جولة صباحية مفاجئة.. محافظ الدقهلية يتفقد مخابز مركزي المنصورة وطلخا    البنك المركزى المصرى يستضيف برنامجا تدريبيا حول اختبارات الضغوط الجزئية والكلية للبنوك المركزية بدول الكوميسا    بي اس جي ضد الريال.. إنريكي يتسلح بالتاريخ لعبور الملكي في المونديال    ريال مدريد ينجو من ريمونتادا دورتموند فى كأس العالم للأندية.. كيليان مبابى يقص شريط أهدافه بالمونديال.. جارسيا يكرر إنجاز رونالدو وينتزع صدارة قائمة الهدافين.. و"الملكي" ينفرد برقم تاريخي تحت أنظار الأهلى    ذكرى رحيل أحمد رفعت الأولى فى كاريكاتير اليوم السابع    طلاب الثانوية العامة: امتحان الرياضيات البحتة الأسهل حتى الآن "فيديو"    مليونية حب فى الزعيم عادل إمام بعد ظهوره..والجمهور يعبر عن اشتياقه    ارتفاع الباذنجان والكوسة.. أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    الأمن المائى.. صياغة الأولويات الاستراتيجية للملف برؤية شاملة    كواليس موافقة مجلس النواب على قانون الإيجار القديم    «الصحة» تعلن فتح باب التقديم لالتحاق بالمدارس الثانوية الفنية للتمريض للعام الدراسي «2025-2026»    خشية تهدئة محتملة.. إسرائيل تسرع تهجير وتدمير شمال غزة    الخارجية الروسية: لم يتم تحديد موعد لجولة جديدة من المحادثات الروسية الأمريكية    موسكو: "بريكس" توحّد 3 من الاقتصادات العالمية الرائدة وتسهّل إبرام العديد من الاتفاقيات    50 قتيلا وعمليات بحث عن 27 فتاة مفقودة جراء الفيضانات المدمرة في تكساس    عاجل.. مصر تُعرب عن خالص تعازيها للولايات المتحدة الأمريكية في ضحايا الفيضانات بولاية تكساس    العمالة المؤقتة فى الزراعة    رسالة إلى الحوار الوطنى نريد «ميثاق 30 يونيو»    الأهلي ينهي إجراءات السفر إلى تونس.. تعرف على موعد المعسكر الخارجي    «زيزو مَثل الإصابة في مباراة القمة».. مصطفى يونس يعلق على انتقال ثنائي الزمالك إلى الأهلي    لليوم الثاني.. استمرار تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ بمختلف المحافظات    إصابة 6 أشخاص في حادث تصادم بالفيوم    إصابة طفل في حادث سير بالعريش    نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول برقم الجلوس.. الموعد ورابط موقع التنسيق    ضربه حتى الموت.. أب يُنهي حياة طفله في الفيوم بعد 3 أيام من التعذيب    بالصور- حريق بمنزلين في القليوبية.. و3 سيارات إطفاء تتدخل    انخفاض البلطي والجمبري.. أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    تعرف على إيرادات أمس لفيلم "أحمد وأحمد"    «كان بيتحكيلي بلاوي».. .. مصطفي يونس: الأهلي أطاح بنجلي بسبب رسالة ل إكرامي    أحمد مجدي يفسد زفاف أسماء أبو اليزيد.. تفاصيل الحلقة 16 من «فات الميعاد»    الطريقة «الهولوجرامية» تزوير فى أصوات غنائية    "الصحة" تنظم برنامجًا متقدمًا في أساسيات الجراحة لتعزيز كفاءة شباب الأطباء    الرعاية الصحية: إدخال خدمات العلاج الطبيعي والتأهيل الحركي في التأمين الشامل    صعوبة التنفس والجفاف.. ماهي خطورة ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو وكيف نحمي أجسامنا منها؟    الحكومة تكشف تفاصيل أول جهاز تنفس صناعى مصرى محلى الصنع بالكامل    وزير الري يتابع موقف مشروعات حماية الشواطئ المصرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط    رسميًا.. كهرباء الإسماعيلية يعلن التعاقد مع محمد أوناجم    حملات مرورية على الطرق السريعة لرصد المخالفات بالقاهرة والجيزة    اختبارات القدرات 2025 .. اعرف مكان اختبارات كليات الفنون الجميلة حسب محافظتك    ماسك يقرر تأسيس حزب أمريكا الجديد لمنافسة ترامب والديمقراطيين    وداع مهيب.. المئات يشيعون جثمان سائق «الإقليمي» عبده عبد الجليل    مدارس النيل تُعلن انطلاق مهرجان مدرسي العام المقبل.. صور    عمرو الدجوي ينعى شقيقه الراحل بكلمات مؤثرة    دعاء الفجر | اللهم ارزقني سعادة لا شقاء بعدها    بالدش البارد ورمي الأدوية.. السقا يكشف تفاصيل تعديل سلوك أحمد فهمي لإنقاذ فيلمهما الجديد    "هاتوا استشاري يشوف الطريق".. عمرو أديب يرد على مقترح وزير النقل    كيف حمت مصر المواطن من ضرر سد النهضة ؟ خبير يكشف    حدث منتصف الليل| 300 ألف جنيه لأسرة كل متوفى بحادث الإقليمي.. وإرجاء إضراب المحامين    آل البيت أهل الشرف والمكانة    في عطلة الصاغة.. سعر الذهب وعيار 21 اليوم الأحد 6 يوليو 2025    ياسر ريان: نجلى من أفضل المهاجمين.. مصطفى شلبي يشبه بن شرقي    إبراهيم صلاح: شيكابالا خرج من الباب الكبير    مواجهات بين فلسطينيين وقوات الاحتلال فى بيت لحم جنوبى الضفة الغربية    ابتعد عنها في الطقس الحار.. 5 مشروبات باردة ترفع الكوليسترول وتضر القلب    "أنا بغلط... وبأندم... وبرجع أكرر! أعمل إيه؟"    يُكفر ذنوب سنة كاملة.. ياسمين الحصري تكشف فضل صيام يوم عاشوراء (فيديو)    فينجادا: سأتذكر تألق شيكابالا دائما.. والرحلة لم تنته بعد    4 أبراج «قوتهم في هدوئهم»: شخصياتهم قيادية يفهمون طبائع البشر وكلامهم قليل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بر الوالدين في مشكاة النبوة
نشر في الفجر يوم 07 - 08 - 2017

بِرُّ الوالدَيْنِ من آكدِ وأعظمِ حقوق العباد التي أمر الله عز وجل برعايتها، حيث جعله الله في المرتبة التي تلي حقَّه سبحانه في التوحيد، قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} (الإسراء:23)، وقد أمر الله سبحانه بالإحسان إلى الوالدين، وقرن هذا الأمر بالأمر بعبادته والنهي عن الإشراك به، ليدلل على عظمته ومكانته، قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} (النساء:36)، قال ابن كثير: "أمر تبارك وتعالى بعبادته وحده لا شريك له؛ فإنه هو الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الآنات والحالات، فهو المستحق منهم أن يوحدوه، ولا يشركوا به شيئاً من مخلوقاته...ثم أوصى بالإحسان إلى الوالدين"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رغم أنفه (لصق بالتراب كناية عن الذل والمهانة)، ثم رغم أنفُه، ثم رغم أنفُه، قيل: مَن يا رسول الله؟! قال: من أدرك والديه عند الكبر، أحدَهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة) رواه مسلم. قال القاضي عياض: "فيه فضل البر وعظيم أجره، وأن برهما يدخله الجنة، فمن فاته ذلك وقصَّر فيه فقد فاته خير كثير...لا سيما إذا أدركهما عند الكبر، وضعفا عن الكسب والتصرف، واحتاجا إلى خدمتهما والقيام عليهما".
والأحاديث والمواقف الواردة في السيرة النبوية، التي أكد النبي صلى الله عليه وسلم من خلالها على عظم وأهمية وفضل بر الوالدين كثيرة، ومنها:
الوالدان أحق الناس بالبر وحسن الصحبة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صَحابتي؟ قال: أمُّك، قال: ثم من؟ قال: أمك؟ قال: ثم من؟ قال: أمُّك، قال: ثم من؟ قال: أبوك) رواه مسلم. قال النووي: "الصحابة هنا بفتح الصاد بمعنى الصُحبة، وفيه الحث على بر الأقارب، وأن الأم أحقهم بذلك، ثم بعدها الأب، ثم الأقرب فالأقرب، قال العلماء: وسبب تقديم الأم كثرة تعبها عليه، وشفقتها وخدمتها، ومعاناة المشاق في حمله، ثم وضعه، ثم إرضاعه، ثم تربيته وخدمته وتمريضه وغير ذلك".
بر الوالدين سبب تفريج الكربات:
جاء في حديث الثلاثة الذين آواهم المبيتُ إلى غارٍ فدخلوه، فانحدرت صخرةٌ من الجبل، فسدتْ عليهمُ الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكمْ من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، قال رجلٌ منهم: (اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنتُ لا أغبقُ (لا أقدم) قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي طلبُ الشجر يوماً، فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبتُ لهما غبوقهما، فوجدْتُهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو ولدًا، فلبثتُ والقدحُ على يدي أنتظر استيقاظهما حتى بَرِقَ الفجرُ والصبيةُ يتضاغون (يصيحون من الجوع) عند قدمي، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً ..) رواه البخاري، قال الشيخ ابن عثيمين: "ففي هذا الحديث من الفوائد والعبر: فضيلة بر الوالدين، وأنه من الأعمال الصالحة التي تُفَرَّج بها الكربات، وتُزَال بها الظلمات".
بر الوالدين والجهاد في سبيل الله:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (سألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أيُّ العملِ أحبُّ إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قُلْتُ: ثم أيّ؟، قال: بر الوالدين، قلت: ثم أيّ، قال: الجهاد في سبيل الله) رواه البخاري. قال ابن حجر: "ومحصل ما أجاب به العلماء عن هذا الحديث وغيره مما اختلفت فيه الأجوبة بأنه أفضل الأعمال: أن الجواب اختلف لاختلاف أحوال السائلين، بأن أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه، أو بما لهم فيه رغبة، أو بما هو لائق بهم، أو كان الاختلاف باختلاف الأوقات بأن يكون العمل في ذلك الوقت أفضل منه في غيره".
ومن البر بالوالدين إذا لم يتعين الجهاد على الابن- ألا يجاهد إلا بإذنهما، ولا يخرج إلى ما فيه خوف ومخاطرة بالنفس إلاّ بإذنهما، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: (أقبل رجلٌ إلى نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم فقال: أُبايِعْك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله، قال صلى الله عليه وسلم: (فهل من والدَيك أحدٌ حيٌّ؟) قال: نعم، بل كلاهما، قال: (فتبتغي الأجر من الله؟!) قال: نعم، قال: (فارجِعْ إلى والدَيك فأحسِنْ صُحبتهما) رواه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أنَّ رجلاً هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن، فقال: (هل لَك أحدٌ باليمن؟) قال: أبواي، قال: (أذِنا لك؟) قال: لا، قال: (ارجع إليهما فاستأْذِنْهما، فإن أذنا لك فجاهِدْ، وإلَّا فبِرَّهُما) رواه أبو داود وصححه الألباني. قال النووي: "هذا كله دليل لعظم فضيلة برهما، وأنه آكد من الجهاد وفيه حجة لما قاله العلماء أنه لا يجوز الجهاد إلا بإذنهما"، وقال ابن حجر في "فتح الباري": "قال جمهور العلماء: يَحْرُمُ الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين؛ لأن برهما فرض عين عليه، والجهاد فرض كفاية، فإذا تعيّن الجهاد (كان فرض عيْن) فلا إذْن".
بر الوالدين يقرب من الجنة:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (يا نبيَّ الله! أيُّ الأعمالِ أقرب إلى الجنَّة؟ قال: الصَّلاةُ على مواقيتها، قلتُ: وماذا يا نبيَّ الله؟ قال: برُّ الوالدين، قلتُ: وماذا يا نبيَّ الله؟ قال: الجهاد في سبيل اللَّه) رواه مسلم. قال القاضي عياض: "معنى (الصلاة لوقتها) هو ما جاء فى الدار قطني من طريق صحيح: (الصلاة لأول وقتها)، فاللام هنا للتوقيت، كقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (الإسراء:78)، وبر الوالدين: هو الإحسان وفعل الجميل معهما، وفعل ما يسرهما فى حياتهما، والترحم عليهما، وإيصال ما أمكن من الخير إليهما بعد موتهما، وكذلك الإحسان إلى صديقهما، لما جاء فى الصحيح: (إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه) رواه مسلم".
الوالد أوسط أبواب الجنة:
من أكرمه الله بحياة والده فقد فتح له باباً عظيماً إلى الجنة، وذلك ببره والإحسان إليه، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الوالدُ أوسطُ أبواب الجنة، فإن شئتَ فحافظ ْعلى الباب أو ضيِّعْ) رواه الترمذي وصححه الألباني. قال المناوي في "فيض القدير": "أي طاعته وعدم عقوقه مؤدٍّ إلى دخول الجنة من أوسط أبوابها ذكره العراقي...وقال البيضاوي: أي خير الأبواب وأعلاها، والمعنى أن أحسن ما يتوسل به إلى دخول الجنة، ويُتوصل به إلى الوصول إليها مطاوعة الوالد ورعاية جانبه".
الجنة عند رِجْل الأم:
حديث (الجنة تحت أقدام الأمهات) بهذا اللفظ غير صحيح، وقد ضعفه الألباني وغيره من أهل العلم، ويُغني عنه حديث معاوية بن جاهمة أن جاهمة رضي الله عنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! أردتُ أن أغزوَ، وقد جئتُ أستشيرك، فقال: (هل لك من أمٍّ؟) قال: نعم، قال: (فالزمها، فإن الجنة عند رِجلِها) رواه النسائي وصححه الألباني. قال العجلوني: "والمعنى: أن التواضع للأمهات وإطاعتهن في خدمتهن، وعدم مخالفتهن إلا فيما حظره الشرع، سببٌ لدخول الجنة"، وقال الهروي: "أي: التزم خدمتها ومراعاة أمرها، (فإن الجنة) أي: وإن ورد: أنها تحت ظلال السيوف على ما رواه الحاكم عن أبي موسى فهي حاصلة (عند رجلها) لكونها سبباً لحصولها...ولعله صلى الله عليه وسلم عرف من حاله وحال أمه، حيث ألزمه خدمتها، ولزومها أن ذلك أولى به".
بر الوالدين من أسباب مغفرة الذنوب وتكفير السيئات:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: (إني أصبْتُ ذنباً عظيماً، فهل لي من توبة؟ قال: (هل لك من أم؟) قال: لا، قال: (هل لك من خالة؟) قال: نعم، قال: (فبِرَّها) رواه الترمذي وصححه الألباني، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الخالة بمنزلة الأم في الحديث الذي رواه البخاري: (الخالة بمنزلة الأمِّ). قال القاضي عياض: "فيه فضل البر وعظيم أجره، وأن برهما يدخله الجنة، فمن فاته ذلك وقصر فيه فقد فاته خير كثير. وظاهره أن برهما مكفر لكبير (لكثير) من السيئات وراجح بها". وقال الهروي: "والمعنى: أن صلة الرحم من جملة الحسنات التي تُذْهِب السيئات، أو تقوم مقامها من الطاعات، وهو أحد معاني قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} (الفرقان:70)".
بر الوالدين ولو كانا كافرين:
بر الوالدين فرض عين، ولا يُختص بكونهما مسلمين، بل حتى لو كانا فاسقين، أو كافرين يجب برهما والإحسان إليهما، ما لم يأمرا بشرك أو معصية، قال الله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (لقمان:15)، قال ابن كثير: "أي: إن حرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما، فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً، أي: محسِناً إليهما"، وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: (قدِمَتْ عليَّ أمي وهي مشركة، فاستفتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: قدمت علي أمي، وهي راغبة، أفأصِل أمي؟) قال: (نعم، صِلِي أمك) رواه مسلم. أسماء وعائشة رضي الله عنهما كانتا أختين من جهة الأب فقط، وقد طلق أبو بكر رضي الله عنه أم أسماء قبل الإسلام، كما قال القسطلاني. قول أسماء رضي الله عنها: (وهي راغبة، أفأصل أمي؟) قال: (نعم صِلي أمك) قال القاضي عياض: قيل: معناه راغبة عن الإسلام وكارهة له، وقيل: معناه طامعة فيما أعطيتها حريصة عليه...وفيه جواز صلة القريب المشرك". وقال ابن عثيمين: "في هذا دليل على أن الإنسان يصل أقاربه، ولو كانوا على غير الإسلام؛ لأن لهم حق القرابة".
بر الوالدين بعد موتهما:
لا يقتصر البر بالوالدين حال حياتهما، ولا ينتهي بموتهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له) رواه مسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ترفع للميت بعد موته درجته، فيقول: أي رب! أي شيء هذه؟ فيقال: لولدك استغفرَ لك) رواه أحمد، وحسنه الألباني في "صحيح الأدب المفرد". وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أَبَرِّ البِرِّ أن يصل الرجل أهل وُدِّ أبيه بعد أن يولي) رواه مسلم.
رضا الله في رضا الوالدين:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رضى الرَبِّ في رضى الوالد, وسخط الرب في سخط الوالد) رواه الترمذي وحسنه الألباني، وكذلك حُكم الأم، بل هو أولى, وقد روى الطبراني وحسنه الألباني بلفظ: (رِضَا الرَّبِّ في رِضَا الوالدين، وسخطُه في سَخَطِهِما).

في مشكاة النُّبوةِ المحمدية بِرّ الوالدين مفتاح السعادة في الدارين، وهو من أهم القربات وأعظم الطاعات، ولا يقتصر عل حياة الوالدين، بل يكون بعد وفاتهما، وهو حق للوالدين، وإن كانا كافرين، أو فاسقين، ويكون بالإحسان إليهما بالقول والفعل وحسن العشرة، وطاعتهما بالمستطاع فيما لا معصية فيه، ويأتي بر الوالدين في المنزلة بعد الصلاة، التي هي عمود الإسلام، ومُتقدِّماً على الجهاد ذروةِ سِنامِه (أعلاه).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.