لو مر مليون عام على حرب أكتوبر، ستظل المعركة الأهم فى تاريخ مصر، ولن تتوقف عن الكشف عن أسرار جديدة، حول قدرة المصريين على التخطيط والخداع الاستراتيجى، وعن بطولات أبناء النيل التى عجز أعداؤهم عن استيعابها. واحد من هؤلاء الأبطال، اللواء أركان حرب زغلول فتحى، قائد كتيبة 43 صاعقة، فى معركة لسان بورتوفيق، التى أجبرت سرية إسرائيلية كاملة على تسليم حصنهم بمعداته وأسلحته، ضمن إجراءات تسليم معروفة بين المقاتلين، تنص على تنكيس علم جنود الدولة المهزومة أثناء مراسم الاستسلام، فى صورة شهيرة منعت إسرائيل تداولها. اللواء فتحى -حسب قوله- إن فضل الانتصار فى معركة بور توفيق، لم يكن له وحده ولكنه لجميع جنود وصف الضباط والضباط فى الكتيبة ونتيجة تدريبات شاقة أدت لرفع مستوى لياقتهم، للوصول إلى إعلان العدو استسلامه وهو أمر لا يحدث بسهولة، كما أنه كان يشعر بأنه مسئول عن إعادة الجنود سالمين إلى أسرهم، لأن درس نكسة يونيو 1967 كان واضحاً، «الفرد أهم وأغلى من المعدات والسلاح وهو أثمن ما تملكه القوات المسلحة». كانت الكتيبة 43 مكلفة بالاستيلاء على نقطة حصون بورتوفيق، إحدى أقوى الحصون الإسرائيلية وقتئذ وأشدها تسليحاً،لأنها كانت أقرب إلى شبه جزيرة، وشبه تحيطها المياه وصعوبة جغرافية لأن الماء يحاصرها من جميع مناطقها باستثناء طريق واحد يوجه إليه جميع جنود إسرائيل أسلحتهم ما يجعل السير فيه مشى فى الجحيم رغم أنه لا مفر من الاستيلاء عليها. علم اللواء فتحى، بتوقيت بدء الحرب قبله ب8 ساعات، لطبيعة مهمته، رغم أن موعد بدء المهمة كان 5 مساء 6 أكتوبر، فقام بالتحضير للعملية وإعداد خطة الهجوم، خاصة أن النقطة المستهدفة كانت أمام أعرض مكان فى مجرى قناة السويس، وقوة المد والجز فى أعلى مستوياتها، لذا كان استخدام القوارب المطاطية فى العبور يشكل خطورة على أفراد الكتيبة لأنهم سيستغرقون وقتاً أطول بالعبور ما يعرضهم لنيران العدو. وقبل الهجوم طلب اللواء فتحى من جنوده الإفطار، وتناول كوب شاى حتى يحثهم على الإفطار ليستطيعوا أداء المهمة، وتوجه لقائد سرية عريف شكرى وطالبه بأن يفطر هو وجنوده، إذ رغم كونه قبطياً إلا أنه كان يشارك زملاءه الصيام والإفطار، لكنه رد: «يا أفندم هنفطر على الضفة الثانية إن شاء الله مع قائد الكتيبة»، لكنه استشهد صائماً برصاصة بعد نزول القوارب إلى المياه. كانت القوارب المطاطية التى تحمل الجنود تتعرض لرصاص كثيف من جانب القوات الإسرائيلية المتمركزة فى النقطة الحصينة، وكان الجنود يواصلون السباحة نحو النقطة بعد إصابة قواربهم، ويحملون معهم زملاءهم الشهداء، وهو ما كان يفعله الجنود المصابون وقد يحملون شهداء معهم إذا استطاعوا، لذا لم ينسحب أى من عناصر الكتيبة. حاصرت الكتيبة الحصن وأنهكت الإسرائيليين وكبدتهم خسائر فادحة، فاضطر قائد الحصن إلى الاستسلام وتسليم الموقع والجنود والمعدات عن طريق الصليب الأحمر، وسلم قائد الحصن العلم الإسرائيلى الخاص بالحصن منكساً وأدى التحية العسكرية للواء فتحى، ورغم الجرائم التى ارتكبتها القوات الإسرائيلية بأسرى النكسة المصريين، إلا أن كتبة الصاعقة عاملت الإسرائيليين بمنتهى التحضر والرقى ووفقاً للأعراف العسكرية والإنسانية.