وزيرة البيئة تواصل مشاركاتها فى فعاليات مؤتمر ' كوبنهاجن لتغير المناخ    الكاف يفرض اشتراطات صارمة على المدربين في بطولاته القارية.. قرارات إلزامية تدخل حيّز التنفيذ    سقوط شبكة دولية لغسل 50 مليون جنيه من تجارة المخدرات بمدينة نصر    سنن النبي وقت صلاة الجمعة.. 5 آداب يكشف عنها الأزهر للفتوى    محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية لتفقد مستشفى الناس    5 حالات اختناق بمنزل وحادث اعتداء على سوداني بالجيزة    بوتين: روسيا ستبقى قوة عالمية غير قابلة للهزيمة    لأول مرة.. بابا الفاتيكان أمريكيا| وترامب يعلق    خلافات عميقة وتهميش متبادل.. العلاقة بين ترامب ونتنياهو إلى أين؟    القوات المصرية تشارك في عروض احتفالات الذكرى ال80 لعيد النصر بموسكو    الجيش الأوكراني: تصدينا خلال ال24 ساعة الماضية لهجمات روسية بمسيرات وصواريخ    سعر الخضار والفواكه اليوم الجمعة 9 مايو 2025 فى المنوفية.. الطماطم 7جنيهات    ماركا: تشابي ألونسو سيكون المدرب الجديد لريال مدريد    فاركو يواجه بتروجت لتحسين الوضع في الدوري    إنفانتينو يستعد لزيارة السعودية خلال جولة ترامب    وزير المالية: الاقتصاد المصري يتحرك بخطى جيدة ويوفر فرصًا استثمارية كبيرة    مصلحة الضرائب: 1.5 مليار وثيقة إلكترونية على منظومة الفاتورة الإلكترونية حتى الآن    طقس اليوم الجمعة 9-5-2025.. موجة شديدة الحرارة    بسبب الأقراص المنشطة.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة| غدا    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني للطلبة المصريين في الخارج غدا    وزير الري: سرعة اتخاذ قرارات طلبات تراخيص الشواطئ تيسيرا ودعما للمستثمرين    فيفى عبده عن محمود عبد العزيز وبوسى شلبى: سافروا معايا الحج وهما متجوزين    مروان موسى ل«أجمد 7» ألبومى الجديد 23 أغنية..ويعبر عن حياتي بعد فقدان والدتي    حفيدة الشيخ محمد رفعت: جدى كان شخص زاهد يميل للبسطاء ومحب للقرآن الكريم    جدول امتحانات خامسة ابتدائي الترم الثاني 2025 بالقليوبية «المواد المضافة للمجموع»    تنمية المشروعات ضخ 920 مليون جنيه لتمويل مشروعات شباب دمياط في 10 سنوات    اقتحام مستشفى حُميّات أسوان بسلاح أبيض يكشف انهيار المنظومة الصحية في زمن السيسي    الهيئة العامة للرعاية الصحية تُقرر فتح باب التقدم للقيد بسجل الموردين والمقاولين والاستشاريين    طريقة عمل العجة المقلية، أكلة شعبية لذيذة وسريعة التحضير    «دمياط للصحة النفسية» تطلق مرحلة تطوير استثنائية    افتتاح وحدة عناية مركزة متطورة بمستشفى دمياط العام    أسعار الدولار أمام الجنيه المصري.. اليوم الجمعة 9 مايو 2025    جوميز: مواجهة الوحدة هي مباراة الموسم    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 9- 5- 2025 والقنوات الناقلة    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    أحمد داش: الجيل الجديد بياخد فرص حقيقية.. وده تطور طبيعي في الفن    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تجارب لأنظمة صواريخ باليستية قصيرة المدى    الخارجية الأمريكية: لا علاقة لصفقة المعادن بمفاوضات التسوية الأوكرانية    أسرة «بوابة أخبار اليوم» تقدم العزاء في وفاة زوج الزميلة شيرين الكردي    الهباش ينفي ما نشرته «صفحات صفراء» عن خلافات فلسطينية مع الأزهر الشريف    في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    موهوبون في قلب الأمور لمصلحتهم.. 5 أبراج تفوز في أي معركة حتى لو كانوا مخطئين    منح الدكتوراه الفخرية للنائب العام من جامعة المنصورة تقديرًا لإسهاماته في دعم العدالة    سالم: تأجيل قرار لجنة الاستئناف بالفصل في أزمة القمة غير مُبرر    تفاصيل لقاء الفنان العالمي مينا مسعود ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    طلب مدرب ساوثهامبتون قبل نهاية الموسم الإنجليزي    البابا تواضروس يعود إلى أرض الوطن بعد زيارة رعوية استمرت أسبوعين    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يقترب من إعلان "صفقة شاملة" لإنهاء الحرب في غزة    رئيس الطائفة الإنجيلية مهنئا بابا الفاتيكان: نشكر الله على استمرار الكنيسة في أداء دورها العظيم    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سينمات القاهرة.. التاريخ يسحقه التجار
نشر في أخبار الأدب يوم 23 - 05 - 2015

ليس هناك ما يُثبت وجودها سوي ذاكرة الناس المعبأة بالحكايات. أُغلقت الأبواب بمتاريس صدئة علي تاريخ تم تشويهه في ظل حكومات نافقة، ليوضع بالكثير من الإهانة ضمن نفايات القرن الماضي.
بنايات متهالكة نهشتها السياسات اللاهية لتتحول سينمات القاهرة، التي كانت في زمنٍ ماضٍ؛ منارات ثقافية وفنية إلي أماكن خربة؛ تسكنها خيوط العنكبوت ونفايات البشر، وتغتصب واجهتها الإعلانات التجارية، في مشهدٍ يُجسد بوضوح ما شهدته مصر من تحولات اقتصادية وسياسية، وما تبعها من تحولات اجتماعية، أدت إلي ظهور قيم التسليع، التي سحقت علي مرأي من الجميع، قيمًا أخري؛ شكلت وعي أجيال بل شكلت قوة مصر الناعمة في وجه التطرف."الستينيات": المجد للسينما
شهدت علاقة الدولة المصرية بالسينما تطورات كبيرة عبر مجموعة من القوانين الاقتصادية التي ألقت بظلالها علي السينما صناعة وفنًّا. قبل ثورة يوليو 1952 دخلت السينما مجال الاستثمار الرأسمالي بمعناه الواسع، عبر مجموعة من الشخصيات الثرية، ما يعني أن السينما كانت نشاطًا فرديًّا سواء في مجال الإنتاج، أو ملكية الاستوديوهات، أو المعامل والتوزيع ودور العرض، مع بعض الاستثناءات التي تمثلت في شخصيات مثل يوسف وهبي الذي ساعده نجاحه علي إنشاء استوديو "رمسيس" وشركة إنتاج تحمل نفس الاسم. حدث التحول التاريخي الفارق في علاقة الدولة بالسينما، مع قوانين يوليو الاشتراكية، وحركة التأميم التي قامت بها الدولة، إذ أنشأت مؤسسة السينما وعدة شركات أخري كانت تأخذ علي عاتقها القيام بإنتاج أفلام سينمائية، ومن هنا سيطرت الدولة علي صناعة السينما. وفي خطوة تحمل المعني الحقيقي للثقافة الجماهيرية؛ قامت الدولة بإنشاء دور العرض الخاصة بها في الريف، والأحياء الشعبية داخل المدن، وهي تلك الدور التي عرفت بسينمات الدرجة الثالثة، وكانت في تلك الفترة مراكز إشعاع ثقافي وفكري قامت بدور كبير في تشكيل وعي الطبقات الفقيرة.
لم تكن لدي المنتج، وهو الدولة، نفس مقاييس الربح والخسارة التي كانت لدي المنتج الخاص، ومن ثم كان المعيار الحقيقي هو القيمة الفنية والثقافية التي يحملها العمل السينمائي، وانطلاقًا من هذا المعيار كان الازدهار الحقيقي للسينما المصرية في تلك الحقبة الستينيات بل إن الكثير من المؤرخين يؤكدون أن تلك الفترة تمثل المجد الحقيقي لفن السينما، مستشهدين بالكثير من الأعمال الفارقة مثل:الحرام، الأرض، جفت الأمطار، يوميات نائب في الأرياف، شيء من الخوف، غروب وشروق. عُرفت السينما المصرية في تلك الحقبة، بسينما العرب؛ إذ لعبت دورًا كبيرًا في إيقاظ الهوية العربية عند الكثير من الدول العربية التي كانت واقعة تحت الاستعمار الأوربي.
استمر الدور الثقافي والتنويري، أو بالأحري الوجود الحقيقي لفن السينما، حتي جاءت سياسة الانفتاح الاقتصادي التي دشنها الرئيس الراحل أنور السادات، ومعها تحولت السينما إلي سلعة تجارية بعد أن تركتها الدولة في أيدي مجموعة من المنتجين.
الانفتاح يُطيح بصناعة السينما
تأثير سياسة الانفتاح الاقتصادي علي صناعة السينما المصرية، رصدها الباحث الدكتور سمير عبدالله العفيف في دراسته التي حملت عنوان "الانفتاح الاقتصادي وتأثيره علي صناعة السينما". يري الباحث أن سياسة الانفتاح التي عرفتها مصر السبعينيات بموجب قانون 1977، كانت مجرد إعلان عن التغيير الجوهري الذي سوف يشهده المجتمع، ويوضح: قانون الانفتاح استخدم لإفراز طبقة برجوازية قديمة وإظهارها مرة أخري إلي حيز الوجود. هذه النخبة البرجوازية في حقبة الانفتاح كونت تحالفات فيما بينها من أجل قيم معينة مرتبطة بواقع معين سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا. وكما أنتج الانفتاح آثاره في الميدان الاقتصادي وفي التوجه السياسي للدولة، أنتج آثاره في المجال الثقافي والفني بشكل عام والسينمائي بشكل خاص. فالأجهزة القائمة علي صناعة السينما في مصر في حقبة السبعينيات فترة الانفتاح الاقتصادي شهدت تفسخًا واضحًا وطرحت السينما ثقافة سلعية بدأت معها مرحلة تزييف الوعي. لقد حرصت الأفلام في تلك الفترة أن تنحي القيم الإنسانية جانبًا لتحل محلها قيمًا سلعية الطابع، كماقُدمت الأعمال التي لا تدين الواقع بل تدعو إلي قبوله، إذ ارتبطت صناعة الفيلم في فترة الانفتاح بالاستثمار الفج، وخضعت لرءوس الأموال العربية.
ظلت السينما علي حالها خلال السنوات العشر الأولي من حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك.. ومع أوائل التسعينيات وبسبب موجتي العولمة والخصخصة وضغوط اتفاقية التجارة الحرة بدأت الدولة في خصخصة السينما.وفي عام 1996 وبضوء أخضر من القيادة السياسية لوزير الثقافة فاروق حسني، تم عقد عدة اجتماعات مع القيادات السينمائية انتهت بعدة تعديلات،أهمها السماح بتمكين الكيانات السينمائية التي تنشأ برأسمال لا يقل عن مائتي مليون جنيه، ويجمع نشاطها بين الإنتاج وإنشاء دور العرض.
وقد أدت تلك الشروط القاسيةإلي تضاؤل دور السينمائيين القدامي، وعزوف الكثير منهم عن النشاط السينمائي؛ بسبب عدم توافر رأس المال المطلوب، ودخلت بدلًا منهم في اللعبة السينمائية شركات عددها محدود للغاية، وتكونت في الأساس لأهداف استثمارية بحتة، ولم يكن لديها دافع سوي تحقيق أكبر قدر من الربح ولو علي حساب الجودة. ثم جاء السبكي ليطلق الرصاصة الأخيرة علي الجسد الواهن.
وفي 19 مارس الماضي عقد وزير الثقافة الدكتور عبدالواحد النبوي، اجتماعًا مع لجنة السينما بالمجلس الأعلي للثقافة وأعضاء من غرفة صناعة السينما، أعلن فيه أن أصول السينما ستصبح ملكًا لوزارة الثقافة في أقرب وقت، وكذلك إنشاء الشركة القابضة للسينما والتي ستقوم بإدارة تلك الأصول. هل يُعد هذا القرار الذي لم يُطبق بعد مؤشرًا لمرحلة جديدة تشهدها صناعة السينما،وهل تستطيع الدولة أن تعيد فترة المجد لهذه الصناعة؟ يبدو أن الأوان قد فات! فخبر كبيع "سينما فاتن حمامة بالمنيل" بملبغ مقداره 22 مليون جنيه، لمجموعة من التجار لتحويلها إلي مشروع تجاري، يؤكد أننا نبكي علي زمنٍ ضائع لن يعود.
حين بدأنا رحلتنا للبحث عن السينمات المهجورة، توجهنا إلي شارع عماد الدين؛ شارع الفن الذي كان شاهدًا علي إبداعات العظماء، لكن الشارع الذي سطر عنه المؤرخون أروع الحكايات؛ خلع ثوب الإبداع ليرتدي ثوبًا آخر؛ متماشيًا أكثر مع ثقافة التسليع.
"سينما ريتز" مكان مهجور تحوطه صناديق القمامة
سألنا عن السينمات المهجورة، فدلنا أحد سكان الشارع عن سينما ريتز. بالطبع من الصعب الوصول إلي "ريتز" لأن اللافتة التي وُضعت علي واجهتها منذ أكثر من 70 عامًا انتزعت لتحل محلها الإعلانات التجارية. من الصعب أيضًا الوصول إليها؛ لأن صناديق القمامة أمامها تحجب الرؤية عن المبني العتيق الذي بات مهجورًا وشاهقًا في وجه الزمن. لمحنا الرجل ذا ال65 عامًا الحاج مصطفي العجواتي، ونحن تائهون وسط مباني الشارع، فأدرك بحسه الإنساني أننا صحفيون ونبحث عن ريتز، وبحنينٍ جارف استرجع الذكريات: هذه السينما كانت درجة أولي، وتذكرتها كانت ب6 ساغ ونصف. اُغلقت منذ 35 عامًا وكانت تعرض أفلامًا أجنبية وعربية. هنا شاهدنا أشهر فناني السينما المصرية. عرفنا أن الفنانة شريهان كانت تنوي شراءها، والبعض الآخر يقول ليلي علوي. لا نعلم الحقيقة. فقط ما نعرفه أنها أصبحت مكانًا مهجورًا.
من بعيد نلمح لافتة مكتوبا عليها: تحذير.. هذه الأرض مملوكة للبيت الفني للمسرح ولا يجوز التعامل مع أي شخص أو جهة غير المالك، ومن يخالف ذلك سوف يعرض نفسه للمساءلة القانونية. نعرف من العم يحيي، الذي يملك سوبر ماركت بجوار هذا المكان المهجور، أن هذه الأرض التي يحوطها السور كانت مبني من طابقين؛ بالطابق الأول مسرح، والثاني سينما وكان يُطلق عليها "مصر بالاس". يحكي الرجل السبعيني: هذه الأرض ملك لوزارة الثقافة. بعد عام الزلزال الذي اجتاح مصر تم هدم المبني، ووضع هذه اللافتة عليها. شاهدت بالسينما الكثير من الأفلام العظيمة. وكان من أشهر الفنانين الذين يترددون عليها "فريد شوقي، وشكري سرحان". في مقابل هذه اللافتة، تبدو علي استحياء حروف كلمة سينما باللغة الإنجليزية، إذ تحجبها الأشجار التي ارتفعت لتطولها إلي الطابق الثاني. وفي الطابق الأول نري "كافي شوب، وسوبر ماركت، وكشك سجائر". نسأل العم يحيي فيقول: كانت توجد هنا"سينما القاهرة" لصاحبها أحمد الحاروفي، أغلقت منذ 20 عامًا، وتم بيع المكان لرجل أعمال، يسعي الآن لهدم المبني بأكمله لتحويله إلي مول تجاري.
رأس المال يعصف بتاريخ سينما "أوليمبيا"
نترك عماد الدين متجهين إلي ميدان العتبة، لنسأل هناك عن "سينما أوليمبيا" وبعد رحلة من التخبط في عدد من الشوارع يرشدنا أحد المارة، أنها توجد في أول شارع عبدالعزيز الشهير.
الاسم المحفور في جبين المبني العتيق منذ مائة عام؛ يرفض أن يُمحي تحت سطوة رأس المال الذي حول الطابق الأول منه إلي محل هواتف، ليبقي الطابق الثاني حاملًا اسمها، ومحتفظًا بين جدرانه الآيلة للسقوط بتاريخٍ يرويه بلباقة الحاج عادل علي أحمد صاحب المقهي المجاور لمبني السينما.
ببهجةٍ موصولة بزمن يتوق إليه يحكي الرجل العجوز: يعود تاريخ سينما أوليمبيا إلي قرن من الزمان، ومالكها الأساسي كان يوناني الأصل ويدعي نيكولا، بعد ذلك اشتراها حسين القلا، ثم المنتج سمير عبدالعظيم، أما الآن فالمبني ملك لتاجر كبير يدعي الحاج صابر الذي حول الطابق الأول منه إلي محل هواتف ليتماشي مع طبيعة الشارع التجارية. اُفتتحت السينما بعرض فيلم "الوردة البيضاء" للموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب، وكانت درجة أولي، ثم أصبحت درجة ثانية إلي أن اُغلقت تمامًا منذ أكثر من 30 عامًا. كنت أدخل السينما مجانًا؛ لأن مديرها كان صديقًا لوالدي. ورأيت الكثير من الفنانين والفنانات أتذكر منهم : سعاد حسني، وشكري سرحان.
المتاريس الصدئة التي قيدت سينما "ريو" بشارع منصور بباب اللوق، والقمامة التي لوثت وجهها، ربما تحجب عنك اسمها الذي تآكل بفعل تغيرات الزمن، فالمكان الذي اُغلق منذ 25 عامًا ليس به الآن ما يدل علي أنه كان مصدرًا ثقافيًّا وتنويريًّا، بل ليس به ما يدل علي أنه مكانًا آدميًّا.
"سينما ريو" بناية متهالكة في انتظار الهدم
الحاج حنفي إمام محمود يستعيد بحكاياته تاريخ السينما الصيفي التي بيعت مؤخرًا لرجل الأعمال الشهير رامي لكح بحسب قوله.
يقول الرجل السبعيني: "ريو" كانت سينما صيفي، اُغلقت منذ 25 عامًا، واشتراها الفنان عادل إمام وبعده رجل الأعمال رامي لكح الذي ينوي تحويل المكان إلي مول تجاري. كنا نشاهد فيها الأفلام الصيفي، وكان يتردد عليها كثيرًا "فريد شوقي ورشدي أباظة". وكما ترين؛ تحولت السينما إلي مبني متهالك في انتظار الهدم.
معمار مميز، ومختلف عن باقي مباني شارع المنيل الرئيسي، من أحد جوانبه يطل عليك اسم "جرين بالاس" مُعلنًا وجوده، ورافضًا التلاشي في زمن الهلاك. تلك الصورة المتفائلة التي رسمناها للسينما العريقة، ما تلبث أن تنسحق، حين يتوسط لنا العم عادل لمشاهدة المبني من الداخل، فتتضح الرؤية أكثر ونستطيع أن نفحص المنظر.
الكراسي الحديدية الصدئة يؤنسها البط والأوز الذي تقوم بتربيته زوجة عم صابر حارس المبني. الكثير من الكراكيب والأشياء الحياتية والأشجار المتقطعة، تحتضن كل ذلك جدران منبوشة بفعل تشوهات الزمن، علي أرضٍ تملؤها الحشرات وأوراق الشجر المتساقطة.
تاريخ "جرين بالاس" يحكيه لنا الحاج عادل أحد مواليد المنيل، إذ يقول: أنشئت سينما جرين بالاس عام 1940 ومالكها يدعي محمد الغرباوي، وأغلقت منذ عام 1983 وهي معروضة الآن للبيع. كانت درجة ثانية، تذكرتها ب3 ساغ ونص، ومديرها كان اسمه كمال سعد. شاهدت بها مجموعة من الأفلام التي لاتزال محفورة بذاكرتي، منها: سبارتكوس، والمصارعون العشرة. وهنا كان يأتي الفنانون: عمر الشريف، كمال الشناوي، شادية، صلاح قابيل.
بحسرة شديدة يتحدث العم عادل عن أفلام الزمن الجميل وحال السينما الآن: كانت السينما فنًّا راقيًا، تقوم بدور تثقيفي كبير، لكنها الآن تقوم بدور معاكس تمامًا. أصبحت أفلام السبكي الإباحية هي العنوان الرئيسي لحال السينما المصرية.
"سينما فاتن حمامة" تباع ب22 مليون جنيه
لا يتركنا العم عادل دون أن يُكمل صدمتنا، حين يُخبرنا بأن سينما فاتن حمامه تم بيعها منذ شهر ب22 مليون جنيه لصاحب أسماك البحرين وأحد تجار سوهاج؛ لتحويل المكان إلي مشروع تجاري، ربما يكون عمارة أو مول.
نتجه إلي سينما فاتن حمامة للتأكد من المعلومة. شباك التذاكر مغلق، والعمال والصنايعية منتشرون في أرجاء المبني، ما يعني أن المعلومة صحيحة. نسأل رجل الأمن عما تردد عن بيع السينما، لكنه يرفض الحديث معنا، قائلًا: ليس لدي معلومات عن هذا الأمر، ولا يعنيني هذا، عملي هو حراسة المكان فقط. نتجه إلي محل "أسماك البحرين" الملاصق للسينما لنسأل عن حقيقة المعلومة، فيؤكدها لنا بفخر أحد البائعين هناك.
22 مليون جنيه، تعصف بتاريخ سينما سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، هكذا يقول أحد سكان المنيل، الذي دلنا علي سينما الفانتازيو بميدان الجيزة.
الدولة تواجه التطرف والسينمات مغلقة!!
الباعة الذين يفترشون أمام السينما، في الميدان الصاخب بالحياة، يطمسون ملامحها عن غير عمد؛ لأنهم لا يعرفون شيئًا عنها، فحين سألناهم عن المكان الذين يحتلون ساحته، قالوا: إنه مبني مهجور منذ سنوات عديدة.
يشير لنا الحاج علي عبدالعزيز صاحب مقهي السمر الملاصقة للمبني المهجور، ليحكي عن تاريخ سينما الفانتازيو: هذه السينما تعتبر من أقدم السينمات في مصر، تأسست منذ أكثر من 80 عامًا. وأغلقت عام 2000 وتحولت الآن إلي مكان مهجور. كنت أري الفنان صلاح السعدني باستمرار، وكان يجلس هنا، ويتحدث معنا عن أحوال البلد وتاريخ السينما المصرية. كان الذهاب إلي السينما من الأشياء المحببه إلي، ففي نهاية الأسبوع كنت أخرج أنا وأسرتي للذهاب للسينما، لكن هذه العادة توقفت منذ أكثر من 15 عامًا؛ لأنه لم يعد هناك ما نشاهده. الأفلام أصبحت مسيئة لمصر ولشعبها. "سينما الفانتازيو" كانت واحدة من ضمن السينمات الشعبية التي نطلق عليها "سينمات ترسو". أُغلقت مع مجموعة أخري من السينمات الخاصة بالطبقات الفقيرة. ومنها سينما الأهلي بالسيدة زينب، وسينما وهبي بالقلعة، وسينما مصر في شارع الجيش. وسينما ستار في لاظوغلي التي تحولت إلي محلات تجارية. باختصار لم تعد هناك سينمات مناسبة للطبقات الفقيرة والمهمشة، جميعها أغلقت وتحولت إلي محلات تجارية أو أصبحت أماكن مهجورة. ولذلك أُوجِّه رسالة لوزير الثقافة بالالتفات إلي وضع السينمات الشعبية المغلقة وإعادة تشغيلها، بعرض أفلام تعبر تعبيرًا حقيقيًّا عن الفن المصري وتليق بتاريخ السينما المصرية. كيف يتحدثون عن التنوير في مواجهة التطرف الديني دون النظر إلي حال السينما؟!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.