عند منتصف الليل ترتدي عبائتها السوداء، مع طرحة ملونة، تمسك بطبلتها المزركشة، التي تلتف بحبل حول عنقها، وتلك العصا الصغيرة في يمينها، تجوب شوارع المعادي، بصوت جهوري توقظ الناس للسحور في رمضان. لم تتردد دلال عبدالقادر، حين قررت العمل مسحراتية بالمعادي، وفاء لذكرى أخيها "محمد" حين عمل كمسحراتي أيضا بنفس المنطقة. يلتف الأطفال حولها عند رؤيتها، يجذبهم صوت الطبلة، يطلبون منها أن تناديهم بأسمائهم واحدا تلو الآخر، فتجيبهم بنفس راضية دون أن تترك أحدا منهم إلا وقد ذكرت أسمائهم جميعا. بينما تسير دلال صادحة بصوتها وبسمتها وإشارات يدها المعهودة كالهائمين، أصابتها كلمة ثقيلة من رجل أراد أن يسخر منها، ذرفت على إثرها دموعا، لكنها استكملت طريقها مع الأطفال التي أذهبت ضحكاتهم آثار ما أحدثته الكلمة في نفسها. يصطحب دلال ابنها "محمود" أحيانا خلال جولتها بالمعادي بين أرض البصري وعزبة نافع وأماكن أخرى. تحكي دلال أنها تقتسم ما تكسبه من العمل مع أبناء شقيقها الأيتام أو تتصدق به عن روحه. تنتهي جولة "مسحراتية المعادي" بعد أن تتأكد من تغطية كل الأماكن واستكمال مهمتها المعتادة، بعد شحنة البهجة التي رستمتها في عيون الأطفال، مع تلك الأحاديث الجانبية مع السيدات، حتى تعود إلى منزلها وحياتها الأخرى برفقة ابنها وزوجها الذي لم يمنعها من مزاولة هذا العمل.