عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم في بداية تعاملات الإثنين 6 مايو 2024    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 6 مايو    تراجع سعر الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية الإثنين 6 مايو 2024    الأقصر تحددد شروط التصالح فى مخالفات البناء وبدء تلقي الطلبات الثلاثاء    انطلاق قطار مفاجآت شم النسيم من القاهرة حتى سيدي جابر    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تشن غارات عنيفة شمال بيت لاهيا    تزامنا مع بدء الإخلاء.. تحذير من جيش الاحتلال إلى الفلسطينيين في رفح    عاجل.. أوكرانيا تعلن تدمير 12 مسيرة روسية    محمد صلاح يُحمل جوزيه جوميز نتيجة خسارة الزمالك أمام سموحة    مصرع طالب ثانوي وإصابة آخرين في حادث تصادم بدائري الإسماعيلية    موعد وقفة عرفات 1445 ه وعيد الأضحى 2024 وعدد أيام الإجازة في مصر    وسيم السيسي يعلق علي موجة الانتقادات التي تعرض لها "زاهي حواس".. قصة انشقاق البحر لسيدنا موسى "غير صحيحة"    سعر التذكرة 20 جنيها.. إقبال كبير على الحديقة الدولية في شم النسيم    أخبار التكنولوجيا| أفضل موبايل سامسونج للفئة المتوسطة بسعر مناسب وإمكانيات هتبهرك تسريبات حول أحدث هواتف من Oppo وOnePlus Nord CE 4 Lite    بمناسبة ذكرى ميلادها ال 93، محطات في حياة ماجدة الصباحي    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    طبيب يكشف عن العادات الضارة أثناء الاحتفال بشم النسيم    موعد مباراة نابولي ضد أودينيزي اليوم الإثنين 6-5-2024 والقنوات الناقلة    خبير تحكيمي: حزين على مستوى محمود البنا    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    حمادة هلال يكشف كواليس أغنية «لقيناك حابس» في المداح: صاحبتها مش موجودة    أحوال جوية غير مستقرة في شمال سيناء وسقوط أمطار خفيفة    "لافروف": لا أحد بالغرب جاد في التفاوض لإنهاء الحرب الأوكرانية    «القاهرة الإخبارية»: 20 شهيدا وإصابات إثر قصف إسرائيلي ل11 منزلا برفح الفلسطينية    أول شهادةٍ تاريخية للنور المقدس تعود للقديس غريغوريوس المنير    إلهام الكردوسي تكشف ل«بين السطور» عن أول قصة حب في حياة الدكتور مجدي يعقوب    بسكويت اليانسون.. القرمشة والطعم الشهي    محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان    تزامنا مع شم النسيم.. افتتاح ميدان "سينما ريكس" بالمنشية عقب تطويره    من بلد واحدة.. أسماء مصابي حادث سيارة عمال اليومية بالصف    "كانت محملة عمال يومية".. انقلاب سيارة ربع نقل بالصف والحصيلة 13 مصاباً    تخفيضات على التذاكر وشهادات المعاش بالدولار.. "الهجرة" تعلن مفاجأة سارة للمصريين بالخارج    ما المحذوفات التي أقرتها التعليم لطلاب الثانوية في مادتي التاريخ والجغرافيا؟    خالد مرتجي: مريم متولي لن تعود للأهلي نهائياً    مدحت شلبي يكشف تطورات جديدة في أزمة افشة مع كولر في الأهلي    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    برنامج مكثف لقوافل الدعوة المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء في محافظات الجمهورية    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟.. أمين الفتوى يُجيب -(فيديو)    أقباط الأقصر يحتفلون بعيد القيامة المجيد على كورنيش النيل (فيديو)    بعد ارتفاعها.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 6 مايو 2024 في المصانع والأسواق    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    فرج عامر: سموحة استحق الفوز ضد الزمالك والبنا عيشني حالة توتر طوال المباراة    رئيس البنك الأهلي: متمسكون باستمرار طارق مصطفى.. وإيقاف المستحقات لنهاية الموسم    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    مصطفى عمار: «السرب» عمل فني ضخم يتناول عملية للقوات الجوية    حظك اليوم برج الحوت الاثنين 6-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    يمن الحماقي ل قصواء الخلالي: مشروع رأس الحكمة قبلة حياة للاقتصاد المصري    كشف ملابسات العثور على جثة مجهولة الهوية بمصرف فى القناطر الخيرية    الإفتاء: احترام خصوصيات الناس واجب شرعي وأخلاقي    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    بعد عملية نوعية للقسام .. نزيف نتنياهو في "نستاريم" هل يعيد حساباته باجتياح رفح؟    الأوقاف: تعليمات بعدم وضع اي صندوق تبرع بالمساجد دون علم الوزارة    تؤدي إلى الفشل الكلوي وارتفاع ضغط الدم.. الصحة تحذر من تناول الأسماك المملحة    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العزة في حياة الرسول
نشر في الفجر يوم 05 - 04 - 2017

العزة خلق محمود، وهي من أعظم أخلاق الإسلام، فالمسلم لا يهان ولا يستضعف ولا يستخف به، وأعظم ما يعتز به المسلم دينه وكتاب ربه عز وجل.
وقد حرم الإسلام على المسلم أن يهون، أو يستذل، أو يستضعف، ورمى في قلبه القلق والتبرم بكل وضع يخدش كرامته وجرح مكانته، فالعزة والإباء والكرامة من أبرز الخلال التي نادى الإسلام بها، وغرسها في أنحاء المجتمع، وتعهد نماءها بما شرع من عقائد وسنّ من تعاليم.
معنى العزة لغة
العزة لغة هي مصدر مأخوذ من مادة (ع ز ز)، فيقال: عَزَّ يَعِزّ بالكسر عِزًّا وعِزَّةً وعَزازَة، ورجل عَزيزٌ من قوم أَعِزَّة وأَعِزَّاء وعِزازٍ.
وعَزَّ الرجلُ يَعِزُّ عِزًّا وعِزَّةً: إِذا قوي بعد ذِلَّة، وصار عزيزًا وأَعَزَّه اللهُ.
والعِزُّ خلاف الذُّلِّ، وفي الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: «هل تَدْرِينَ لِمَ كان قومُك رفعوا باب الكعبة؟ قالت: لا. قال: تَعَزُّزًا أَن لا يدخلها إلا من أَرادوا»؛ أَي تَكَبُّرًا وتشدُّدًا على الناس.
والعِزُّ في الأَصل القوة والشدة والغلبة، والعِزُّ والعِزَّة: الرفعة والامتناع. والعِزَّة لله، وفي التنزيل العزيز: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]؛ أَي له العِزَّة والغلبة سبحانه.
اصطلاحًا
والعِزَّةُ اصطلاحًا هي حالةٌ مانعة للإنسان من أن يغلب، من قولهم: أرضٌ عَزَازٌ، أي: صُلْبةٌ. قال تعالى: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139]. وَالعَزيزُ: الذي يَقهر ولا يُقهر. قال تعالى: {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت: 26].
وهي الغلبة الآتية على كلية الظاهر والباطن.
العزة في القرآن
قال ابن الجوزي: ذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْعِزَّة فِي الْقُرْآن على ثَلاثَة أوجه:
أَحدهَا: العظمة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الشُّعَرَاء: {وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} [الشعراء: 44]، وَفِي ص: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82].
وَالثَّانِي: المنعة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء:{أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139].
وَالثَّالِث: الحمية. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البقرة: 206]. وَفِي ص: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} [ص: 2].
ويتضح مما سبق أن العزة في القرآن الكريم يُمدَح بها تارةً، ويُذَمُّ بها تارةً، على هذا النحو:
العزة الممدوحة:
وهي التي لله تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ، وهي الدائمة الباقية التي هي العِزَّةُ الحقيقيّة.
العزة المذمومة:
وهي التي للْكَافِرِينَ، وَهِي التعزز الَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَة ذل؛ لأنّه تشَبُّع بما لم يُعطَه، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البقرة: 206]، حَيْثُ استعيرت للحمية والأنفة المذمومة.
وهي كما قال رسول الله صلى الله عله وسلم: "كلّ عِزٍّ ليس بالله فهو ذُلٌّ"، وعلى هذا قوله: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} [مريم: 81]؛ أي ليتمنّعوا به من العذاب.
العزة من أخلاق الرسول
العزة من أعظم ما اتصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخلاق، وقد دلَّ على ذلك مواقفه وكلماته في الموقف المختلفة، ولكن قبل الحديث عن العزة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم نوضح إشكالاً قد يطرحه البعض وهو:
كيف تكون العزة لله جميعًا، ثم تكون لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؟
وقد تساءل الشيخ الشرباصي عن هذا الإشكال فقال: قد يعترض معترض فيقول: كيف نجمع بين قول الحقّ سبحانه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10]، وقوله عزَّ من قائل: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8].
والجواب: أنّه لا تنافي بين الآيتين؛ لأنَّ العزّ الذي هو للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين هو في الحقيقة ملك لله ومخلوق له، وعزّه سبحانه هو المصدر لكلِّ عزّ، ومن ثَمّ يكون عزّ الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين مستمدّ من عزّ الله عز وجل. وعلى هذا فالعزُّ كلُّه لله، والعزّة التي عند الإنسان لا تكون فضيلة محمودة إلاّ إذا استظلّت بظلّ الله، واحتمت بحماه.
أمّا عزّة الكفّار المشار إليها في الآية الكريمة: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} [ص: 2]. فهي تعزُّز، وهو في الحقيقة ذلٌّ؛ لأنّه تشبّع من الإنسان بما لم يعطه، وقد تستعار العزّة للأنفة والحميَّة المذمومة، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البقرة: 206]. وكلّ ذلك ليس من العزِّ الحقيقيِّ في شيء.
مواقف من عزة الرسول
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عزيزًا في حياته قبل الإسلام وبعده، فقد كانت عزة نفسه تأبى عليه أن يسجد لحجر لا يضر ولا ينفع، كما كانت تمنعه من يأتي ما اعتاده قومه من الفواحش كالكذب والغش والخيانة والزنا وشرب الخمر.
لم يسجد لصنم قط
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (حَدَّثَتْنِي أُمُّ أَيْمَنَ قَالَتْ: كَانَتْ بُوَانَةُ صَنَمًا تَحْضُرُهُ قُرَيْشٌ وَتُعَظِّمُهُ وَتَنْسُكُ لَهُ وَتُحَلِّقُ عِنْدَهُ وَتَعْكُفُ عَلَيْهِ يَوْمًا إلى اللَّيْلِ فِي كُلِّ سَنَةٍ).
فَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يَحْضُرُهُ مَعَ قَوْمِهِ، وَيُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الْعِيدَ مَعَهُمْ، فَيَأْبَى ذَلِكَ. قَالَتْ: حَتَّى رَأَيْتُ أَبَا طَالِبٍ غَضِبَ عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ عَمَّاتِهِ غَضِبْنَ يَوْمَئِذٍ أَشَدَّ الْغَضَبِ، وَجَعَلْنَ يَقُلْنَ: إِنَّا لَنَخَافُ عَلَيْكَ مِمَّا تَصْنَعُ مِنَ اجْتِنَابِ آلِهَتِنَا، وَيَقُلْنَ: مَا تُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ تَحْضُرَ لِقَوْمِكَ عِيدًا وَلا تكثر لهم جمعًا. فلم يزالوا بِهِ حَتَّى ذَهَبَ فَغَابَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ رَجَعَ مَرْعُوبًا فَزِعًا، فَقُلْنَا: مَا دَهَاكَ؟ قَالَ: «إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ بِي لَمَمٌ». فَقُلْنَا: مَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ليبتلك بِالشَّيْطَانِ وَكَانَ فِيكَ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ مَا كَانَ، فَمَا الَّذِي رَأَيْتَ؟ قَالَ: «إِنِّي كُلَّمَا دَنَوْتُ مِنْ صَنَمٍ مِنْهَا، تَمَثَّلَ لِي رَجُلٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ يَصِيحُ بِي: وَرَاءَكَ يَا مُحَمَّدُ لا تَمَسَّهُ». قَالَتْ: فَمَا عَادَ إلى عِيدٍ لَهُمْ، حَتَّى تَنَبَّأَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلامُهُ).
وهكذا كانت حياته صلى الله عليه وسلّم حياة زكية طاهرة، من الآثام التي تدنس الشباب في مجتمعاتهم، بعيدة عن الشرك، لم يسجد لصنم قط، بعيدًا عن معايب الجاهلية، ومفاسدها.
اعتزاز الرسول بالإسلام
وبعد الإسلام كانت كل مواقفه صلى الله عليه وسلم تنطق بالعزة المنزهة عن الكبر والفخر والخيلاء، فقد أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ الله -عز وجل- بعثه من خير قرون بني آدم؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع".
عزة الرسول في حمل الرسالة
فقد جاء وفد من كفار قريش لعمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي طالب يستنكرون على رسول الله، وقالوا له: "وَإِنّا وَاَللهِ لا نَصْبِرُ عَلَى هَذَا مِنْ شَتْمِ آبَائِنَا، وَتَسْفِيهِ أَحْلامِنَا، وَعَيْبِ آلِهَتِنَا، حَتّى تَكُفّهُ عَنّا، أَوْ نُنَازِلَهُ وَإِيّاكَ فِي ذَلِكَ".
فبعَثَ أبو طالب إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: يا ابن أخي، إنّ قومك قد جاءوني، فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، لِلّذِي كَانُوا قَالُوا لَهُ، فَأَبْقِ عَلَيّ، وَعَلَى نَفْسِك، وَلا تُحَمّلْنِي من الأمر ما لا أطيق. فَظَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ أنه قد بدا لعمه فيه أَنّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ، وَأَنّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نصرته والقيام معه.
فقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَمّ، وَاَللهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ".
ثُمّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قَامَ، فَلَمّا وَلّى نَادَاهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: أقبل يا ابن أَخِي. فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ الله صَلّى الله عليه وسلم، فقال: اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا.
عزة الرسول بعبادته لربه
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحمل الأذى من المشركين، ولكنه كان يوقفهم عند حدودهم، ولا يسمح لهم بتجاوزها، فهو وإن كان مأمورًا بالصبر عليهم والإعراض عنهم، فإنه -أيضًا- عزيز لا يرضى الله له المهانة، وعندما تجرأ كفار قريش عليه صلى الله عليه وسلم دعا عليهم عند الكعبة، فوجموا وخافوا دعوته، وكان دعاؤه صلى الله عليه وسلم من نصيبهم، فقتلوا جميعًا يوم بدر؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس، إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلى جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم، فجاء به، فنظر حتى سجد النبي صلى الله عليه وسلم ووضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر لا أغير شيئًا لو كان لي منعة. قال: فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد لا يرفع رأسه حتى جاءته فاطمة، فطرحت عن ظهره.
فرفع رأسه ثم قال: "اللهم عليك بقريش" ثلاث مرات، فشق عليهم إذ دعا عليهم. قال: وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سَمَّى "اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط". وعَدَّ السابع فلم نحفظه، قال: فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عَدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القليب قليب بدر.
عزة الرسول في قتال المشركين
ففي غزوة أحد عصا الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانقلبت الدائرة على المسلمين، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق جبل أحد، وأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تجيبوه". فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: «لا تجيبوه». فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا.
فلم يملك عمر نفسه، فقال: كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك. قال أبو سفيان: اُعْلُ هُبَل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أجيبوه"، قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا الله أعلى وأجل». قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أجيبوه"، قالوا: ما نقول؟ قال: "قولوا الله مولانا ولا مولى لكم"، قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مُثْلةً لم آمر بها ولم تسؤني.
فهذه مواقف من العزة كخلق من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي ظهر منها ما ينبغي أن تكون عليه عزة المسلم في حمل عقيدته وتبليغ رسالة ربه وافتخاره بما يحمله من مشروع سماوي فيه صلاح العباد والبلاد، كل ذلك من غير فخر ولا استعلاء على خلق الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.