في 14 أكتوبر، 1962، قبل 55 عاما، استولت طائرة تجسس تابعة للقوات الجوية الامريكية يو -2 على صور تؤكد نشر صواريخ اس -12 السوفياتية على كوبا. ويعتقد أن هذا التاريخ هو نقطة البداية لأزمة الصواريخ الكوبية، وهي مواجهة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي، والتي حولت تقريبا الحرب الباردة إلى مواجهة مفتوحة. وذكرت وكالة "سبوتني"، أنه قبل عام واحد من اندلاع الأزمة، نشرت الولاياتالمتحدة 15 صاروخا باليستيا متوسط المدى بالقرب من إزمير بتركيا التي كانت قادرة على تدمير موسكو والمدن الرئيسية الأخرى في الجزء الأوربي من الاتحاد السوفياتي خلال 10 دقائق فقط. وأعربت واشنطن عن اعتقادها بأن هذه الخطوة ستجعل موسكو عاجزة عن ضربة انتقامية واسعة النطاق في حالة الحرب. في ليلة الأزمة وللمرة الأولى، اقترح الزعيم السوفيتي، نيكيتا خروتشوف، نشر القذائف التسيارية السوفياتية والقوات الكوبية في 20 مايو عام 1962 خلال اجتماعه مع وزير الخارجية آندريه جروميكو، ووزير الدفاع روديون مالينوفسكي، ونائب رئيس الوزراء أناستاس ميكويان. بحلول ذلك الوقت، وصلت المواجهة العالمية بين موسكووواشنطن إلى ذروتها. لم يتمكن الاتحاد السوفيتي من التنافس مع الولاياتالمتحدة في عدد الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. كان لدى الولاياتالمتحدة 144 صاروخ سم-65 أطلس وحوالي 60 صاروخ سم-68 تيتان. وعلاوة على ذلك، تم نشر 40 صاروخا من طراز جوبيتر بطول 200 2 كيلومتر في إيطاليا، وتمركزت 60 صاروخا من طراز بوم-17 ثور ذات قدرات مماثلة في بريطانيا. كان الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت فقط 70 R-7 صاروخ عابر للقارات، ولكن فقط ما يصل إلى 25 منهم يمكن إطلاقها في وقت واحد. كما كان لدى موسكو 700 صاروخ باليستي متوسط المدى، بيد أنها لم تتمكن من نشرها بالقرب من الأراضى الأمريكية. وفي 28 مايو غادر وفد سوفيتي إلى كوبا. كان فيدل وراؤول كاسترو يشعران بالقلق إزاء الغزو الأمريكي المحتمل ورأى أن موسكو حليف عسكري قوي. وفى 10 يونيو قدم وزير الدفاع السوفيتي مالينوفسكي خطة لنشر صواريخ سوفياتية إلى كوبا من بينها 24 صاروخا من طراز ر 12 تحمل مجموعة من حوالي 2000 كم و 16 صاروخا من طراز ار - 14 بطول أقصى يبلغ 4500 كم. وكانت الصواريخ من كلا النوعين قادرة على حمل رأس حربي واحد ميغاتون. عملية أنادير وبالإضافة إلى الصواريخ، كانت القوات السوفياتية المنتشرة في كوبا تشمل فوج طائرة هليكوبتر من طراز مي-4، وأربعة أركان مشاة آلية، وكتيبتين مدرعتين، و 42 قاذفة من طراز إيل -28، ووحدتين للصواريخ كروز، وبطاريات مدفعية عديدة، و 12 من طراز S-75، الطائرات ونظم الدفاع الجوي. عملية النشر كانت رمز اسمه عملية أنادير. وقد غطت السفن مجموعة بحرية تضم طائرتين، وأربعة مدمرات، و 12 سفينة تحمل صواريخ و 11 غواصة. وشارك ما مجموعه 50 ألف شخص في المهمة غير المسبوقة. وقد تم إعداد هذه العملية من قبل أفضل الاستراتيجيين العسكريين السوفياتي، بما في ذلك المارشال إيفان باغراميان، والعقيد سيميون ايفانوف والجنرال أناتولي غريبكوف. وكان الهدف الرئيسي جعل نشر سرية تماما. وشارك في العملية ما مجموعه 85 سفينة شحن أجرت 180 رحلة من الموانئ السوفياتية في بحر البلطيق والبحر الأسود وبحر بارنتس. وفى 7 يوليو، أبلغ خروتشوف باستعداد وزارة الدفاع لتنفيذ خطة الانتشار. وبلغت التكاليف الإجمالية للعملية 20 مليون دولار (بسعر الصرف لعام 1962)، ولكن اللعبة كانت تستحق المخاطرة. وعلى الرغم من جهودها، لم تتمكن المخابرات الأمريكية من معرفة السبب الحقيقي وراء زيادة نشاط سفن الشحن السوفياتية بالقرب من كوبا حتى يتم تصوير مواقع الصواريخ من طائرة تجسس. وفي يوليو، كثفت طائرات التجسس التابعة للناتو رحلاتها فوق السفن السوفياتية على ارتفاعات منخفضة للغاية. وابتداء من 18 سبتمبر، طلبت سفن حربية أمريكية معلومات من سفن الاتحاد السوفيتي حول الحمولة، إلا أنه لم يتم الكشف عن أي تفاصيل عن العملية السرية. السبت الأسود وفى 14 اكتوبر، التقطت طائرة تجسس من طراز يو -2 بقيادة الرائد ريتشارد هيزر صورا لما اتضح أنه موقع إطلاق صواريخ سوفيتية في غربي كوبا. وقد عرضت الصور على الرئيس الأمريكي جون كينيدي. وفي 22 اكتوبر، سلم كينيدي خطابا متلفزا إلى البلاد، بما في ذلك إعلان الحصار البحري الكامل لكوبا اعتبارا من 24 اكتوبر. وفي 15 اكتوبر، وضع الرئيس الأمريكى القوات المسلحة للبلاد على ديفكون -2. وكان الوضع يزداد خطورة على مدار الساعة. وهددت واشنطن بغزو شامل لكوبا، بينما تعهدت موسكو بالرد. ووصل التوتر إلى ذروته في 27 اكتوبر، وهو اليوم الذي يطلق عليه اسم "السبت الأسود" عندما أسقط صاروخ دفاع جوي من طراز إس -75 طائرة تجسس من طراز يو -2 فوق كوبا. ويعتقد العديد من المختصين أن فرصة نشوب صراع نووي واسع النطاق في ذلك اليوم كانت حقيقية كما لم يحدث من قبل في التاريخ. بيد أن الحادث كان له تأثير شديد على كل من واشنطنوموسكو. وفي الساعات الأولى من يوم 28 اكتوبر اجتمع روبرت كينيدي شقيق الرئيس كينيدي مع السفير السوفيتي لدى الولاياتالمتحدة أناتولى دوبرينين وقدم له ضمانات من الحكومة الأمريكية بأن واشنطن لن تهاجم كوبا. وفي وقت لاحق، أمر وزير الدفاع السوفيتي مالينوفسكي بالبدء في تفكيك مواقع الصواريخ في الجزيرة. وفي 20 نوفمبر، أزيلت الصواريخ السوفياتية الأخيرة من كوبا وأمر الرئيس كينيدي برفع الحصار. وبعد بضعة أشهر، سحبت الولاياتالمتحدة صواريخ جوبيتر من تركيا، وتم حل الأزمة أخيرا. ولا يزال هناك الكثير من الصفحات الفارغة في تاريخ أزمة الصواريخ الكوبية. في سبتمبر 2017، أصدرت وزارة الدفاع الروسية معلومات عن الخسائر العسكرية السوفياتية خلال المواجهة وبعد الأزمة. ووفقا للوثائق، قتل 64 مواطنا سوفييتيا في كوبا في الفترة ما بين 1 أغسطس 1962 و 16 أغسطس 1964. ومع ذلك، لم تقدم الوثيقة مزيدا من التفاصيل.