لم يأتي مفهوم "كرة القدم الحديثة" من منطلق الصدفة، أو بمرور الزمن فقط، ولكن تطورت الساحرة المستديرة بمفهومها النظري والعملي علي يد نجوم من أجيال متعاقبة، نذكر منهم علي وجه التحديد العملاق الهولندي يوهان كرويف اللاعب والمدرب القدير الذي حقق المجد ووصل بنا لرؤية المتعة والسرعة عبر كل خطوط اللعب في كرة القدم. البداية كانت في أحد المنازل المجاورة لملعب "لومير" الخاص بنادي أياكس أمستردام الهولندي، وكان حينها يوهان كرويف صبي لا يتجاوز الثامنة من عمره ويتسلق جدار الملعب المواجه لبيته على الرغم من تحذيرات والده الذي كان يعمل بقالا له، وذلك لمشاهدة تمارين فريقه المفضل أياكس أمستردام متمنياً إرتداء قميصه في أحد الأيام. وكان كرويف في بعض الأحيان يحضر بمساعدة من والدته التي كانت تعمل كمنظفة في نادي أياكس، فكان من الطبيعي أن يتعلق الابن بالنادي الذي تعمل فيه والدته، وهي التي كانت تصطحبه معها في بعض الأحيان، وخلال الفترة التي كانت تعمل فيها والدته كان هو يداعب الكرة مع فتية من عمره، فشاهده أحد المهتمين في النادي ولمس الموهبة التي يمتلكها فسجله على الفور وهو في سن العاشرة من عمره. ومن هنا انطلق الفتى الموهوب يوهان نحو النجومية ولم يبلغ السابعة عشرة من عمره حتى إنضم للفريق الأول بالنادي الهولندي، ولم يكن ذلك سهلاً؛ فأياكس يعتبر أحد أعظم الأندية الأوربي، وقد بقى الرقم 14 الذي حمله كرويف طوال مسيرته رمزا لفنه، حيث كان له إنطلاقة سريعة وذكاء حاداً في التعامل مع الكرة حتى أطلق عليه لقب "بيليه الأبيض". ومما لا شك فيه أنه لو قدر لكرويف أن يحرز كأس العالم ولو لمرة واحدة لنافس بلا شك الملك البرازيلي بيليه على لقب أفضل لاعب في العالم. وتدرج كرويف في صفوف صغار أياكس ثم الناشئين قبل أن يعطيه المدرب الشهير "رينوس ميكلز" فرصته بين الكبار للمرة الأولى ضد ليفربول الإنجليزي، وكان في الثامنة عشرة من عمره عام 1967، وأقيمت المباراة في أمستردام ضمن الدور الثاني من مسابقة كأس أبطال أندية أوروبا بأمستردام وسط ضباب كثيف لم يكن ليحجب الإنجاز الذي حققه "المبتدئ"، حيث قاد فريقه إلى فوز كبير بنتيجة 5-2. ثم ساهم كرويف في بلوغ فريقه نهائي المسابقة ذاتها عام 1969، لكنه مني بهزيمة ثقيلة أمام ميلان الإيطالي 1-4، ومع ذلك لم تنل الخسارة من كرويف وزملائه، فبعد سنتين كان أياكس قد أصبح رائدًا للكرة الحديثة في ما عرف آنذاك "بالكرة الشاملة"، والتي تعتمد على دفاع المنطقة والضغط المتواصل على الخصم والتكامل بين خطوطه الثلاثة، أي أن الكل يهاجم والكل يدافع في أن واحد. وقد قدم يوهان كرويف مع العملاق الهولندي مسيرة أكثر من رائعة، حيث لعب مع أياكس ما يقرب من عام 1964 حتي عام 1973، وخلال هذه الفترة شارك اللاعب في 308 مباراة وسجل 253 هدف. وتربع أياكس بقيادة كرويف على العرش الأوروبي ثلاث سنوات متتالية في 1971 و1972 و1974، كما نجح في قيادة منتخب بلاده هولندا إلى نهائي مونديال 1974 في ألمانيا، ولكنه خسر أمام الدولة المضيفة مع أنه قدم عروضاً جيدة. وجاءت الخطوة الكبري عندما انتقل كرويف في عام 1973 إلى نادي برشلونة الإسباني، وفي أول موسم له مع برشلونة فاز بلقب بطولة الدوري بعد غياب 14 عاماً، وقد لعب مع البارسا فترة مميزة للغاية حقق فيها العديد من النجاحات في الفترة من عام 1973 حتي 1978، حيث قاد هجوم البلوجرانا في 180 مباراة وسجل 60 هدف.. ومن الجدير بالذكر أن كرويف قد اعتزل اللعب قبل كأس العالم 1978، بسبب تلقيه تهديداً بالقتل في حالة سفره للأرجنتين، ثم عاد للعب من جديد عام 1979 وذلك في دوري أمريكا الشمالية عبر نادي لوس أنجلوس أزتيكس، الذي شارك معه كرويف خلال موسم 1979-1980 في 27 مباراة وسجل 14 هدف، ومنه انتقل سريعًا إلى نادي واشنطن ديبلوميتس في الموسم التالي 1980-1981، وخاض معه 32 مباراة وسجل 12 هدف. وعاد كرويف إلى أسبانيا بإنضمامه لنادي ليفانتي عام 1981، والذي شارك معه كرويف في 12 مباراة وسجل هدفين فقط، ثم ارتد بعدها إلى ناديه الأصلي أياكس أمستردام، حيث فاز معه بلقبين للدوري بين موسمي 1981 و 1983، قبل أن ينهي مسيرته الرائعة مع فينورد الهولندي عام 1984، والذي ارتدي كرويف قميصه موسم 1983-1984 فقط، وخلال هذا الموسم لعب 42 مباراة وسجل 13 هدف. وقد خاض كرويف بشكل مجمل مع الأندية الهولندية والأمريكية والإسبانية ما يقرب من 661 مباراة تمكن فيها من تسجيل 370 هدف. ولم يلبث أن حن كرويف إلى ملاعب كرة القدم مجدداً وبالفعل عاد ولكن إلى ناديه السابق برشلونة الإسباني، وليس لاعب بل كمدرب بين عامي 1988 و1996، حيث قام كرويف بالإشراف على تدريب النادي، ونجح في تشكيل فريق قوي عرف بالفريق "الحلم" للمدينة الكتالونية، فقد ضم في صفوفه الهداف التاريخي روماريو والنجوم العباقرة أمثال ستويشكوف ولاودروب ورونالد كومان وياكيرو وجوارديولا وزوبيزاريتا وغيرهم. واستطاع كرويف الحصول على بطولة الدوري لأربع مواسم متتالية، وعلى بطولة دوري أبطال أوروبا مرة واحدة عام 1992، ولا أحد يمكنه أن ينسى الدرس القاسي الذي لقنه رجال كرويف لغريمهم التقليدي ريال مدريد حين فاز الفريق الكتالوني بخمسة أهداف نظيفة على ملعب الكامب نو موسم 93-94 يومها سجل روماريو 3 أهداف، ووصل عدد بطولات كرويف مع برشلونة ما مجموعه 11 بطولة. كما قاد كرويف منتخب بلاده الرائع في مونديال 1974 في ألمانياالغربية، حتي وصل للمباراة النهائية وأمتع العالم بمهاراته، وشعر الكثيرين بخيبة أمل لأنه لم يتمكن من الفوز بالكأس عندما خسر بالمباراة النهائية أمام ألمانياالغربية 1–2، وكانت هذه المباراة الوحيدة التي خسر فيها الطواحين في هذه البطولة. وقد فاز يوهان في نفس البطولة على البرازيل بنتيجة (2-1)، ووقف الجمهور وصفقوا له وتمنوا أن يفوز بالكأس القادمة، لكنه لم يلعب البطولة بسبب التهديدات التي حصل عليها بالقتل من الأرجنتين كما ذكرنا، ووصل عدد مشاركات كرويف مع الطواحين الهولندية خلال الفترة بين عامي 1966 حتي عام 1977 ما يقرب من 48 مباراة سجل فيها 33 هدف. توفي الأسطورة كرويف يوم 24 مارس عام 2016 عن عمر يناهز 68 عاماً بعد معاناة من صراع طويل مع المرض العضال "سرطان الرئة"، حيث تراجعت في الآونة الأخيرة من حالته الصحية بشكل ملحوظ، وقام الأطباء بتشخيص المرض لدى النجم الهولندي السابق في منتصف شهر أكتوبر 2015، في مدينة برشلونة، ومن ثم خضع لفحوصات للتعرف على مدى تطور مرضه. وحدثت تداعيات كبيرة عقب وفاته، فأعلن في هولندا الحداد رسمياً، ونكست الأعلام في ملعب "أمستردام أرينا" وقرّر العاملون في متجر النادي استبدال جميع القمصان على تماثيل العرض بقميص كرويف رقم 14، ونعى ملك هولندا كرويف ونشرها على صفحته على الفيس بوك بقوله: «لقد خسرت هولندا رياضياً فريداً من نوعه وصاحب قلب كبير، لقد أغنى كرتنا وأعطاها وجهاً جديداً، كان حقاً أيقونة هولندية بامتياز» – فيليم ألكساندر (ملك هولندا). كما نُكّست الأعلام في العاصمة أمستردام يوم وفاة كرويف رسمياً، ونعاه الاتحاد الهولندي لكرة القدم في بيان رسمي فور إعلان وفاته وكذلك رئيس الاتحاد المحلي للعبة، والذي قال أن كرة القدم الهولندية خسرت أفضل لاعب في تاريخها، وأكّد أنه سيشتاق لكرويف شخصياً، ونعته أيضًا عدة أندية وفاعلين في عالم كرة القدم على رأسهم نادي برشلونة الذي تألق معه كرويف لاعباً ومدرباً على مدار عدة سنوات وحقق معه عديد الألقاب في بيان رسمي على موقعه الرسمي، وكذلك نعاه نادي ريال مدريد في بيان رسمي، ونعاه نادي أتليتكو مدريد، ونادي باريس سان جيرمان الذي لعب له في دورة باريس عام 1975 ونعاه عدة لاعبين مثل ليونيل ميسي ولويس سواريز وأندريس إنييستا ومدرب منتخب إسبانيا السابق فيسنتي ديل بوسكي ورئيس الفيفا السابق السويسري سيب بلاتر وثلّة من اللاعبين السابقين مثل الألماني فرانتس بيكنباور والبلغاري هريستو ستويتشكوف (الذي دربه كرويف في برشلونة) والأرجنتيني دييجو مارادونا والفرنسي ميشيل بلاتيني الذي وصف كرويف بأنه "أعظم لاعب في كرة القدم على مر العصور". وفي أول مباراة خاضها نادي برشلونة مع غريمه التقليدي ريال مدريد في مباراة الكلاسيكو التي أُقيت 2 نيسان 2016 إحتفت الجماهير بكرويف ورفعت لافتات الشكر له ووقف اللاعبين والجماهير دقيقة صمت قبيل إنطلاقة المباراة، وحملت الدقيقة 14 الرقم الذي ارتداه كرويف بقميص برشلونة وقوف الجماهير مجدداً لتحيته. وعلي صعيد الألقاب، فقد حاز كرويف خلال مسيرته الكروية الحافلة كلاعب ومدرب علي العديد من الألقاب والجوائز علي المستوي الجماعي والفردي، كلاعب ومدرب، حيث حقق: (عندما كان لاعبًا): "مع أياكس" الدوري الهولندي الممتاز (8 مرات) مواسم: 1965-66، 1966-67، 1967-68، 1969-70، 1971-72، 1972-73، 1981-82، 1982-83. كأس هولندا (5 مرات) أعوام: 1966-67، 1969-70، 1970-71، 1971-72، 1982-83. كأس أوروبا (3 مرات) أعوام: 1970-71، 1971-72، 1972-73. كأس السوبر الأوروبي (مرة واحدة) عام: 1972. كأس الإنتركونتيننتال (مرة واحدة) عام: 1972. "مع برشلونة" الدوري الإسباني (مرة واحدة) موسم: 1973-74. كأس ملك إسبانيا (مرة واحدة) عام: 1977-78. "مع فاينورد" الدوري الهولندي الممتاز (مرة واحدة) عام: 1983-1984. كأس هولندا (مرة واحدة) عام: 1983-84. "مع منتخب هولندا" وصيف كأس العالم (مرة واحدة) نسخة: 1974. مركز ثالث بطولة أمم أوروبا (مرة واحدة) نسخة: 1976. (وعندما كان مدربًا) "مع أياكس" كأس هولندا (مرتين) أعوام: 1985-86، 1986-87. كأس الكؤوس الأوروبية (مرة واحدة) عام: 1987. "مع برشلونة" الدوري الإسباني (4 مرات) مواسم: 1990-91، 1991-92، 1992-93، 1993-94. كأس ملك إسبانيا (مرة واحدة) عام: 1989-90. كأس السوبر الإسباني (3 مرات) أعوام: 1991، 1992، 1994. كأس أوروبا (مرة واحدة) عام: 1991-92. كأس السوبر الأوروبي (مرة واحدة) عام: 1992. كأس الكؤوس الأوروبية (مرة واحدة) عام: 1989. وصيف دوري أبطال أوروبا (مرة واحدة) عام: 1993-94. (فرديًا) "كلاعب" لاعب هولندا للعام: 1968، 1972، 1984. الكرة الذهبية: 1971، 1973، 1974. أفضل رياضي هولندي: 1973، 1974. الكرة الذهبية - فيفا: 1974. جائزة فريق البطولة - فيفا: 1974. جائزة دون بالون: 1977، 1978. أفضل لاعب في الدوري الأمريكي: 1979. فريق الفيفا لكأس العالم: 1994. فريق الأحلام في بطولة كأس العالم: 2002. فريق العالم في القرن العشرين فيفا 100. ضمن أعظم 11 لاعب في التاريخ. "كمدرب" جائزة وورد سوكر لأفضل مدير فني: 1987. جائزة دون بالون: 1991، 1992. جائزة أونزي الذهبية: 1991، 1992.