نشأت في أذهان الجميع أن مهنة الجزارة ل"الرجال فقط"، خاصة فيما كانت تتناقله الأفلام المصرية القديمة بأن الجزار ذلك الشخص مفتول العضلات ويرتدي جلبابًا ملطخًا بالدماء وبشنب كبير في وجهه، وبرغم أن هذا المهنة تحتاج إلى مجهود عضلي كبير ولكن جاءت سيدة قلبت كل الموازين وكسرت القاعده لتوفير مصدر رزق لها ولأولدها بحثًا عن حياة أفضل لهم. "أم أيمن" من لا يعرف ذلك الأسم من أهالي كوم الدكة ومحطة مصر بالإسكندرية، حيث يعود إلى السيدة الثلاثينية التى أعطت مثالًا جادًا للمرأة في العمل في المهن الشاقة، فبرغم حصولها على بكالوريوس في التجارة من جامعة الإسكندرية إلا أن الظروف المحيطة بها أجبرتها على العمل بمهنة والدها وهي "الجزارة" لتوفير مصدر رزق لها بعد فشلها في العمل بشهادتها. أثناء تواجدك بجوار مبنى القطارت الرئيسي بالإسكندرية، ترى الإزدحام الكبير على سيدة تقف وممسكة بأحد الأضاحي المعلقة أمام منفذ وزارة الزراعة للحوم، ورغم ملامحها الأنثوية الهادئة إلا أن الدهشة قد تصيبك عند رؤية هذا السيدة ممسكة بالساطور لسلخ وتنظيف الأضحية وتقطعيها وبيعها لزبائنها الذين يعتبرون أكثرهم من السيدات. "أم أيمن" ذات ال37 عامًا قالت ل"الفجر": ورثت المهنة من والدي ورغم حصولي على بكالوريوس تجارة إلا أننى لم أستطع العمل بشهادتي، حتى إتجهت للعمل في الجزارة في محل والدي ثم منافذ وزارة الزراعة، فكان هذا هو الطريق من أجل أبنائي الأثنين وأيضًا إيصال رسالة مفادها أن المرأة تستطيع أن تتغلب عن جميع العواقب وأنه لا يوجد شي أسمه مستحيل. وأضافت، لا يهمنى نظرة المجتمع طالما لا أفعل شي حرام، فجميع النظرات التى كانت تحاوطنى أثناء عملي هي نظرات إندهاش ولسان حالهم "كيف لهذا المرأة أن تعمل فب مهنة شاقه كهذا"، ولكن في الحقيقة لا يوجد شي صعب وأنا أحب هذا المهنة جدًا لانها مصدر رزقي ورزق أبنائي، ونجاحي في مهنة الجزارة جعلت لي زبائن ينتظرونى يوميًا من أجل قيامي بتقطيع اللحوم حسب ما يريدونها، فكل ما في الموضوع أن هو إرضاء الزبون ولكونى سيدة فأغلب زبائنى من السيدات. وتابعت "أم أيمن"، قائلة:"الحمدلله بشوف نظرات الناس ليا مبسوطين ومش متضايقين ومنبهرين باللى بعمله، والأجانب بيجوا يتصوروا معايا"، وعن رد فعل المصريين قالت:"كل اللى بيشوفنى بيقولى ربنا يقويكي وانتى ست بميت راجل"، منوهة أن أبنائها أصبحوا ينظرون إليها نظرة فخر لما تقوم به. وأستطردت، قائلة:"انا بدي للسيدات قوة أن مفيش حاجه بعيدة عنهم خاصة مع تفاقم أزمة البطالة، وطالما أتحطيت في أى مهنة لأبد أن أكون صامدة في مكاني ومحدش يحتاج مننا حاجه، موجهة رسالتها للشباب:" مفيش حاجه إسمها قعدة على القهوة انت اسمك راجل يعنى متتكسفش، ايه يعنى معاك شهادة إنزل اشتغل اى حاجه، وياريت المسؤولين يساعدوهم عشان بلادنا تنهض بيهم".