الثلاثاء أم الأربعاء؟.. موعد أول يوم عمل بعد إجازة عيد الأضحى 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    سفارة الهند تستعد لإحياء اليوم العالمي لليوجا في 7 محافظات    «الدبيكي»: نسعى لصياغة معايير عمل دولية جديدة لحماية العمال| خاص    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 7 يونيو 2025    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الأخير.. أسعار الذهب اليوم السبت 7 يونيو بالصاغة محليا وعالميا    بينها «القسوة على الحيوانات».. منفذ حادث كولورادو يواجه 118 تهمة في أمريكا    هدد بوجود قنبلة ليلحق بالطائرة.. اعتقال شاب أمريكي بسبب مكالمة مضللة    «المشكلة في ريبيرو».. وليد صلاح الدين يكشف تخوفه قبل مواجهة إنتر ميامي    زيزو يكشف تفاصيل رفض الزمالك عرض الشباب ونيوم    حسام المندوه: تعاقدنا مع الرمادي لهذا السبب.. وسنعيد هيكلة الإدارة الرياضية في الزمالك    محمد الشناوي: الزمالك هو المنافس الحقيقي ل الأهلي وليس بيراميدز    مبالغ خيالية.. إبراهيم المنيسي يكشف مكاسب الأهلي من إعلان زيزو.. وتفاصيل التعاقد مع تركي آل الشيخ    نتيجة وملخص أهداف مباراة المغرب ضد تونس الودية    ملخص أهداف مباراة كرواتيا وجبل طارق في تصفيات أوروبا المؤهلة لكأس العالم    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 36.. حالة الطقس اليوم    ضبط المتهم باقتحام منزل طليقته فى أكتوبر    محاضرة عن المتاحف المصرية في أكاديمية مصر بروما: من بولاق إلى المتحف الكبير    يسرا توجه رسالة إلى تركي آل الشيخ بسبب فيلم «7 Dogs»: نقلة نوعية للسينما    منال سلامة ل"الفجر الفني": لهذا السبب قد أرفض بطولة.. ولا أفكر في الإخراج    دار الإفتاء تكشف آخر موعد لذبح الأضحية    وفاة سائق سيارة إسعاف أثناء عمله بمستشفى بني سويف التخصصي    حمدي فتحي: التواجد مع الأهلي شرف لي.. وأثق في قدرتنا على تقديم بطولة مميزة    تجارة الخدمات بالصين تسجل نموًا سريعًا في أول أربعة أشهر من عام 2025    سوزوكي توقف إنتاج سيارتها «سويفت» بسبب قيود التصدير الصينية على المعادن النادرة    أجواء فرحة العيد في حديقة الحرية أول أيام عيد الأضحى| فيديو    المطران فراس دردر يعلن عن انطلاق راديو «مارن» في البصرة والخليج    "الخارجية الفلسطينية" تُرحب برفع عضوية فلسطين إلى "دولة مراقب" في منظمة العمل الدولية    فولودين: الحكومة الألمانية تثير الصدامات بين روسيا وألمانيا    البابا تواضروس يهاتف بابا الفاتيكان لتهنئته بالمسؤولية الجديدة    تفاعل مع فيديو هروب عجل قفزًا في البحر: «رايح يقدم لجوء لأوروبا»    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    أخبار × 24 ساعة.. المجازر الحكومية تستقبل أكثر من 9800 أضحية أول أيام العيد    صلى العيد ثم فارق الحياة.. تشييع جنازة صيدلي تعرض لأزمة قلبية مفاجئة في الشرقية    «الطقس× العيد».. استمرار الارتفاع في درجات الحرارة مع «اضطراب الملاحة والشبورة والرياح» بالمحافظات    بسبب ماس كهربائي.. السيطرة على حريق نشب في كشك بكرداسة    الكنيسة الإنجيلية اللوثرية تُعرب عن قلقها إزاء تصاعد العنف في الأراضي المقدسة    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. 42 شهيدا بغزة منذ فجر أول يوم العيد.. انتخابات مبكرة بهولندا في 29 أكتوبر المقبل.. إسقاط مسيرة استهدفت موسكو.. وبوتين يهنئ المسلمين بعيد الأضحى    فيفا يدخل ابتكارات تقنية غير مسبوقة فى كأس العالم للأندية 2025    سالى شاهين: كان نفسى أكون مخرجة سينما مش مذيعة.. وجاسمين طه رفضت التمثيل    بصورة مع والدته.. حسن شاكوش يحتفل بعيد الأضحى    اليوم.. فرقة رضا فى ضيافة "هذا الصباح" على شاشة إكسترا نيوز    فرصة مميزة على الصعيد المالي.. توقعات برج الحمل اليوم 7 يونيو    ولي العهد السعودي: نجاح خدمة ضيوف الرحمن نتيجة جهود الدولة في رعاية الحرمين والمشاعر المقدسة    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    لأصحاب الأمراض المزمنة.. استشاري يوضح أفضل طريقة لتناول البروتين في العيد    أستاذ رقابة على اللحوم يحذر من أجزاء في الذبيحة ممنوع تناولها    احذر من الإسراع في تخزين اللحوم النيئة داخل الثلاجة: أسلوب يهدد صحتك ب 5 أمراض    بعد غياب 5 سنوات، مفاجأة في لجنة تحكيم "ذا فيوس كيدز" الموسم الجديد    ترامب: ماسك فقد عقله ولا أنوي الحديث معه الآن    حدث في منتصف ليلًا| أسعار تذاكر الأتوبيس الترددي على الدائري.. وموجة حارة بكافة الأنحاء    تفشي الحصبة ينحسر في أميركا.. وميشيغان وبنسلفانيا خاليتان رسميًا من المرض    رئيس الشئون الطبية ب التأمين الصحى يتفقد مستشفيى صيدناوي والمقطم خلال إجازة العيد    رواتب مجزية| 25 صورة ترصد آلاف فرص العمل الجديدة.. قدم الآن    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة 6 يونيو 2025    مع قرب انتهاء أول أيام عيد الأضحى.. الغرف التجارية: لا داع للقلق السلع متوفرة.. شعبة الخضروات: انخفاض ملحوظ في الأسعار.. المخابز: لا توجد إجازة لتلبية احتياجات المواطنين    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعرف على أسباب عذاب القبر
نشر في الفجر يوم 19 - 05 - 2017

مفارقةٌ عجيبة، ومباينةٌ غريبة، ترى الخطّ الفاصل فيها حاجزاً من تراب، وطبقةً رقيقةً من أديم الأرض، فبينما المرء يتأمّل شواهد القبور فلا يصكّ مسامعه غير صوت الرياح وهي تسفّ الرمال، إذا ببطون القبور تموج بالدواهي والمهلكات، والعذاب والحسرات.
تلك هي الحقيقة التي لا ممارة فيها، ولا مجال لتكذيبها، أن يكون للكافرين والعصاة من المسلمين نصيبٌ من أهوال الحياة البرزخيّة وآلامها، جزاءً من ربّك على الذنوب والمعاصي التي ارتكبوها، فنعوذ بالله أن نكون منهم.
ولعذاب القبر أسباب بيّنها الله ورسوله لتحذير العباد من الوقوع فيها، نُجملها فيما يلي:
أولاً.. الكفر بالخالق:
والكفر كما هو معلومٌ رأس كل خطيئة وأعظم ما عصي الله تعالى به، ولئن كانت كلّ الذنوب داخلةٌ تحت المشيئة بين العفو والمجازاة، فإن الكفر لا يغفره الله أبداً مهما قدّم صاحبه من الأعمال الحسنة، وفي القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء:48]، ومقتضى ذلك أن يكون للكافر نصيبٌ من العذاب، ومبدأ ذلك حاصلٌ في القبر، وقد دلّت الآيات على هذا المعنى بخصوصه، قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد}.. [الأنفال:50-51]، وهذا العذاب المذكور في الآية من ضرب الوجوه والأدبار دون العذاب الأكبر يوم القيامة وقبله، يؤيّده ما جاء في الآية الأخرى: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ}..[محمد:27]، يقول الإمام ابن كثير: "كيف حالهم إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم وتعصت الأرواح في أجسادهم، واستخرجتها الملائكة بالعنف والقهر والضرب.
وفي الحديث الشهير المروي عن البراء بن عازب رضي الله عنه، والذي يبين فيه حال العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، وفيه: (فينادي مناد من السماء أن كذب، فافرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه) رواه أحمد، فأثبت الحديث تسبّب الكفر بعذاب القبر.
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبرُ ستة أو خمسة أو أربعة فقال: (من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟) فقال رجل: أنا، قال: (فمتى مات هؤلاء؟) قال: ماتوا في الإشراك، فقال: (إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه). ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: (تعوذوا بالله من عذاب القبر) قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. رواه مسلم.
والحديث يرينا أن الدابّة التي ركب عليها النبي –صلى الله عليه وسلم- أحسّت بالعذاب الذي يتعذّب به المشركون حتى كادت أن تُلقي النبي عليه الصلاة والسلام من على ظهرها لشدّة نفورها وانزعاجها.
ثانيًا.. النفاق:
والعمدة في إثبات ذلك قوله تعالى: { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ}.. [التوبة:101]، وأغلب ما ورد من أقوال المفسّرين أن إحدى المرّتين هو عذابهم في البرزخ قبل الآخرة، كما ورد عن قتادة وابن جريح وأبي مالك وغيرهم.
ثالثًا.. عدم التنزه من البول والنميمة:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على قبرين، فقال: (أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله)، فدعا بعسيبٍ رطب فشقه باثنين، ثم غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ثم قال: (لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا) متفق عليه واللفظ لمسلم، والمعنى أن أحدهما كان لا يستر جسده ولا ثيابه من مماسة البول فيصيبه شيءٌ منه، ثم هو يٌصلّي بثيابٍ نجسه، فكان تركه لتمام الطهارة الحسيّة سبباً لبطلان صلاته، ولذلك استحقّ العذاب في القبر.
وأما الآخر فقد عُذّب بسبب النميمة، ولا عجب فالنميمة بما فيها من نقلٍ للكلام بين الناس على جهة الإفساد سببٌ لانعدام الثقة في المجتمع، وكم قُطِّعت من أرحام، وأثيرت من ضغائن، وهدّمت من بيوت، واشتعلت من فتن، بسبب هذه البليّة.
رابعًا.. الغلول:
وهو ما أخفي من الغنيمة عن القسمة، جاء فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: افتتحنا خيبر، ولم نغنم ذهباً ولا فضة، إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط، ثم انصرفنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى وادي القرى، ومعه عبدٌ له يقال له مدعم، فبينما هو يحط رحل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه سهم عائر، حتى أصاب ذلك العبد، فقال الناس: هنيئاً له الشهادة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بل، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارا) فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي -صلى الله عليه وسلم- بشراك أو بشراكين، فقال: هذا شيء كنت أصبته، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (شراك أو شراكان من نار) رواه البخاري، والشملة هي الكساء الذي يلتحف به الرجل، والشراك هو السيور الذي يشدّ به النعال، والمقصود أن الحديث بيّن أن الغلول سببٌ من الأسباب المستوجبة للعذاب في القبر، ولذلك أوردها الإمام البيهقي في كتابه المتعلّق بإثبات عذاب القبر، وبوّب على الحديث بقوله : " باب ما يخاف من عذاب القبر في الغلول".
خامسًا.. عدم نصرة المظلوم:
عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " أُمِرَ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَنْ يُضْرَبَ فِي قَبْرِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ ، فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ وَيَدْعُو حَتَّى صَارَتْ جَلْدَةً وَاحِدَةً ، فَجُلِدَ جَلْدَةً وَاحِدَةً ، فَامْتَلأَ قَبْرُهُ عَلَيْهِ نَارًا ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ عَنْهُ ، قَالَ : عَلامَ جَلَدْتُمُونِي ؟ قَالُوا : إِنَّكَ صَلَّيْتَ صَلاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ , وَمَرَرْتَ عَلَى مَظْلُومٍ ، فَلَمْ تَنْصُرْهُ " رواه الطحاوي في مشكل الآثار، وصدق الإمام القسطلاني إذ قال: " إن كان هذا حال من لم ينصره، فكيف من ظلمه؟".
سادسًا.. الكبر والخيلاء:
خصوصاً إذا كان في المشية واللباس الطويل ونحوهما: ودليله ما رواه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خُسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ) راوه البخاري، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (بينا رجل يتبختر في حُلّة، معجب بجمّته –أي بشعره-، قد أسبل إزاره، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) رواه مسلم، والمعنى أنه يُخسف به في القبر ويغوص في باطن الأرض بحركةٍ تُحدث جلبةً وأصواتاً لا يسمعها البشر، ويظلّ على هذه الحال من العذاب والخسف إلى يوم القيامة.
سابعًا.. الكذب:
ففي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (..فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى) قلت: (سبحان الله! ما هذان؟) فكان الجواب كما في آخر الحديث: (إنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق) رواه البخاري ومعنى يشرشر : أي يقطع، والشدق: هو جانب الفمّ.
والحديث يبيّن خطورة الكذب، ولما كانت أعضاء الكاذب من عينه وأنفه تساعده على ترويج باطله وقعت المشاركة بينهم في العقوبة كما ذكر الإمام ابن هبيرة .
ثامنًا.. هجر القرآن بعد تعلُّمه والنوم عن الصلاة المكتوبة:
ففي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال في رؤياه: "أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟" فكان الجواب كما في آخر الحديث: (أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة) رواه البخاري، ومعنى يثلغ رأسه: أي يشقّه، ويتدهده: يتدحرج.
وقد تعلّق العذاب السابق بأمرين، كان الأوّل منهما: الأخذ بالقرآن ثم رفضه، والمقصود بذلك كما ذكر بعض العلماء أن يرفض تلاوته حتى ينساه، أو أن يرفض العمل به، قال الإمام ابن هبيرة: "رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة ؛ لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه ، فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس ".
وأما النوم عن الصلاة المكتوبة فهو ما يكون على وجه العمد والإعراض عن القيام بها في وقتها، لاسيما صلاة الصبح ، لأن الله تعالى أكّد المحافظة عليها، وفيها تجتمع الملائكة، وأما من نام من غير تفريط وإصرارعلى الترك، فهو خارج من هذا الوعيد والله أعلم.
تاسعًا.. أكل الربا:
فقد جاء في حديث سمرة رضي الله السابق: (فانطلقنا، فأتينا على نهر أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيفغر له فاه فيلقمه حجراً فينطلق يسبح، ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجراً، فقلت لهما: ما هذان؟) فكان الجواب كما في آخر الحديث: (وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر، فإنه آكل الربا) رواه البخاري.
ووجه المناسبة بين الذنب والعقوبة، ما ذكره الإمام ابن هبيرة بأن آكل الربا عوقب بسباحته في النهر الأحمر وإلقامه الحجارة؛ لأن أصل الربا يجري في الذهب؛ والذهب أحمر؛ وأما إلقام الملك له الحجر؛ فإنه إشارة إلى أنه لا يغني عنه شيئا؛ وكذلك الربا فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد؛ والله من ورائه يمحق الربا.
العاشر.. الزنا:
فمن المشاهد المذكورة في حديث سمرة رضي الله عنه : (..فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور، فإذا فيه لغطٌ وأصوات، فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، فقلت لهما: ما هؤلاء؟ ) فكان الجواب كما في آخر الحديث: (وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور، فإنهم الزناة والزواني) رواه البخاري، ومعنى (ضوضوا): أي صاحوا، واللغط: هي الأصوات المختلطة التي لا تُفهم.
ويلوح للمتأمّل وجه الملاءمة بين العقوبة والذنب، فقد عوقبوا بالتنوّر لتتقابل نار الجحيم بهيجان الشهوة ونيرانها، والتي جرّأتهم على مقارفة الذنب، وحُشروا في التنّور عراة لاستحقاقهم أن يفضحوا لأن عادتهم أن يستتروا في الخلوة فعوقبوا بالهتك ، والحكمة في إتيان العذاب من تحتهم كون جنايتهم من أعضائهم السفلى.
الحادي عشر.. أمر الناس بالبر وعدم الامتثال له:
وفيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( رأيت ليلة أسري بي رجالاً تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : الخطباء من أمتك يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم ، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون ؟! ) رواه أحمد، وتُقرض بمعنى تُقطّع. وعند البيهقي في شعب الإيمان: (خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون ، ويقرءون كتاب الله ولا يعملون به).
والذمّ المتوجّه في النصين السابقين لا يتعلّق بالأمر بالبرّ كما يتوهّم البعض، وإنما محطّ الإنكار مذكورةٌ في قوله عليه الصلاة والسلام: (وينسون أنفسهم)، فكان التوبيخ على المباينة الحاصلة بين الأقوال والأفعال، والاستنكار على علومهم المقرونة بترك أعمالهم، كما قال عزّ وجل: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} (البقرة:44)، وفي آيةٍ أخرى:{كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} (الصف: 3).
الثاني عشر.. الإفطار في رمضان من غير عذر:
وفيه حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : ( بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان ، فأخذا بضبعيَّ ، وأتيا بي جبلاً فقالا لي : اصعد . فقلت : إني لا أطيقه . فقالا : إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل، إذا أنا بأصوات شديدة، فقلت : ما هذه الأصوات ؟ قال : هذا عواء أهل النار، ثم انْطُلق بي، فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً، قلت: من هؤلاء؟ قال: هم الذين يفطرون قبل تحلة صومهم) رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه، والضبعين: العضدين، والشدق: جانب الفم.
وبالجملة فإن عذاب القبر مقدّمةٌ للعذاب الأخروي، وما يُقدّره الله تعالى من العقوبة إنما هو أثر من آثار غضب الله وسخطه على عبده: " فمن أغضب الله وأسخطه في هذه الدار، ثم لم يتب ومات على ذلك، كان له من عذاب البرزخ، بقدر غضب الله وسخطه عليه، فمستقل ومستكثر، ومصدق ومكذّب" .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.