■ عمدة القرية: الخسائر ستتخطى ال56 مليون جنيه.. ومحصول القمح "قنبلة موقوتة" ■ معالج روحانى: التنقيب عن الآثار ب"الأعمال السفلية" فتح الباب للشياطين.. وأبلغت أجهزة الأمن أنهى آذان العصر عمل يوم شاق فى أحد حقول عزبة بسطويسى التابعة لمركز سيدى سالم بمحافظة كفر الشيخ، التفت العائلة الصغيرة حول «الطبلية» لتناول وجبة الغداء، زينت الابتسامات الوجوه التى لفحتها شمس الظهيرة الحامية، وجمع الوالد شتات الحديث الذى بدأه ابنه الأكبر، بينما تناولت الأم «براد» الشاى. وقبل المساء دخلت العائلة إلى البيت الذى يتوسط الحقل، لتسرق من الزمن لحظات أمام نشرة أخبار الساعة السابعة، انهمك الجميع فى التفاصيل، واحتضنت الأم صغيرتها، لكن يبدو أن مجهولا لم يعجبه ستر تلك الأسرة الصغيرة، اشتم الوالد رائحة النار، ظن للوهلة الأولى أنها اشتعلت بشيء فى الجوار، ولكن أين؟.. فالمنزل يتوسط الحقل. وبين التساؤلات والشك اجتاحت النيران الغرفة، دون سابق إنذار، انتفض الرجل ممسكًا ب«بطانية» ليدرأ الحريق درءًا عن زوجته وفلذات أكباده الذين أفقدتهم الصدمة نطقهم، شيئًا فشيئًا لملمت الزوجة أعصابها وأمسكت بزجاجتى ماء وأسكبتهم على الباب لتعبر منه إلى الحمام سعيًا وراء ما قد يخمد تلك الحراق غير المبررة. اجتمع الجيران أمام المنزل المحترق، ونجحوا فى إخماد نيرانه التى لم تأكل منه الكثير، سألوا صاحب المنزل عن السبب، فقال لا أعلم، وقص عليهم ما كان من أمر عائلته طوال اليوم، لم يقتنع أهالى العزبة بصدق روايته، فتركوه وسط الحطام وانصرفوا، قتلته همساتهم عنه وعن عائلته، صرخ بأعلى صوته «ورب الكعبة كنا بنتفرج على التليفزيون، وربنا ما نعرف النار دى جت منين». فى اليوم التالى التهمت النار بعض بيوت العزبة، بدون سبب واضح، وعم الحزن الأرجاء، وكسى الاندهاش الوجوه، وعلى الفور، قررت «الفجر» الذهاب إلى هناك؛ للوقوف على أسباب هذه الحرائق المتتالية، قابلنا الأهالى، سمعنا منهم ونقلنا عنهم. بمجرد وصولنا إلى العزبة وجدنا العائلات المتضررة من حرق منازلها مفترشة الطرقات، بعضهم فى العراء نائم على الأرض، وآخرون نصبوا خيامًا لتحميهم من الشمس، بعدما اتشحت منازلهم بالسواد الذى خلفته النيران، وعلى جانبى الطريق تصطف سيارات الإسعاف والمطافئ، بينما يمشط أفراد وحدة مباحث مركز سيدى سالم المنطقة، لا حديث هناك للناس سوى عن الجن والعفاريت. قال زعتر محمد زعتر، أحد ضحايا حرائق عزبة بسطويسى، وهو ينظر إلى منزله الذى تحول إلى كتلة رماد: «أنا راجل فلاح، ومبفهمش لا فى الجن ولا العفاريت، كل اللى شاغلنى دلوقتى هأكل عيالى الخمسة إزاى وهيناموا فين؟، البيت مبقاش فيه حاجة، النار مسكت فيه وحولته لفحم والحيطان والعة، هدومى ولعت ومبقاش حيلتى شىء، خلاص وصل بينا الحال إلى أننا بقينا بنشحت من جيراننا فى القرى المجاورة الأكل والشرب واللبس، الحمد الله.. ربنا عنده العوض». وعن اكتشافه نشوب النيران بمنزله قال: «أثناء وجودى فى الحقل للزراعة فوجئت بجار لى يخبرنى أن منزلى يحترق، فأسرعت إلى هناك لأجد أهل العزبة ملتفين حول المنزل يحاولون إطفاءه، النار كلت كل شىء، هدأت قليلاً وبدأت أبحث عن سبب نشوب كل هذه الحرائق داخل العزبة، فلم أصل لدليل واحد على أى شىء، توجهت إلى مسجد العزبة لأداء صلاة العشاء، فوجئت بنشوب النار مرة أخرى فى المنزل، وفى اليوم الثالث تكرر نفس الأمر دون سبب حتى الآن». اقتربنا من منزل آخر، وجدنا أمامنا شخصًا يدعى علاء محمد، بدأنا الحديث معه ليقص علينا ما تسبب فى تفحم منزله، قال بصوت متقطع: «الدواليب كلها ولعت وسراير النوم اتحولت لفحم، النار بتشتعل لوحدها، نتيجة وجود جن، وليس لدى تفسير آخر لكل ما حدث ويحدث»، دخلنا إلى المنزل وشاهدنا آثار الحريق، بينما جلس هو داخل الخيم التى أرسلتها محافظة كفر الشيخ لمساعدة المتضررين. وأكد صالح سيد البحيرى، أحد سكان العزبة، أن النيران نشبت أولا فى منزل حسان زعتر، وفوجئنا أثناء جلوسنا بالقرب من منزله بحريق هائل ينبعث من الداخل، وبعد قليل نادى شيخ مسجد العزبة بأعلى صوته فى مكبر الصوت: «النار والعة فى بيت زعتر ساعدونا يا إخونا»، احتشد السكان وأطفأوا النيران، وبعد ساعة بالضبط نشبت النيران فى منزل على عبدالستار، فأسرعنا وأطفأنا النيران التى التهمت العفش برمته، وبعد الانتهاء جلست معه، فحكى لى كيف اشتعلت النار فى الغرف. قال «عبدالستار»: «وأنا قاعد قدام البيت اقتربت منى وزة، ودارت حولى بسرعة كالدوامة ثم اصطدمت بباب البيت وفجأة مسكت النار فى البيت كله، والله العظيم زى ما بقولك هو ده اللى حصل، وصرخ إمام مسجد العزبة بوجود حريق ثالث داخل أحد منازل العزبة، فأسرعت إلى هناك فوجدت الشبابيك تحترق بشكل غير طبيعى، الحرائق تبدأ مع شروق الشمس وتستمر إلى آذان العشاء». بعد العديد من الحكايات التى سمعناها من أهل العزبة لم نصل إلى سبب واضح ومنطقى حول أسباب اندلاع الحرائق فى منازل عزبة بسطويسى، تخلل حديثنا مع الأهالى بعض المشادات الكلامية؛ نتيجة رفضهم القاطع لتصوير بيوتهم بحجة وجود تعليمات من أحد المعالجين الروحانيين، وفض الحاج شعبان غالة، عمدة قرية فدان الفقى تلك المشادات واصطحبنا إلى منزله، وهناك قدم لنا جميع المعلومات التى بحثنا عنها. قال لنا نصًا: «تأتى مجموعات كبيرة إلى قرية فدان الفقى؛ للتنقيب عن الآثار، وياما نصبوا على أهالى القرية الغلابة، ونحاول بقدر المستطاع السيطرة على هذه الوقائع ومطاردة كل من تسول له نفسه الاقتراب للبحث عن الآثار داخل القرية»، قاطعته متسائلا، إذن سبب ما يحدث داخل عزبة بسطويسى هو التنقيب عن الآثار؟، نظر إلى وقد خيم الصمت عليه، ورد علينا بكلمة واحدة مقتضبة «معرفش»، لكن علمت من سكان العزبة أن شابًا من القرية حاول تحضير الجن وبعد نجاحه فى ذلك فشل فى صرفه. وتابع العمدة: نحن متخوفون من هذه النيران التى تشتعل داخل بيوت سكان العزبة، لأنها إذا استمرت فنحن مقبلون على كارثة؛ فالعزبة بها أكثر من 20 منزلا، تكلفة بناء الواحد لا تقل عن 300 ألف جنيه، إذن هناك خسائر للبيوت فقط ستصل إلى 6 ملايين جنيه، فضلا عن أن العزبة تستحوذ على 100 فدان، ثمن الفدان الواحد 500 ألف جنيه، وإذا التهمت نيران الجن البيوت والأراضى ستصل الخسائر إلى 56 مليون جنيه، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يزيح عنا الكرب لنتفادى كارثة قد تدمر أكل عيش الفلاحين الغلابة، خاصة أننا ننتظر موسم حصاد القمح، وإذا انضرمت النار فى المحصول ستتحول العزبة إلى كتلة رماد. الشيخ ياسر عبدالعظيم، معالج روحانى من مدينة المنصورة، جاء إلى عزبة بسطويسى لحل هذه المشكلة وصرف الجن، قال إن سبب حدوث الحرائق داخل المنازل هو وجود مجموعة من أهل العزبة تنقب عن الآثار خلف مسجد القرية، واستخدموا أعمالاً سفلية عن طريق أشخاص نجسة، نشرت الجن داخل العزبة بشكل غير مسبوق، وتقدمت بشهادتى إلى الأجهزة الأمنية، وأخبرتهم أن الركيزة الأساسية حول اندلاع الحرائق بهذه العزبة هى البحث عن الآثار. وأضاف: جلست مع سكان القرية أكثر من 5 أيام، وجدت فيها كوارث لا أستطيع سردها بكل تفاصيلها، ولكن دعنى أقول أن هناك أشخاصا غرباء يدخلون إلى القرية وفى جيوبهم أوراق مكتوب عليها أعمالاً سُفلية، وفى إحدى المرات أثناء عملى بأحد المنازل، وجدت شخصًا يرتدى جلبابا أسود اللون، يقوم بتحضير الجن، أسرعت صارخاً على أهل البلد، وطالبتهم أن يمسكوا به، وعندما قاموا بتفتيشه وجدوا معه 7 أوراق مكتوب عليها أسماء سكان العزبة، ملصقة باسم أمهاتهم، وعلى الفور وصلت وحدة مباحث مركز سيدى سالم وألقت القبض عليه. وأوضح المعالج الروحانى أنه فى اليوم الثانى من مكوثه أخبر أهل العزبة بوجود عدد كبير من الجن على الحيوانات كالقطط والكلاب والحمير، وعندما أمشى مع الأهالى أطلب منهم الإمساك بالكلاب التى تمشى إلى جوارنا ، وبعد استجابتهم لطلبى أقوم على الفور برش الملح على جسد الحيوان، الذى يصرخ متألمًا، لينهار السكان ويندهشوا مما شاهدوه، أنا متأكد من أن الجن الذى اخترق عزبة بسطويسى تلبس حيوانات العزبة بأكملها، وجدت داخل بيوت العزبة الجن وهو على شكل سلحفاة صغيرة لونها أسود، وهذا الشكل لم أره فى حياتى، وأستطيع القول أنه جن نادر جداً، ينبئ بكارثة. وطالب «عبدالعظيم» من وزارة الأوقاف ومشيخة الأزهر سرعة توجيه قوافل دعوية إلى المناطق النائية والفقيرة، لأن الجن والسحر يخترق عقول الجاهلين والغلابة، وتساءل مستنكرًا، هل رأينا فى يوم من الأيام أن الجن اخترق شاباً أمريكيًا أو فتاة أوروبية؟، وأجاب مؤكدًا «لا.. والسبب أن ثقافتهم والعلم تحصنهم من أى شىء»، وعن التقرير الجنائى الخاص بالحرائق، قال لن يستطيع المعمل الجنائى أو الطب الشرعى الوصول لأى شيء. الشيخ سعد الفقى، وكيل وزارة الأوقاف بكفر الشيخ قال، هذه ظاهرة غريبة ولم أسمع عنها طوال فترة دراستى الدينية والعلمية بالأزهر الشريف، والعقل يقول إن لكل سبب مُسبب، ووزارة الأوقاف لا تمتلك ردا على هذه الأشياء، نحن ندعو الله أن يزيل هذا الكرب عن الناس ويرفع عنهم، وليس لدينا دلائل على مثل هذه الموضوعات، وأرسلت لجنة من الشيوخ إلى عزبة بسطويسى، ليحثوا الناس على الدعاء والتقرب من الله سبحانه وتعالى وأن ينتظموا فى الصلاة، فضلاً عن أننى بصدد إرسال قوافل دعوية إلى هناك لتعليم الناس مبادئ الدين الإسلامى، وألا ينساقوا وراء الأشياء الغريبة، وبالفعل أخبرتنى اللجنة التى توجهت إلى العزبة بنشوب الحرائق داخل المنازل بدون أسباب ولم يكذبوا روايات الناس. رئيس مجلس مدينة سيدى سالم تحدث ل«الفجر» أثناء تواجده بالقرية، وأكد أن مجلس المدينة قدم الخدمات لتخفيف أثر الأزمة عن المتضررين الذين نشبت الحرائق فى بيوتهم، فالحرائق كانت بسيطة ومتفرقة وأصيب بها ثمانى أسر، وجاء مأمور القسم ورئيس المباحث لعمل تحرياتهم للوقوف على أسباب الحرائق، واتصلنا بوزارة التضامن الاجتماعى، التى قامت بعمل بحث حالة للأسر المتضررة لتقديم التعويضات المناسبة لهم، والأهالى رفضوا المجىء إلى معسكر أبوغنيمة للإيواء به بعدما فحمت النيران منازلهم، واضطررنا إلى الطلب من وزارة التضامن بأن ترسل لهم خيم إيواء عاجل لنصبها بجوار منازلهم.