نظمت ندوة الثقافة والعلوم بالتعاون مع مؤسسة بحر الثقافة في أبوظبي قراءة في رواية "لقيطة إسطنبول" للكاتبة التركية إليف شافاك، وذلك ضمن النشاط الشهري الذي ينظم شهرياً، وحضر اللقاء عائشة سلطان ود. مريم الهاشمي، وفتحية النمر وهالة عادل وعدد من المتابعين والمهتمين. استهلت المناقشة المهندسة هالة عادل بأن الكاتبة إليف شافاك مختلف وجريء وصريح.. وأنثوي بامتياز والمؤلفة تركية الأصل ولدت في فرنسا عام 1971، اسمها الأول اليف.. والثاني شافاك وهو اسم والدتها، وتحمل شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية، وتكتب بالإنجليزية والتركية وترجمت أعمالها لعديد من اللغات ولها 6 روايات، وحصلت على جائزة رومي عام 1998 عن روايتها قواعد العشق الأربعون.
وتضيف هالة ربما الصوت الأنثوي الحاضر بقوة في أعمالها هو نتيجة نشأتها في عائلة لا تحكمها قوانين ذكورية، وذلك يتضح عندما تروي عن والدها التي كان يتصف بالوقار والرزانة خارج البيت، ولكن في البيت يتحول إلى أب استبدادي متوحش.
وتركز الكاتبة على العلاقة المتشابكة بين الأرمن والأتراك عبر عائلتين. وذلك من خلال التضاد في شخصيات الرواية فآسيا تهرب من ماضيها، بينما أرمانوش تبحث عن ماضيها.
وأكدت د. مريم الهاشمي أن مناقشة ودراسة ونقد أي عمل أدبي يرتكز على طريقين، الطريق الأول تتم مناقشة العمل الأدبي بشكل منفصل عن أي عنصر آخر، والطريقة الثانية مناقشة العمل من خلال عناصر ثلاثة (العمل الأدبي – المتلقي – المبدع)
وفي مناقشة الرواية سنتتبع النوع الأول، فلقيطة استنبول من الروايات التي يصعب على القارئ أن ينفلت من سطوتها، بل ويكون مهددا بأن يصبح كإسفنجة تمتص كل ما يصلها لتنتفخ وتستسلم لعصرها.. وطابع الرواية يشبه طابع العلاقة في المجتمع وهو ذو طابع صراعي أو طابع تناقضي وهو نفسه طابع العلاقات الاجتماعية بين الناس.
بداية، وقبل أن نوغل في (لقيطة استنبول) لابد لنا من الوقوف بشكل سريع على أنواع الروايات الحديثة، وهي:
الاجتماعية والواقعية والنفسية والرمزية والشمولية والأسطورية... ونجد أن إليف جمعت بين اكثر من نوع في عمل واحد (بين الواقعية الاجتماعية والتاريخية).
الرواية تاريخية اجتماعية بلا شك، والدليل تلك الأحداث التي تتمحور حولها الشخصيات وآرائهم، إلى جانب ذكرها في نهاية الرواية أنها التقت بعائلات كردية وتركية وتقصت منهم الحقائق.. !
وبالتالي فإن النظر إلى الرواية الاجتماعية توجب على القارئ طرح الأسئلة النقدية التي تبدو أكثر دقة وملاءمة لطبيعتها، فما دام بمقدورنا توقع انشغال الرواية بطبيعة المجتمع، وهنا مجتمع قديم وحديث في رواية (لقيطة استنبول) فغن من الضروري أن نلتفت إلى ما تتضمنه من سلسلة الوصف الخاص بمواقف الحياة المختلفة، ولا نغفل عن الأزمات الفردية للشخصيات وما تثيره العلاقات الاجتماعية من قضايا، وما يتكشف من ترابط الاسباب والنتائج على نحو تدريجي وموضوعي، كما لا يفوتنا رصد القضايا الاخلاقية التي تبدو في الرواية الاجتماعية أكثر حضورا منها في سائر الأنواع المشار إليها. وهو ما نجده في رواية إليف.
وإن كان الرواية تصور المجتمع فلابد أن نقف عند الراوي، ذلك المتأثر والمؤثر والمصور، وحلقة الوصل بين المجتمع وبين القارئ. (إليف):
الكاتبة التي تفرض وجودها وثقافتها دائما من خلال شخصيات أعمالها الروائية، فتكاد تجزم حين تقرأ رواية دون النظر إلى اسم كاتبها أنها تنتمي إلى إليف شافاك، الأستاذة المحاضرة والدراسة للعلوم السياسية، وابنة فيلسوف وأم دبلوماسية، والباحثة في الإسلام والنساء والتصوف.. كل ذلك له الحضور الواضح من خلال ما تنتجه من أعمال أدبية.
وتمثل الزمن أهم من أحداث الرواية فهو ممتد من العصر العثماني إلى 1908 إلى 1923 وهو تاريخ تحول تركيا إلى دولة علمانية حديثة مع إعلان الجمهورية، إلى الصراع التركي الأرمني عام 1951 وصولا إلى الوقت الحاضر.
وأكدت الهاشمي أن الوصف البارع على نحو كئيب في بداية الرواية من أكثر العناصر تشويقا في عملها. والسرد الدقيق يجعل القارئ يشعر وكانه يتفرج على مسلسل تركي مشوّق يجعله يتنظر الجزء الثاني كلما انتهى من الأول!
وتضيف أن الحوار اتسم بطابع العلاقات والممارسات الاجتماعية: فجاء حوارا يطرح أسئلة، أو يقدم أجوبة وأحيانا مساءلة او نقدا أو مناقشة.. قبولا أو رفضا.. وهي ميزة فيها من البراعة الروائية.. فحين يموت النشاط التعبيري، يفقد النطق قلقه وتفنى الأصوات ويضيق محيطها، لتبقى واحدية اللغة..
وترى أن نهاية الرواية كانت النهاية متوقعة وغير صادمة، ولكن الجذب الأكبر للعمل كان نفس الكاتبة الرائق في السرد والوصف ومحافظتها على ذلك من بداية الرواية إلى آخرها، ولا تجد جزءا أعطي حقه أكثر من غيره. وكانت مغلقة بموت مصطفى ومعرفة آسيا الإجابة لسؤال لم يؤرقها بشكل كبير يوما !
وتؤكد الهاشمي أن المؤلفة امتلكت من خلال هذا العمل الجرأة الواجب توافرها في الكاتب الجاد، ولقيطة استنبول تصوير جلي لمن يعيش في الماضي ويابي مواصلة الحياة، وهي سمة متكررة في أكثر من بقعة على هذه الأرض وإن اختلفت المواقف والأزمنة والأفراد، مع تباين الماضي بارتباطه بالأرض أو الهوية أو شخص أو حدث.. !
والكاتبة ناضجة متمكنة وشجاعة في إلقاء الحجر لتحريك المياه الراكدة...
ونرى أن الهدف الحقيقي من العمل هو التعريف بوجود قضية أو إثارة أسئلة والكثير من الفلسفة الواعية.
الرواية نبش في ملفات يصعب على أصحابها أنفسهم النبش فيها، وحين تبدأ قراءتها تحضر أمامك بشكل إجباري صورة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
وفي عملها هذا كباقي أعمالها الأخرى نرى شخصية الكاتبة واضحة جدا من خلال وجود عناصر تحيل إلى نمط شخصيتها: الصوفية والدراويش – وحضور أسماء مثل: تشيخوف – مونديرا – تولستوي ووغيرهم.
وذكرت عائشة سلطان أن اليف شافاك اجتهدت لترسم شخصيات الرواية وتعطي كل شخصية حقها من الحضور، بحيث أصبح القارئ يستطيع أن يرسم ملامح الشخصية بسهولة، ولكن مقولة أن الرجال غير موجودين أو موجودين كظلال في الرواية فأنا لا اتفق معه، لأن كل مأسي الشخصيات النسائية في الرواية سببها الرجال.
فآسيا إحدى البطلات تعيش حالة من العدمية بسبب رجل كذلك زليخة وبانوش وروز ومعظم نساء الرواية يعش حالات مأساوية بسبب فعل من الرجل ولذا الرجل لم يغب عن الرواية فحضوره هو عقدة الرواية، وتتسم الكاتبة اليف شافاك بتسليط الضوء على حكايات ومآسي النساء وهذا ما نجده أيضاً في روايتها عشرة نساء.
وأكدت سلطان أن الكاتبة لوحقت بعد هذه الرواية بتهمة إهانة القومية والتاريخ التركي، لأن تركيا ترفض الاعتراف بمذابح الأرمن، وذلك لمحاولاتهم الفصل بين تركيا الدولة الحديثة، والأمبراطورية العثمانية وما تبعها من صراعات. والتي تتشابه إلى حد كبير مع القضية الفلسطينية وما يحدث فيها من صراع وعنف من الجانب الصهيوني.
وحول الترجمة تؤكد سلطان مقولة أن المترجم مؤلف ثاني، لذا فعندما تكون الترجمة ضعيفة فهي تضعف العمل الأدبي حتى وإن كان قوياً في لغته الأم.
وأكدت الكاتبة فتحية النمر أن الرواية تاريخية اجتماعية هناك استحضار لتاريخ الدولة العثمانية، وكذلك الأرمن باعتبارهم مكون من مكونات الدولة العثمانية، وتتناول حياة أسرة مكونة من بنات أربعة وأمهم، وتتسم الرواية بالحكاية والحبكة القصصية وخاصة مع بطلة القصة التي تبحث عن هويتها.
وتساءلت النمر حول أسلوب سرد الكاتب هل يكفي أن يستخدم الكاتب أسلوب سردي معين ليكون صاحب بصمة أدبية، أم يدخل هذا الأسلوب في تكرار نمط الكتابة بأن يتهم الكاتب بالتكرار.
ويرى ناصر عراق أن اليف شافاك نشرت الرواية عام 2006 وكانت روايتها السادسة وعمرها كان 35 سنة، وأن هذا العمر بالنسبة لكتابة هذا العدد من الروايات ينقصه بعض الخبرة والحكمة في الكتابة الروائية.
وأكد ناصر أنه خلال قراءته للرواية كان يرى ملامح من عالم ماركيز بطعم انثوي واضح، إلا أن اليف كثيرة الإسهاب والأطناب والثرثرة أكثر مما يجب، والرواية كانت بحاجة إلى الاختصار بما يقارب نصف عدد الصفحات الذي يقارب 500 صفحة.
وإن كان هناك بعض التشابه في أسطورية أسلوب رواية لقيطة إسطنبول مع عالم ماركيز وخاصة في روايته الحب في زمن الكوليرا، إلا أن بناء ماركيز الروائي لا يخرجك من حالة السرد في العمل الأدبي، كذلك هناك إشكاليات في الترجمة.