أنشأت السعودية وزارة جديدة للصناعة والثروة المعدنية، لتفصل بذلك المجالين عن وزارة الطاقة، وعينت بديلا لرئيس الديوان الملكي في سلسلة أوامر ملكية صدرت في وقت متأخر الليلة الماضية. وتقرر تعيين بندر الخريف، وهو مستثمر ورجل صناعة من القطاع الخاص، رئيسا للوزارة الجديدة التي ستصبح مستقلة بدءا من أول يناير . وقطاعا الصناعة والتعدين حيويان لخطط الأمير الشاب الرامية لتنويع الموارد في أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم وخفض الإنفاق الحكومي المتضخم وتوفير الملايين من فرص العمل لقطاع الشباب. وقال الخبير الاقتصادي السعودي فواز الفواز إن الفصل خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها ليست كافية. وأضاف على تويتر "هناك جهود مبعثرة تنظيميا في محتوى محلي وتصنيع عسكري ونقص دائم في الاستثمارات. نحتاج تفكيرا أكثر". ونص أمر ملكي آخر على تعيين فهد بن محمد العيسى رئيسا للديوان الملكي برتبة وزير، وهو منصب يتمتع بنفوذ قوي في المملكة. وكان العيسي في السابق رئيسا لمكتب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في وزارة الدفاع. كما تقرر وفقا للأوامر الملكية تعيين وزير الإعلام السابق عواد العواد رئيسا لهيئة حقوق الإنسان، وتعيين مازن الكهموس رئيسا للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. كانت المملكة قد أطلقت حملة واسعة لمكافحة الفساد قبل نحو عامين تم خلالها احتجاز أمراء ومسؤولين بارزين ورجال أعمال كبار. وقرر الديوان تحويل "هيئة تطوير الرياض" إلى هيئة ملكية باسم "الهيئة الملكية في الرياض"، وتعديل اسم "ديوان المراقبة"، ليكون "الديوان العام للمحاسبة". وصدرت الأوامر الملكية أيضا، بإنشاء هيئة تحت مسمى "الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي"، وترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء، ويكون لها مجلس إدارة يتولى رئاسته نائب رئيس الوزراء ويعين أعضاؤه بأمر من رئيس مجلس الوزراء. وتقرر كذلك، إنشاء مركز باسم "المركز الوطني للذكاء الاصطناعي"، ومكتب باسم "مكتب إدارة البيانات الوطنية"، ويرتبطان تنظيميا ب"الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي". وجاءت الأوامر الملكية البارحة داعمة لمسيرة الإصلاح ومنهجية التغيير ومغربلة للقطاع الحكومي؛ حتى يكون على قدر عالٍ من الكفاءة والتناغم مع المرحلة الانتقالية المفصلية التي تعيشها السعودية منذ سنوات، فالسعودية الحديثة ترفع شعار التغيير وتلوّح به في المحافل وتؤمن بأنه لا مناص منه. فبين يوم وآخر تصدر قرارات وتغييرات الهدف منها النهوض بالمؤسسة الحكومية وإخراجها من عباءة البيوقراطية والروتين اليومي، فهنا إعفاء وهناك فصل وزارة عن أخرى، وإزاحة مسؤولين وتعيينات جديدة، فمن لا يحقق طموحات القيادة لا مكان له، والرهان على المخرجات والنتائج لا الأسماء. ومع كل تغيير تجد محاربة الفساد على قائمة الأولويات، فتضمنت الأوامر الملكية تغيير مسمى ديوان المراقبة لديوان المحاسبة، وتعيين مازن الكهموس رئيساً لهيئة الفساد، وهذا يحمل في طياته رسائل ضمنية بعثتها القيادة لتؤكد على مواصلة طريق مكافحة الفساد بكل أوجهه، ولأن القاعدة تقول: "كل فاسد صغير يحميه فاسد كبير"، فقد انتهت لجنة مكافحة الفساد المشكّلة بأمر ملكي من أعمالها، واستطاعت استرجاع مبالغ ضخمة لخزينة الدولة بعد إيقاف بعض المتورطين بقضايا فساد مالية وإدارية، حتى أعلن أمس الرئيس الجديد ل"نزاهة" بداية المعركة الأخرى مع الفاسدين من الموظفين الصغار الذين قد يستغلون مواقعهم الوظيفية، ويتفشى في أوساط مؤسساتهم الفساد وهضم الحقوق، وهذا يرتد على المنظومة الحكومية ويشل حركتها عن التقدم. كما جاءت الأوامر الملكية منظمة للعمل الحكومي، وهي الضرورة التي تفرضها ظروف المرحلة وحساسيتها، فالتنظيم يحدد الصلاحيات والاختصاصات، ففصلت الطاقة عن الصناعة والثروة المعدنية؛ وذلك لضمان عدم التداخل فيما بينهم، والاهتمام أكثر بالصناعة والثروة المعدنية التي أولتها الحكومة اهتماماً كبيراً، وقبل ذلك عدّل اسم وزارة التجارة لتصبح وزارة التجارة والاستثمار؛ وذلك لدعم الحركة التجارية والاستثمارية، والملاحظ للتغييرات الأخيرة يجد أن التنظيم والتطوير لم يغفل جوانب التقنية والتكنولوجيا، فقد تأسس اتحاد الأمن السيبراني سابقاً، وأعلن البارحة تأسيس هيئة للبيانات والذكاء الاصطناعي، كإحدى ركائز الرؤية. فالتغييرات التي جاءت الليلة شملت تعيينات واستحداث وزارة جديدة وتعيين ذوي الكفاءات في القطاعات فالشخصيات التي عينت البارحة أصحاب خلفية تقنية واقتصادية وأمنية، ولأن مشوار الإصلاح طويل، فقد قطعت السعودية شوطاً طويلاً في مضماره، واستحدثت وزارات ودمجت أخرى ودعمت التقنية حتى تكمل بناء الجهاز الحكومي ليصبح صلباً في وجه التحديات القادمة.