لن تحتاج أكثر من 30 دقيقة لجمع بيانات المتعاملين مع المصلحة من خلال الحاسب الآلى المخصص للمواطنين بلاغ للنائب العام يتهم "العدل" بتسريب بيانات المواطنين أرقام تليفونات ال100 مواطن تباع ب 10 آلاف جنيه.. والعناوين والرقم القومي تضاعف السعر حاصرت اتهامات إهدار المال العام وانهيار سوق العقارات مؤخرا مصلحة الشهر العقارى والتوثيق، بسبب عدم تسجيل 95% من العقارات الموجودة فى مصر، وهو الأمر الذى تلقاه وزير العدل السابق والوزير الجديد باهتمام شديد، خاصة بعد مطالبة الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، للحكومة، بإصدار تشريع جديد، يفصل المصلحة عن وزارة العدل. ليس ذلك فحسب، بل قادنا تحقيقنا الميدانى فى هذا الأمر إلى اكتشاف كارثة أخرى، متعلقة بعدم تأمين بيانات المواطنين المتعاملين مع الشهر العقارى المميكن، ما جعل تلك البيانات متاحة أمام المزورين واللصوص، علاوة على شركات العقارات والتأمين المختلفة، التى استحوذت على تلك البيانات بطرق ملتوية لتسويق خدماتها. فكرة التحقيق راودتنا عقب تعدد شكاوى المواطنين من تردى خدمات الشهر العقارى، وما استتبع ذلك من عدم التأمين الكافى لبياناتهم، وأبرز الوقائع التى رصدناها فى هذا الشأن تضرر منها المواطن أحمد محروس، الذى قال ل«الفجر» إنه فوجئ بوجود شخص يمتلك عقد ملكية لسيارته، بعدما حصل عليه من شخص ادعى حصوله على توكيل عام من «محروس» بالبيع والإدارة، وبناء عليه باع سيارته ومنزله، وعقب التحقيق فى الأمر، تم اكتشاف أن ذلك الشخص –صاحب التوكيل- مسجل خطر قضايا تزوير ونصب واحتيال، وزور التوكيل بعد حصوله على بيانات المتضرر. وبتتبع تفاصيل الواقعة، اكتشفنا أن المواطن أحمد محروس كان قد حرر بالفعل توكيلا عاما بالبيع لأخيه، منذ ما يقرب من عام، داخل الشهر العقارى المميكن بالتجمع الخامس، من خلال كتابة توكيله على جهاز الحاسب الآلى المتاح للمواطنين، إلا أنه لم يقم بحذفه بعد الانتهاء، واستغل المزور ذلك، بعدما استولى على نسخة من التوكيل، مع تبديل اسم أخو «محروس» باسمه. وعن ذلك، قالت مصادر بوزارة العدل، إن ملف مصلحة الشهر العقارى كان من أهم أسباب رحيل المستشار حسام عبدالرحيم، وزير العدل السابق، خاصة أن مصلحة الشهر العقارى تعانى الكثير من المشكلات، لعل أهمها تراكم المستحقات المتأخرة، والتى وصلت إلى 750 مليون جنيه، ورغم اهتمام رئيس المصلحة بتطوير المكاتب إلى نظام الميكنة، يعانى القطاع من عجز شديد فى العمالة بكافة أنواعها، إذ لم يتخط عدد العاملين به الثمانية آلاف موظف فى عام 2016، وانخفض الرقم ليصل إلى 6201 موظف عام 2019. كل ما سبق دفعنا إلى خوض تلك المغامرة الميدانية، لرصد ما يتم على أرض الواقع، لذا، استهدفنا إدارة الشهر العقارى الموجودة بمنطقة الدقى، وهناك تعاملنا كمواطنين، وليس كصحفيين، واكتشفنا أن أى مواطن يستطيع بمجرد الجلوس على الحاسب الآلى المخصص للعامة، من جمع بيانات العديد من المتعاملين مع المكتب، إضافة إلى الحصول على نسخ توكيلات رسمية وعقود موثقة بكل سهولة. جهاز الحاسب الآلى المخصص للمواطنين معلق أمامه لافتة مكتوب عليها «اكتب توكيلك بنفسك»، وبمجرد التعامل مع الجهاز تصل إلى قاعدة بيانات المصلحة، ومنها تعرف نسخ التوكيلات وعقود البيع والشراء التى تم تحريرها من قبل، شاملة بيانات الطرفين كاملة، البائع والمشترى، متضمنة الرقم القومى والعنوان ورقم الهاتف وغيرها. الغريب فيما رأيناه بأعيننا، أن الجهاز لا يحتوى على أى درجة من درجات حفظ السرية، فهو جهاز كمبيوتر عادى، واستعماله متاحا لكافة المواطنين، ويمكن لأى شخص من خلاله الاطلاع على بيانات من قام بالتسجيل مسبقا، ودون مبالغة، لا تحتاج أكثر من 30 دقيقة فقط، لجمع بيانات 100 شخص من المتعاملين مع مصلحة الشهر العقارى، شاملة كافة البيانات المهمة، من الرقم القومى والعنوان وأرقام التليفون ونوع العقار أو المعاملة التوثيقية. الأمر لم يقف عند هذا الحد، إذ حصلنا على بلاغ للنائب العام، تقدمه به أيمن محفوظ المحامى، وحمل رقم 56285 لسنة 2019 عرائض النائب العام، ضد موظفى الشهر العقارى فى مصر، اتهمهم خلاله بتسريبهم بيانات العملاء، من خلال جهاز الحاسب الآلى الخاص بالمواطنين، مؤكدا فى بلاغه أن ذلك الجهاز لا يتمتع بأى درجة من درجات السرية والخصوصية، علاوة على تعاون هؤلاء الموظفين مع السماسرة. ودستوريا، يجرم قانون الأحوال الشخصية استغلال البيانات بدون الحصول على إذن كتابى من صاحبها، وهذا يتجلى فى المادة ال25 منه، إذ تنص على جرم تسريب البيانات الشخصية إلى موقع إلكترونى أو نظام لترويج السلع أو الخدمات، دون موافقة صاحب البيانات، وعليه يعاقب المتورط فى ذلك بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تجاوز 100 ألف جنيه، ليضع بذلك الخطوة الأولى لمعاقبة المسيئين لاستخدام تلك البيانات. وفضلا عن استخدام العقود فى التزوير، فبيانات المواطنين المتاحة للجميع داخل مصلحة الشهر العقارى سهلت عمل العديد من شركات التسويق فى مجلات مختلفة، خاصة تلك العاملة فى قطاع العقارات، وبالتأكيد يتلقى المواطنون بشكل شبه يومى اتصالات من شركات تأمين أو شركات عقارية، لتقديم عروضا تسويقية مختلفة عن خدماتهم، أو المتاح فى الشقق، ويكون السؤال الأول: كيف حصلتم على رقمى الشخصى؟ وتكون الإجابة جاهزة: نقوم باتصالات عشوائية. لكن فى الحقيقة، اتصالات قطاعات التسويق، خاصة الكبرى منها، لا تتم بشكل عشوائى، إذ هناك دراسات مسبقة لعملائهم، بحسب ما أخبرنا به محمد محسن، موظف بأحد الشركات العقارية، خاصة أن ترتيب العملاء لديهم منقسم إلى ثلاث فئات، هى «أ،ب،ج»، وكل فئة يتم احتسابها طبقا لممتلكاته السابقة، فإذا كان المواطن المستهدف يمتلك سيارة فارهة أو يسكن بمنطقة راقية يمكن تسويق أحد العقارات المميزة له، وإذا كان غير ذلك فيتم إدراجه لتسويق شريحة سعرية أخرى، أقل بالطبع. محسن أضاف ل«الفجر» أيضا، أن بيانات العملاء تتبادل من شركة إلى أخرى، وفى التسويق العقارى أو سوق التأمينات تباع تلك البيانات بمبالغ كبيرة، تقدر ب10 آلاف جنيه لألف اسم، حال كانت أرقام هواتف فقط، أما إذا ضمت عنوانا ومعلومات أخرى عن صاحبها فقد يتضاعف المقابل، وعادة ما تقصد الشركات الكبرى النوع الأخير من البيانات، لتقديم العروض تليفونيا، وفى حالة أهمية العميل التى تظهر فى عنوانه أو ماركة سيارته، تستوجب له زيارة لتقديم العروض بشكل أفضل، لضمان زيادة نسبة قبولها لديه. ومن جانبها، تقدمت لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، بالعديد من طلبات الإحاطة حول الشهر العقارى، خلال دورة الانعقاد الماضية، بعد تعدد الشكاوى التى تلقاها النواب من أهالى دائراتهم. لم يكن ما رصدناه داخل مكتب الدقى محض صدفة أو واقعة فردية، إذ أكد أيمن الشحات، مواطن، وجوده فى مكتب توثيق القاهرة الجديدة، خاصة أن العمل هناك لا يهدف إلى التخفيف عن كاهل المواطن، بل زاد الأمور تعقيدا، بوضع لافتة تلزم العملاء عند عمل أكثر من توكيل بسحب رقم واحد فقط لكل توكيل على حدة، علاوة على اختزال وقت سحب الأرقام فى ساعة ونصف فقط، وتحديدا من السابعة صباحا حتى الثامنة والنصف، ما يتسبب فى ازدحام شديد داخل المقر. وفى محافظات الصعيد، لم يكن الوضع أفضل، إذ تعانى مكاتب الشهر العقارى هناك من الزحام وانتشار سماسرة التسجيل، ومن قنا، أبلغنا المواطن محمد عبدالموجود، عن حدوث مشاجرات بصفة يومية، داخل إدارات الشهر العقارى، بسبب الزحام الشديد وتخاذل الموظفين فى أداء دورهم، مطالبا الدولة بالتحرك لإيجاد حلول سريعة لأزمات المواطنين.