لماذا يتمسك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإسطنبول ويتحدى العالم برفضه الهزيمة وفق نتائج الانتخابات؟ أردوغان سبق وقال للمشرعين قبل عامين، "إذا خسرنا اسطنبول، فإننا سنخسر تركيا". عن هذه الأسباب تحدث تقرير في بلومبيرغ عن معركة أردوغان السياسية الأخيرة، وأكد أنها أكبر من مجرد السيطرة على بلدية مدينة رئيسية واحدة تحت حزبه، ولكن بالنسبة للرئيس التركي الاعتراف بالهزيمة بعد 16 سنة وتسليم سيطرة إسطنبول للمعارضة ستقوم بتعريته وتضع نهاية لأسطورة الرجل الذي لا يقهر، وتجرد حزبه من نفوذ إسطنبول. توجد في إسطنبول أموال ضخمة، حوالي 30 مليار تحت تصرف حكومتها، إذ تقوم المدينة بعمليات بناء هائلة، وتشمل المشروعات: بناء مطار جديد، وجسر معلق ب8 حارات طرق، ونفق للسكك الحديدية، وأكبر مسجد في تركيا، وقناة شحن مخططة لتخطي مضيق البوسفور. وفي حين أن الأموال جاءت من ميزانية الحكومة المركزية، إلا أنها تفيد في نهاية المطاف التكتلات المرتبطة بشكل وثيق بأردوغان، حيث تؤدي إلى توفير ثروات لحلفائه، يمكن استخدامها لشراء وسائل إعلامية ودعم حملاته. وبدأت الأزمة بعد ساعات من قبول أعلى هيئة لمراقبة الانتخابات في تركيا مناشدة حزب العدالة والتنمية الحاكم لإعادة التصويت على منصب رئيس بلدية إسطنبول، حينها ظهرت المشكلة السياسية التي لحقت بالاقتصاد، حيث تراجعت الليرة أكثر من العملات الأخرى في الأسواق الناشئة في العالم، وتراجعت الأسهم أيضا، وبدأ النقاد يتساءلون عن مستقبل البلاد. وقال أنتوني سكينر، مدير القسم المعني بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة فيريسك مابلكروفت لتحليل المخاطر: "بصفتها القلب النابض للاقتصاد التركي، فإن أردوغان لا يستطيع تحمل خسارة اسطنبول. فهو يرى المدينة كمقياس لبقائه السياسي طويل الأجل". إسطنبول.. أموال واستثمارات ضخمة ويفيد تقرير بلومبيرغ أن قوة إسطنبول – وهي الآن موطنًا لخُمس سكان تركيا وأردوغان كان عمدة لها منذ عقدين دمج خلالها السياسة والمال، تكمن في سيطرتها على ثلث الاقتصاد الكلي للبلاد، ووفقًا لبعض التقديرات، تستقبل المدينة ربع إجمالي الاستثمارات العامة. وحتى بميزانية قدرها 4 مليارات دولار، فإن الأرقام وحدها لا تفصح عن سبب اتخاذ أردوغان لهذا الموقف في اسطنبول. وعلى النقيض من ذلك، فقد تخلى أردوغان عن العاصمة أنقرة دون أن يقاتل من أجلها بشكل كبير بعد فوز المعارضة هناك في الانتخابات الأخيرة. وتستثمر حكومة أردوغان في مشاريع ضخمة تسلط الضوء على ازدياد الرخاء في تركيا منذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة. وفيما بلغ الاقتصاد التركي ذروته عام 2013، أصبح يمر في الوقت الحالي بأول مرحلة ركود منذ عام 2009. ومنذ 25 عامًا، ظل أردوغان والأحزاب التابعة له متمسكين بإسطنبول. وعندما كان يشغل منصب العمدة، وضع بصمته من خلال التركيز على قضايا مثل تحسين وسائل أفضل لجمع النفايات، وتوفير المياه النقية. لكن الفارق البسيط بين السياسة والحكومة بدأ يكتنفه الغموض أكثر فأكثر. وفي ظل استمرار تدفق الأموال، فإن سكان إسطنبول الذين صوتوا لصالح حزب العدالة والتنمية سيجدون أن تصويتهم قد أحدث فارقًا. وفي العام الماضي، تناقل الكثيرون تصريحات رئيس بلدية إسطنبول السابق، ميفلوت أويصال :"إن أولويتنا في إنشاء محطات المترو ستكون في المناطق التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية بأكبر قدر من الأصوات". وتذكر بلومبيرغ أن كبير المسؤولين في الحزب الحاكم والمعني بالخدمات البلدية، محمد أوزاسيكي، والمُشرع البلدي، محمد توفيق جوكسو، اعتذرا عن التعليق عن الموضوع. كما أحال مكتب أردوغان جميع الأسئلة المقدمة إليه إلى حزب العدالة والتنمية. الحزب الحاكم.. معركة نفوذ في إسطنبول وكثيراً ما اشتكت المعارضة من أن الحكومة المحلية قد أعطت الأولوية للاستثمارات في المناطق التي يغلب فيها عدد السكان من أنصار الحزب الحاكم. وتمتلك البلدية أيضًا 30 شركة في صناعات تتراوح من الطاقة إلى النقل، ما يوفر فرص العمل لأتباعه. وفي مثال على الكيفية التي يُمكن بها للسياسة أن تتصرف بالإنفاق المحلي، توصل تدقيق قانوني لبرنامج غذائي للفقراء بقيمة 50 مليون دولار، أجري بسبب اتهامات وجهتها محكمة الحسابات التركية – أعلى جهة تعمل على تدقيق الحسابات في البلاد – إلى أن الشركات المؤهلة قد تم اختيارها بشكل غير قانوني، وبناء على العلاقات الشخصية. وبالإضافةِ إلى التحيز لأتباعه، فإن إحكام حزب العدالة والتنمية القبضة على إسطنبول يعني التحكم بعملية تقاسم الغنائم عن طريق اختيار المقاولين ومساعدة الجمعيات والمؤسسات التجارية المُقربة من الحزب الحاكم. أسرة وأبناء أردوغان ويُفصّلُ تقريرٌ صادر عن البلدية، كانت وكالة بلومبيرغ قد اطلعت عليه – وتم التحقق من صحته من قبل أعضاء المعارضة في المجلس التشريعي المحلي بإسطنبول – المساعدات التي قدمتها حكومة المدينة من عام 2014 إلى 2018. ويكشف التقرير إنفاق 100 مليون دولار تقريبًا على المؤسسات التي يديرها أو يُشرف عليها حلفاء الرئيس وأفراد أسرته – بمن فيهم أحد أبنائه – عن طريق دفع تكاليف الإيجار ونفقات أخرى. وتصفُ هذه المؤسسات نفسها بأنها مُلتزمةٌ بالأصول الدينية لتركيا، وتحملُ هدفًا صريحًا مُتمثلًا في بناء "تركيا الجديدة" التي يصورها أردوغان كأمة من الشباب الأتقياء. وقال طارق باليالي، وهو عضو في المجلس البلدي في إسطنبول وتابع لحزب الشعب الجمهوري المعارض، ويتتبع عن كثب المساعدات المقدمة للمؤسسات، إن حزب العدالة والتنمية يحصل أيضا على مساعدات غير ظاهرة من السلطات المحلية تتمثل في تأجير مبان بالمجان وغيرها. وفي حين أن مساعدة الطلاب وغيرهم من المحتاجين تقع على عاتق الحكومة المحلية، إلا أن المعارضين يقولون إن الإنفاق يشابه في طريقته شراء الولاء السياسي بأموال دافعي الضرائب. وفي التصريحات الصادرة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تعرّض أويصال – وهو عمدة إسطنبول السابق التابع لحزب العدالة والتنمية – لانتقادات لأن البلدية قدّمت معاملة تفضيلية لمناطق في المدينة تُظهر دعمًا أقوى للحزب الحاكم. ولكن نقلت وكالة الأناضول الحكومية عن أويصال قوله إن الحكومة المحلية تخدم جميع سكان إسطنبول على قدر المساواة وستواصل القيام بذلك. والأهم، هو أن أردوغان يتفاخر بالخدمات التي تقدمها إسطنبول ابتداءً من فترة ولايته كعمدةٍ في منتصف التسعينات، معتبرا أنها من إنجازات الحزب التي تلبي احتياجات سكان إسطنبول بدلًا من كونها خدعة لشراء الولاء. ومع ذلك، فإن حزب الشعب الجمهوري المعارض – الذي انتصر مرشحه على حليف أردوغان في انتخابات 31 مارس/آذار لنيل منصب العمدة، لا يخفى أنه يستهدف قلب المشروع السياسي لحزب العدالة والتنمية. وقال باليالي التابع لحزب الشعب الجمهوري: "يعلم الجميع في تركيا أن الاستراتيجية الرئيسية لحزب العدالة والتنمية تتمثل في تعزيز الأصوات (لصالح الحزب) من خلال البلدية، وسنتخلص من هذا الظلم ونوزع المساعدات الاجتماعية دون النظر إلى الانتماءات السياسية لشعبنا".