دائمًا ما اجتمعت كلمتهم على رفض الوجود الإسرائيلي في القدس، وكانوا على قلب رجل واحد في رفض الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، إنهم باباوات الكنيسة، ذوو المواقف المشرفة تجاه القضية الفلسطينية. ومع إصدارها بيانًا رفضت فيه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فمواقف الكنيسة القبطية، لم تنفصل عن الصف العربي، تجاه القدس، فهي على مر التاريخ، في تضاد مع الكيان الصهيوني، وما زالت حتى اليوم، تشتبك مع المحاكم الإسرائيلية؛ لاستعادة دير السلطان المملوك تاريخيًا لها من يد الرهبان الحبشيين، الذين استولوا عليه منذ سنوات، وهو الدير نفسه، الذي رآه باباوات الكنيسة سببًا لتصعيد لهجة المقاطعة ضد الدولة اليهودية. البابا كريلس السادس، بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية السادس عشر، كان أول من اتخذ موقفًا ضد إسرائيل، رافضًا زيارة القدس، عقب وقوعها في يد جيش الكيان الصهيوني، أعقاب هزيمة 1967، وملاحظته عمليات تهويد واسعة بمنطقة القدس. وظل موقف البابا ساريًا حتى عام 1980، حين قرر المجمع المقدس للكنيسة القبطية منع جميع الأقباط من زيارة القدس، في أعقاب الشقاق بين البابا شنودة والرئيس الراحل أنور السادات.
واستمر العمل بقرار المجمع المقدس، طوال عهد البابا شنودة الثالث، ذو المقولة الأشهر: "لن ندخل القدس إلا مع إخوتنا المسلمين". وليس هذا وحسب، بل كان البابا، يعاقب الأقباط الذين يزورون القدس، بالحرمان الكنسي، (سر التناول)، وهو أحد الأسرار المقدسة السبعة للكنيسة الأرثوذكسية.
وفي عام 1991، رسم البابا شنودة الثالث، الأنبا إبراهام، مطرانًا على القدس وكرسي أورشليم والخليج، ولكنه رفض زيارة القدس لتجليسه على كرسيها، وأرسل وفدًا من كبار المطارنة والأساقفة رأسه الأنبا بيشوي مطران دمياط وكفر الشيخ والبراري، أنذاك، لتجليس المطران الراحل نيابة عنه، والتزاما بالتقاليد الكنسية التي لا تسمح لأسقف وهو رتبة أقل بتجليس المطران وهو رتبة أعلى منه، بخاصة وأن إيبراشية القدس لا يتولاها إلا مطران ويحل ثانيًا في ترتيب أساقفة المجمع المقدس بعد البابا مباشرة.
وفي نوفمبر 2012 جلس البابا تواضروس الثاني على سدة كرسي مامرقس، وجدد تأكيده على التزام الكنيسة بمنع زيارة الأقباط للقدس المحتلة، خاصة وأن العقيدة المسيحية لا تعرف طقس الحج الذى يعتبر ركنًا من أركان العقيدة الإسلامية حتى مع مراعاة الشرط "من استطاع إليه سبيلا"، فزيارة القدس فى العقيدة المسيحية مجرد زيارة روحية لنيل البركة والسير فى المناطق المقدسة التى ولد فيها المسيح.
قرار البابا شنودة، شهد تباينًا ومرونة، في موقف الكنيسة تجاه زيارة القدس في الفترة الأخيرة، فهي من ناحية تعلن رسميًا التزامها بقرار البابا شنودة، ولكنها في الوقت نفسه لا تتخذ أية عقوبات تجاه من يخالفون القرار وهو ما جعل بضعة آلاف من الأقباط يترددون على القدس فى السنوات الأخيرة، كذلك فإن البابا تواضروس أعلن سماحه لكبار السن بزيارة القدس ممن تزيد أعمارهم عن أربعين عامًا وبشكل استثنائي.
وزار الرئيس الفلسطيني، محمود عباس أبو مازن، الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وفي 9 نوفمبر عام 2015، ودعا البابا تواضروس لزيارة القدس، كسرًا لحصار الشعب الفلسطيني، معتبرًا أن الزيارة للسجين وليست للسجان، فما كان من البابا، إلا أن البابا تواضروس، كرر رد سلفه البابا شنودة وقال "سندخل القدس مع إخوتنا المسلمين". واستمر البابا في موقفه الرافض لزيارة القدس حتى أعلن في عظته الأسبوعية العام الماضي، إنه سيرسل وفدًا من كبار الأساقفة لقيادة صلاة الجنازة على مطران القدس المتوفي الأنبا أبراهام، الذي قال إنه تعلم منه كثيرًا في أثناء رهبنتهما في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، إلا أن تغيرًا طرأ على موقف البابا في منتصف الليل من اليوم نفسه وأعلنت الكنيسة أنه سيسافر بنفسه ليقود صلوات الجنازة بناء على وصية المطران الذى طلب أن يدفن في القدس.
ومنذ وفاة الأنبا إبراهام، استمر توافد رجال الكنيسة على إيبراشية القدس للصلاة والخدمة هناك، باعتبارها تابعة للكاتدرائية، مع استمرار مطالبة الكنيسة بحقها التاريخي في دير السلطان، الذي تتواصل بشأنه مع وزارة الخارجية المصرية حيث كان ضمن بنود مشاورات شكري نتنياهو التي جرت العام الماضى، وجدد البابا مطالبته به فى لقائه بسفير مصر لدى إسرائيل بالكاتدرائية منذ شهور.
كما كان للقمص صليب متى ساويرس، عضو المجلس الملي، موقفًا رافضًا لنقل السفارة الأمريكية للقدس، ورأى في الوقت نفسه، أن القرار لن يدفع أزمة دير السلطان لمزيد من التعقيد، فالدير يقع تحت الحكم الإسرائيلي في مدينة القدس وسيظل متنازعًا عليه حتى يعود لأصحابه.