ولعل المدقق في ما أوردته الميزانية يلمس شفافيتها في توجيه الرسالة نحو المواطن بصفته محور التنمية وهدفها ومستقبلها. حيث أكدت أن الهدف، ومن أجل الأجيال القادمة هو الوصول إلى اقتصاد أكثر تنوعاً وأقل اعتماداً على النفط، واقتصاد أكثر فعالية من حيث الأداء ويمكّن من تقديم خدمات أفضل للمواطنين، روح التفاؤل كانت تراهن على شراكة المواطن ودوره الكبير: "لقد تمكنّا من تحقيق إنجازات كثيرة خلال فترة قصيرة، ولكن ما زال أمامنا الكثير لإنجازه. وفي حال تعاونّا جميعاً، سنضمن تحقيق أهدافنا ودفع عجلة التغيير في بلادنا نحو الأمام. ونحن –بعون الله- متفائلون بالمستقبل في ضوء ما تم وسيتم اتخاذه من خطوات على طريق الإصلاح الاقتصادي الشامل". فيما طغت نبرة متفائلة تبشر بالخير والقدرة على النجاح وتجاوز الصعاب، كردود أفعال على أول ميزانية يتم إعلانها في إطار برنامج التحول الوطني 2020 ورؤية المملكة 2030، يمكن ملاحظة "ثمار مبكرة جداً" لعملية الإصلاح الاقتصادي التي أعلنتها المملكة قبل عدة أشهر فقط من خلال الرؤية. كما جاء بصحيفة "سبق" هذه الثمار ظهرت بوضوح وجلاء في أرقام وإحصاءات بنود عدة من الميزانية، مثل زيادة في حجم الإيرادات الفعلية، وارتفاع حجم الإيرادات غير النفطية، ونمو الناتج المحلي، وتقليص العجز، وترشيد هدر الطاقة. ومن قراءة متمعنة يمكن القول ومن خلال ما كشف عنه إعلان الميزانية 2017 أن الإصلاحات التي مررت حتى الآن أظهرت ثمارا مبكرة قياسا على الوضع المعتاد الذي تحتاجه هذه الإصلاحات لبدء الانتاجية بما يثبت أن المملكة تمضي في خطط متقنة لتجاوز عصر النفط، الذي تراجعت أسعاره إلى أكثر من 50 % منذ يونيو من العام قبل الماضي. المراقبون يرون أن نتائج هذا التخطيط، أسفر عن موازنة أقل ما توصف به أنها تعزز تحسين مستوى الأداء للقطاعين الحكومي والخاص، وترسخ الشفافية والنزاهة، وترفع كفاءة الإنفاق من أجل رفع جودة الخدمات المقدمة، بما يحقق الرفاهية للمواطن، وتنويع مصادر الدخل، والالتزام بالإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الوطني، بما يتماشى مع متطلبات رؤية المملكة 2030. شفافية: يقول وزير المالية :"أكثر ميزانية شفافيةً في تاريخ المملكة"، وأنها ترسي معايير جديدة لمزيد من الإفصاح مستقبلآ. مؤكدا التزاما بإتاحة الفرصة لأي مواطن يرغب معرفة تفاصيل الميزانية وأرقامها ومكنونها، "لن يجدوا صعوبة في الوصول إلى ما يرغبون فيه". ومتعهداً : "الوزارة تعمل على مواصلة عملية الإفصاح بشفافية عالية لإرساء مزيد من المساءلة والمتابعة". يقف خلف "الثمار المبكرة" لعمليات الإصلاح الاقتصادي للمملكة، بعد توفيق الله خطة تحول متقنة بدليل النتائج المبكرة تتبعها الحكومة حيث تساهم الإجراءات المتخذة من الحكومة إلى السعي إلى مزيد من الانضباط المالي وترشيد الإنفاق بكفاءة أكبر من خلال مراجعة الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي. القطاعات الأهم: في الوقت نفسه، واصلت الحكومة الاستثمار في القطاعات التي تمس حياة المواطنين السعوديين، بما في ذلك الإسكان والرعاية الصحية والتعليم. ولاقى مسار الإصلاح هذا تقديراً عالمياً واسعاً، بدليل ردود الفعل الإيجابية لإصدار السندات الحكومية الأولى في أكتوبر الماضي، حيث فاق حجم الاكتتاب المعروض بشكل كبير وجمعت هذه السندات 17,5 مليار دولار. كما يمكن أيضا تلمس ثمار الإصلاح الاقتصادي مجدداً في تقليص حجم العجز الكلي للمملكة، وهذا العجز الذي بلغ في عام 2015 إلى 362 مليار ريال، وهو الأعلى في تاريخ المملكة. تقول وزارة المالية إنه في حال لم ننفذ هذه الإجراءات، فقد ترتفع قيمة العجز التراكمي إلى 1,7 تريليون ريال خلال السنوات الخمس المقبلة. وهو أمر أكدته دراسات جهات عالمية موثوقة اقتصادياً. ملامح الخير: ويمكن رصد بعض أهم الثمار المبكرة كالتالي: ارتفاع إجمالي إيرادات الدولة خلال السنة المالية الحالية (2016) إلى 528 مليار ريال، وهي أعلى بنسبة 3% من 513 مليار ريال الذي كان متوقعاً مطلع العام. الأمر نفسه في الإيرادات غير النفطية التي بلغت 199 مليار ريال وهو أعلى بنسبة 10,6% قياساً بالتقديرات الأولية البالغة 180 مليار ريال. ويمثل ذلك زيادةً ملموسة مقارنةً ب 85 مليار ريال المسجلة خلال عام 2012. تستأثر الإيرادات غير النفطية بنسبة 26 % من إجمالي الإيرادات، بارتفاع ملموس قياساً ب 7 % خلال عام 2012م. ثمار الترشيد الحكومي، حصدتها المملكة أيضا من "الإنفاق الحكومي"، الذي من المتوقع أن يبلغ هذا العام 825 مليار ريال، باستثناء الفائض، وهو أقل من المبلغ الذي كان متوقعا أول العام بنسبة 1,8%، مقارنةً بتقديرات مطلع العام الحالي، والبالغة 840 مليار ريال. يعزى ذلك بشكل رئيسي إلى إعادة تقييم المشاريع الحكومية وتحديد فرص تحقيق الوفورات في التكاليف. تقول وزارة المالية إنها تتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2 في المائة خلال عام 2017 مع مواصلة نموه تدريجياً ليصل إلى 3 في المائة في عام 2020، وهذا يقارب متوسط النمو في دول مجموعة العشرين البالغ 2.0 في المائة. ولعل من أبرز ثمار الإصلاح الاقتصادي التي سيشعر بها المواطن، ولكن على أكثر من مدى ما أقرته الحكومة من مبادرات تستهدف تنويع الاقتصاد، والانتقال إلى ميزانية مستقرة ومتوازنة بحلول عام 2020، من خلال ترشيد الانفاق والتركيز على الأولويات والتنفيذ الكامل ل "برنامج التحول الوطني" – التي ستصل تكلفتها العام المقبل إلى 42 مليار ريال. أخيراً تشير وزارة المالية إلى أن أهم ثلاثة أمور نجحت في تحقيقها في عام 2016 هي تأسيس "مكتب إدارة الدين العام"، ومكتب ترشيد الإنفاق، وتفعيل وحدة المالية العامة الكلية، ونمو القطاع غير النفطي بنسبة 2,5 % خلال العام. وهي دلائل تحمل تصحيح مسارات لا تخفى على المتخصصين والمتابعين للمسيرة التنموية للمملكة.