائب الله وقدرته وليس على عجائب الدنيا، ثم تحدث عن آخر اكتشافاته للقضاء على أخطر الفيروسات وهى «الحزمة النارية» والتى تتكون من شربة «الدقة» وهى خليط من الثوم والكمون والليمون بقشره وخل وملح ومياه ساخنة، وخلطة أخرى مسائية تتكون من الزبادى البلدى والليمون بقشره والعسل، ستتم إضافتهم فى محلول لتعليقه لنا لمدة ساعتين ونصف الساعة بالغرفة المخصصة للعلاج. وعندما خرجنا اشترط علينا الموظف إجراء تحليل لدى معمل «الجودة» التابع لهم لاستكمال خطوات العلاج، ودفع مبلغ 5 آلاف جنيه لحجز موعد الحقن بالمحلول فأكدنا أننا سنذهب لتجهيز المبلغ. وبعد خروجنا من العيادة، قررنا إجراء بحث عبر الإنترنت عن هذا الطبيب، فتبين لنا أن الدكتور جودة، له العديد من المؤلفات عن الصيدلية المنزلية، وكتب دينية آخرها كتاب «قضايا حول أسلمة العلوم والتعليم»، تناول فيه تحريم دخول المدارس التجريبية و«الإنترناشيونال» مؤكدًا أنها مضيعة لوقت الأبناء وتطبيع لهم بعادات الغرب مستعرضًا أسس التعليم الإسلامى الناجح. كما أن له أكثر من 100 مقطع فيديو عبر «اليوتيوب» داخل الاستوديو الخاص به، يستعرض خلالها جوائز وصوله إلى ملايين المشاهدات، ويقدم محتوى دينى يحرم تناول الأدوية ويهاجم جراحة القلب بالقسطرة مؤكدًا أن أسلوب العلاج بالجراحة الذى يتبعه الأطباء هدفه التربح فقط.