بات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو الشخص الذي يخرج أمام شاشات التليفزيون، وعلى صفحات وسائل الإعلام بموقف المدافع عن القضايا الشائكة في المنطقة، أخرها القضية الفلسطينية، الذي طالب حكومة الاحتلال الإسرائيلي بمنع الاستيطان، وإنهاء الاحتلال، بينما في الوقت نفسه يزيد من إجراءاته للتطبيع مع إسرائيل. تناقضات أردوغان لا تقف عند أعتاب فلسطين، ومصر، بل تمتد إلى كل القضايا التي تتلامس معها أنقرة تقريبا، جاء عام 2016، لتعلن تركيا عن تفاصيل لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل عقب قطيعة استمرت 6 أعوام، وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم وقتها إن تفعيل السفارات وإعادة السفراء لدى الدولتين سيتم حال مصادقة الطرفين على التفاهم، مشيرا إلى أن البرلمان التركي سيتولى عملية المصادقة، ومن جانبها ستقوم الوزارات المعنية في تل أبيب، بالمصادقة لدى الجانب الإسرائيلي.
التطبيع مع إسرائيل والدفاع عن القدس ويتضمن التطبيع التركي الإسرائيلي استكمال مؤسسة الإسكان التركية مشاريعها في غزة، وتسريع إنشاء المنطقة الصناعية في منطقة جنين.
أما بخصوص السبب الرئيسي لتفاقم القطيعة بين الجانبين، فهو حادث هجوم القوات الإسرائيلية على سفينة المساعدات التركية التي كانت متوجهة إلى غزة "مافي مرمرة"، ستقوم تل أبيب بدفع 20 مليون دولار كتعويضات للجرحى وذوي القتلى في الهجوم.
وظهر أردوغان، في 28 أغسطس، عقب لقائه الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن في أنقرة ليطالب إسرائيل بإنهاء الاحتلال، ووقف الاستيطان، في تصريحات مغايرة لموقفه من التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
ويؤكد هذا الموقف التناقض الكبير في شخصية أردوغان منذ ظهوره على الساحة السياسية التركية، وتغيير موقفه حول العديد من القضايا الهامة داخل المجتمع التركي وخارجه
لعب دور في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب ناهيك عن أن تركيا تريد أن تكون لاعبا مهما في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب الذي يقوم به تنظيم "داعش" في كل من العراقوسوريا، وفي الوقت نفسه متهمة بقوة أنها أحد داعمي هذا التنظيم، والدليل الإفراج عن عشرات من مواطنيها بلا فدية أو مقابل، ولم يعلم أحد حتى الآن تفاصيل الصفقة، التي أدت إلى هذا الإفراج.
تناقضات تجاه سوريا أردوغان في خطابه أمام الأممالمتحدة صور بلاده على أنها ملاذ اللاجئين وجنة المظلومين والفارين من نار بشار الأسد في سوريا، ونسي أن كميات كبيرة من الأسلحة مرت، ولا تزال، تمر عبر حدود بلاده، إلى المتشددين، وتجاهل أن تصوراته وممارساته أحد أهم عوامل تضخم التيار التكفيري من المنطقة، فكيف يستطيع التوفيق بين كونه أحد أسباب تصاعد الأزمة، وفي نفس الوقت باعتباره جزءا من حلها؟
ازدوجية أردوغان ما بين الشرق الأوسط وأوروبا من جهة ثانية، أردوغان خطط منذ فترة لتكون بلاده بوابة أوروبا على كل من الشرق الأدنى والأوسط، وعندما أخفق في الأول، جراء تعاظم مشكلاته في الشرق الأدنى، وانسداد الأفق أمامه، راوده حلم التركيز على الشرق الأوسط، ليس كمفتاح أو معبر لأوروبا، بل كمهيمن عليه، خاصة بعد أن صعد نجم التيار الإسلامي في المنطقة، وتكرس هذا الشعور، عقب اندلاع الأزمة في سوريا، وخروج العراق من المعادلة، وارتباك مصر لفترة، بموجب صعود حلفائه الإخوان (الضعفاء) للحكم، لكن تمكن الرئيس عبد الفتاح السيسي من تعديل الدفة في مصر، شعبيا وديمقراطيا وأمنيا وحتى استراتيجيا، أصاب أردوغان بشيء من الدوار، لأنه كان سببا في إفشال مخططه الخيالي، بأن يصبح خليفة المسلمين الجديد، طبعا قبل أن يعلن عن ذلك منافسه الجديد أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش.
الوقوف مع قطر والتباكي على كردستان وسقطت أقنعة أردوغان الذي تباكى كثيرا بذرفه دموع التماسيح على قطر بعد "مقاطعة" الدول الداعية لمكافحة الإرهاب لها، يقف بكل قواه اليوم مكشرًا عن أنيابه ضد خطوة استفتاء الانفصال الذي أقامه إقليم كوردستان ويلوح ب"محاصرته وتجويعه"، رغم أن الإقليم لم يضره لا من قريب ولا بعيد، وظل طيلة العقود الماضية محايدا تجاه المشاكل الداخلية التركية بين الحكومة وبعض المتمردين الأكراد.
غير أنه من الواضح أن الرئيس التركي يريد مواصلة فرض وصايته على الأكراد ومنعهم من تقرير مصيرهم بأنفسهم، لاعتقاده الداخلي بأن انفصال الإقليم سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش الإمبراطورية العثمانية العظمى التي يريد إعادة إحيائها من جديد، وإن بطريقة لا تكون الحدود الجغرافية رقما مهما في معادلتها.
وبعيدًا عن التعقيدات المصلحية التي ينطلق منها أردوغان في تعامله مع ملف انفصال كوردستان، يكفي النظر إلى هذا التطور لإبراز التناقضات الكبيرة والتلون المخيف الذي يتميز به نظام الحكم الإخواني في تركيا وأتباعه ومريدوه في الخليج تجاه ملفات المنطقة.
ففي موضوع أزمة قطع الدول الداعية لمكافحة الإرهاب علاقتها بقطر على سبيل المثال، اصطف الإخوان خلف موقف أردوغان وحكومته الذي كان منحازا إلى الدوحة –رغم ثبوت دعمها للتطرف والإرهاب- وسمح لنفسه بالتدخل في شأن عربي، وزعم زورا بأن الدول الأربعة تفرض حصارا على قطر–رغم أنها لم تفعل ذلك-، وحذر من مغبة أي خيار عسكري- رغم أن أحدا لم يلوح بهذا-، ووصل في استفزازه لدرجة إرسال مقاتلين أتراك إلى الأراضي القطرية، في خطوة بدت غير مفهومة على الإطلاق.