تعد قصيدة الشاعر أحمد فؤاد نجم "هما مين وإحنا مين.. ؟"، والتي تغنى بها الشيخ إمام، خير مثال على عالم فيلم "رأس السنة"، الذي طُرح في صالات السينما، بعد تأجيل عرضه أكثر من مرة. "هما مين وإحنا مين؟" يقول "الفاجومي" على لسان "إمام"، "هما الأمرا والسلاطين.. هما المال والحكم معاهم.. و إحنا الفقرا المحرومين"، بين عالمي هؤلاء وهؤلاء تدور أحداث الفيلم، في أحد المنتجعات السياحية، والتي تبرز الفارق بين الطبقات بشكل فج، يستعد أصحاب المال والسلطة للاحتفال بنهاية عام 2009، وبداية العقد الجديد، فيما يقوم على خدمتهم عدد من أبناء الطبقة الكادحة. يُسلط الفيلم الضوء على التفاوت بين العالمين، بين من اختار متاع الدنيا ومن لم يجد سوى أحلام الآخرة بديلًا، يُعري مساوئ الجانبين، ويكشف مواضع الهشاشة في كل منهما. البطارخ والكافيرا "هما الفيلا والعربية والنساوين المتنقية حيوانات استهلاكية شغلتهم حشو المصارين". حتى لا يضيع الخط الفاصل بين علية القوم وخدامهم، لابد من وسطاء. يؤدي الفنان الأردني إياد نصار دور الوسيط هنا، فهو ديلر يرفه عن الأثرياء بالمواد المخدرة. يمثل الديلر، الذي يستغل سيارة إسعاف في تسيير أعماله المشبوهة، الطبقة الوسطى، فهو طبيب ذاق الكافيرا أولًا، ثم خسر كل شيء، ولم يبقى له سوى سيارة الإسعاف والبطارخ، ووفقًا له أصبح مهيًأ نفسيًا للوساطة بين العالمين، على عكس من سيذوق البطارخ أولًا والذي سيحقد بدوره على أكلي الكافيرا مهما كان سويًا من الداخل. يلخص الديلر بفلسفته حياة "اللي فوق" و"اللي تحت" فكلاهما بحاجة له، كلاهما فقد الثقة في من حوله، كلاهما شرقي حتى ولو أدعى غير ذلك، يحرك الديلر بقوة شخصيته أصحاب العالمين، يجبرهما على تنفيذ أومراه وحتى مساعدته في بيع المخدرات. غياب الطبقة الوسطى يؤرخ الفيلم لبداية ظهور الفوارق الشاسعة بين الطبقات في مصر، مع غياب الطبقة الوسطى التي تمثل الشريحة الأكبر في المجتمع. "هما بيلبسوا أخر موضة وإحنا بنسكن سبعة في أوضة هما بياكلوا حمام وفراخ وإحنا الفول دوخنا وداخ هما بيمشوا بطيارات وإحنا نموت بالاوتوبيسات هما حياتهم بامب جميلة ما فصيلة وإحنا فصيلة". كما يعرض الفيلم نموذج للصحوة الدينية التي تضرب بعض الأثرياء بعد تعرضهم لحوادث مفاجئة يفقدون فيها أعزاء لديهم، إلى جانب التقبل للاختلاف والذي يظهر جليًا عند الأثرياء وحدهم، فالترحيب موجود للهوية المثلية، والتي تجد عداءًا كبيرًا عند أبناء المجتمع العاديين. تشريح المجتمع يُشرح الفيلم طبقات المجتمع عبر شخصيات مختلفة يمثل كل منها جانب من هذه الطبقة، ويعد الحوار بين عامل القرية والديلر والشاب الثري الذي يؤدي دوره أحمد مالك، هو الملخص لعالم الفيلم، فالحوار بين ممثلي الطبقات الثلاث يبدو سرياليًا، باعثًا على الضحك والبكاء معًا، وكأن هلاوس المادة المخدرة أوضحت للغني رؤية الآخر أخيرًا، الذي يشبهه في تعاسته وشكوكه. ملائكة وشياطين لا يمكن لوم طبقة بأسرها، أو تحميلها ذنوب العالم أجمع، قد تغلب بعض الصفات لكن التعميم يبقى منافيًا للواقع، وكما أظهر الفيلم لهو الأثرياء وأنانيتهم وحتى ظلم بعضهم لأبناء الطبقات الدنيا، إلا أنه قدم نماذج صالحة رفضت الظلم وأصرت على تبرئة الخادم حتى لو كلفها ذلك وقتًا وجهدًًا عملها وحياتها أولى بها. وحتى لا يُشيطن الأثرياء وحدهم، كان الصراع النفسي للفقراء حاضرًا بقوة، فالعامل البسيط الذي فقد زوجته مؤخرًا وأصبح مسئولًا وحده عن طفله، يصارع رغباته حين يرى عملة أجنبية واحدة كفيلة بحل مشكلاته، ويبقى حائرًا بين الحلال والحرام، يختار الحلال مؤقتًا، لكن النهاية تفاجئنا بانهياره لتلبية رغبة ابنه الذي تمنى حذاءًا جديدًا، حتى ولو سرقه من بيت الله لإسعاده. الرقابة ومنع العرض تأجل عرض الفيلم أكثر من مرة بسبب تأخر حصوله على تصريح العرض من الرقابة على المصنفات الفنية، وكثرت الشائعات حول محتوى الفيلم الذي حاز تصنيف رقابي "+18"، وطُرح السؤال حول إذا ما طال العمل مقص الرقابة أم خرج كما كان دون تشويه لرؤية مبدعيه؟. المُشاهد للفيلم سيفاجأ بالطبع من جرأة الطرح، وكشف خفايا عالم يراه أغلب المشاهدين بعيدًا عنه، أو حتى يتصور عدم وجوده على أرض الواقع، فكيف له تصديق أن فتاتين في مصر تقبلان بعضهما البعض من أجل متعة شاب آخر وخطين هيروين. قد يجد المُشاهد خصوصًا من أبناء الطبقى الوسطى التي تقاوم الاندثار، نفسه حائرًا وهو يشاهد الفيلم الذي لا يمثله، لكنه الواقع شاء أم أبى، وهو يدرك أنه موجود لكنه لا يرى أهمية في تسليط الضوء عليه، لذلك تتعالى الدعوات بالإيقاف والمنع دائمًا في حال خرج للنور أي عمل مختلفًا بشكل ما ويعتبره البعض مهددًا للهوية الشرقية المحافظة. طاقم العمل يقوم الفيلم على البطولة المطلقة، والتي يتشارك فيها كل من إياد نصار وأحمد مالك، وهما أصحاب المساحة الأكبر، واللذان يمثلان عينا المشاهد على عوالم الفيلم، إلى جانب مشاركة كل من شيرين رضا وبسمة وإنجي المقدم، إضافة إلى ظهور شبابي لكل من علي قاسم وهدى المفتي، والفيلم تأليف محمد حفظي، وإخراج محمد صقر.