بمجرد تصدر أفيش الفيلم الجديد المرسوم باليد واجهة السينما، يصطف الناس أمامها لقطع تذاكر "الترسو، الصالة، والبلكون"، وبرغم الفوارق الطبقية بينهم، كان يجمعهم شغف واحد عند إضاءة شاشة العرض وظهور البطل، وبين همسات جانبية وأصوات تصفيق وهتافات، ينتهي الفيلم وتضاء الأنوار ويخرج الجمهور حاملاً ذكريات لا تُنسى بمرور الزمن. "الفجر الفني" حاور سكان منطقة المنيل، للكشف عن أسرار دور العرض السينمائي التي أغلقت وتبدلت ملامحها مع الزمن، وغيرها من السينمات التي هُدمت وأصبحت مجرد ذكرى في وجدان روادها من جيلي الخمسينيات والستينيات. ما إن تقترب من واجهة سينما "ميراندا" قديماً، والتي تغير اسمها إلى "فاتن حمامة" تيمناً بالنجمة الراحلة التي حرصت على حضور افتتاحها، حتى تصبح في ذهول مما ترى، فالمكان الذي كان قديماً يعرض أفلام إسماعيل ياسين ونجيب الريحاني، أصبح أشبه بحظيرة لتربية الماعز، ويكتمل المنظر بالأثاث المتهالك والحارس الضخم الذي يظهر بالداخل. "المكان هيتهد وهيتبني عمارة"، هكذا رد الحارس عند سؤاله عن سبب إغلاق السينما، وقال إنها أغلقت منذ سنوات، خاصة بعد وفاة الفنانة الراحلة فاتن حمامة، نافياً امتلاك أسرتها للسينما، وأضاف أن أصحابها قرروا هدمها وبناء عمارة سكنية مكانها قريباً، ولا توجد نية لديهم لإعادة فتحها مرة أخرى. وعلى بعد خطوات، التقينا بأحد السكان القدامى بالمنطقة، والذي أكد أن ظهور السينمات الحديثة والتليفزيون تسبب في قلة الإقبال على سينما فاتن حمامة، التي كانت تتمتع بشهرة كبيرة قديماً، وأضاف أن الشكل الخارجي لها لم يتغير منذ إنشائها في فترة الخمسينيات، ولكن أجريت بعض التجديدات عليها من الداخل، مثل "المقاعد والتكييف"، وكان المكان في الأصل حديقة للفواكه والخضروات لها باب خشبي وسور يحيط بها. وأضاف: "السينما لما كانت درجة تانية كانت شغالة نار، ولما سموها فاتن حمامة وعملوها درجة أولى اشتغلت كام سنة وقفلت عشان مكنش عليها ضغط جامد، ولما اتفتحت كان عندي 5 سنين لما ظهرت أفلام إسماعيل ياسين في الجيش، وشكوكو كان بيجي يعمل أراجواز وأحيانا كانوا بيجيبوا رقاصة، ولما كبرت كنت بروح مع أصحابي وكانت بتعرض 3 أفلام عرض مستمر، والتذكرة ب 3 ساغ الترسو و3 ساغ ونص الصالة و5 ساغ البلكون وفضلت كدة لحد السبعينات". "فاتن حمامة" ضمن 6 سينمات أغلقوا في المنطقة، ومنها سينما "المنتزة الصيفي"، التي يجهل الكثيرون اسمها ومكانها، وأخبرنا عنها صاحب مقهى قديم بالمكان، وقال إنها تحولت منذ فترة الستينيات إلى عمارة سكنية، بعد بيعها لشخص يدعى "الحاج حامد خاطر"، الذي حول السينما إلى جراج لسيارات تعمل بشركة الأسمنت، وأضاف: "السينما اتقفلت من زمان جداً وكنت عيل صغير لما اتفتحت ودخلتها مع أمي وأبويا والتذكرة سعرها 3 ساغ وكانت 3 حفلات". "ومن شباك صغير يطل على قاعة العرض بسينما جرين بالاس المتواجدة بشارع المنيل الرئيسي، كان يصعد ليجلس على قطعة خشبية معلقة ليشاهد الفيلم المعروض على الشاشة"، هكذا استرجع مستأجر أحد المحال التجارية بالعمارة ذكريات طفولته التي تعود إلى فترة الستينيات، قبل إغلاق السينما وتحويلها إلى مكان مهجور. وقال: "كنت بدخل السينما من هنا من باب ترسو وكانت التذكرة سعرها 3 ساغ ونص والصالة 6 ساغ والبلكون 12 قرش واللوج 15 قرش، وكنت بحب أشوف الأفلام الأجنبي وأول فيلم دخلته هو "مليون سنة قبل الميلاد" ولسة معلق في دماغي من الستينات، وشوفت فيلم ثرثرة فوق النيل في السبعينات". وأضاف: "السينما اتقفلت في الثمانينات ولما اتجوزت سنة 84 كنت باخد أولادي ونروح سينما ريفولي أو ميامي في وسط البلد، وفي 85 الجمهور بطل يجي سينما جرين واتقفلت وجه الحارس سكن فيها وربى بط ووز جواها لحد دلوقتي، وهي في الأساس ملك عيلة الغرباوي اللي رفضوا يبيعوها طول السنين اللي فاتت". وتابع:" مفيش سينما في المنيل مروحتهاش وانا صغير، وكنا بنشوف فنانين زي وردة الجزائرية وتيسير فهمي وهاني شاكر وكريمة مختار وعبدالمنعم إبراهيم من سكان المنطقة، وعادل إمام حاول يشتري السينما ويحولها لمسرح وأصحابها رفضوا، وأظن إن فيه مشاكل عليها وإن الأرض ملك لوزارة الثقافة". واختتم: "من التسعينات بطلت أروح سينما وحل محلها التليفزيون والفيديو وكل حاجة متوفرة للشباب دلوقتي، والسينما انعدمت من الثمانينات والأفلام مش كويسة والشباب بيدخل السينما عشان قلة الأدب، زي أفلام محمد رمضان اللي بتعلم الناس البلطجة، وأحمد السقا صديق شخصي ليا بس زعلت منه بسبب فيلم إبراهيم الأبيض لأنه علم الشباب الانحلال والتبجيح". وفي الجهة المقابلة من الشارع، لم يكن الوضع أفضل، حيث لا يوجد أثر لسينما "الروضة الصيفي"، التي هُدمت وتحولت إلى عمارة سكنية تصدرها سوبر ماركت شهير، وقال مستأجر المحل: "سينما الروضة اتقفلت قبل جرين بعد ما اتباعت للحاج إبراهيم المعايرجي اللي اشتراها ب150 جنيه المتر وقفلها وسقعها فترة لحد ما باعها للحاج انور القماش ب300 جنيه المتر". وأضاف: "في أواخر سنة 80 الحاج أنور هدها وبنى مكانها العمارة الموجودة دلوقتي، وفاكر إني شوفت فيها فيلم سبارتكوس وكانت صيفي هي وجرين، والإقبال كان بيبقى كبير عليهم خصوصاً لما ينزل فيلم جديد، وكان بيتعرض فيلمين أجنبي وواحد عربي والفيلم بيتغير كل أسبوع، ولسة فاكر أغنية أسمر يا أسمراني في الإستراحة".