شهد الوسط الإعلامي مؤخرًا بعض التغيرات التي شهدتها كبرى القنوات الفضائية والمؤسسات الإعلامية في مصر، ومن أبرز هذه التغيرات التي أثارت جدلا واسعا، انتقال ملكية شبكة قنوات on tv الفضائية، من رجل الأعمال نجيب ساويرس، إلى رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، ودمج قناني "النهار" و"cbc" الفضائيتين في كيان إعلامي واحد، وأخيرا إطلاق شبكة قنوات "dmc" الفضائية، التي تضم 7 قنوات متنوعة. وبعد انتشار التكتلات الإعلامية التي كان بطلها الأبرز، رجل الأعمال "أبو هشيمة" مالك جريدة اليوم السابع، خاصة بعد شرائه مجموعة قنوات on tv، الأمر الذي أثار تخوف البعض من استحواذ "أبو هشيمة" على السوق الإعلامي في مصر، حيث أنه يمتلك أيضا نسبة 51% من مجموعة "برزنتيشن" للتسويق والإعلام الرياضى، وهي المالكة لقناة الأهلي الفضائية.
في مايو الماضي، أعلن رجلا الأعمال محمد الأمين مالك قنوات cbc الفضائية، وعلاء الكحكى مالك قنوات "النهار" الفضائية، عن أكبر عملية اندماج في الوسط الإعلامي المصري، كونها تشمل 12 شاشة وهى مجموعة قنوات الشبكتين، وشكل الأمر مفاجأة كبيرة، خاصة بعد ظن الجميع بأن الحفل من أجل الإعلان عن خطة البرامج والمسلسلات على الشاشتين فى الموسم الرمضاني الماضي.
لم يتوقف الأمر على دمج وبيع القنوات فقط، بل شمل ظهور كيانات جديدة قامت باستقطاب عدد كبير من الإعلاميين المعروفين في مصر، أبرزها إطلاق شبكة قنوات dmc الفضائية، التي تتبع لشركة "دي ميديا" لرئيسها رجل الأعمال المهندس طارق إسماعيل، وهي الشركة نفسها التي أطلقت الراديو 9090، إضافة إلى شراء قناة "الناس" الفضائية.
ومع أهمية دور الإعلام في توعية المشاهدين ونقل حقائق الأحداث في الشارع المصري، رأى الكثيرون أن ما شهدته الساحة الإعلامية مؤخرا، من سيطرة بعض رجال الأعمال على المؤسسات الإعلامية الكبرى، يشكل خطرا واضحا على مستقبل الإعلام في مصر، خاصة بعد تردد الشكوك حول حقيقة رؤوس الأموال التي تتولى تمويل هذه الكيانات الجديدة، فضلا عن التخوف من سيطرة أشخاص أو جهات محددة على السوق الإعلامي في مصر.
قال الدكتور سامي الشريف، رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، إن الإعلام يعتبر صناعة ثقيلة تتحكم بها رؤوس الأموال في مصر، وتتصارع على تحقيق الريح المادي، عن طريق السيطرة على أكبر قدر من كعكة الإعلانات التجارية، التي وصفها ب"المحدودة" مما يستلزم إنشاء تكتلات إعلامية بين رجال الأعمال، حتى يتمكنوا من الحصول على العائد المادي المطلوب.
وأضاف "الشريف" أن الحل يكمن في دعم الإعلام الرسمي، والقنوات المحلية حتى تتمكن من منافسة الكيانات والقنوات الخاصة، وذللك لتجنب انتشار ظاهرة التكتلات الإعلامية وأهدافها التي قد تؤثر على موضوعية الإعلام، وأهدافه السامية، بتقديم محتوى مثير يعمل على جذب الجمهور فقط، مشيرا إلى وجوب تقليل عدد القنوات المحلية حتى تتمكن الدولة من الإنفاق على التليفزيون المصري والعمل على تطويره.
واستنكر "الشريف" عدم اهتمام البرلمان الحالي بمناقشة القانون الموحد للإعلام، الذي أقره الدستور الجديد، والمعني بوضع الضوابط والقوانين لحركة الإعلام الخاص في مصر، مؤكدا على خطورة سيطرة رؤوس الأموال المجهولة المصدر على الوضع الإعلامي، مشددا على أنها بمثابة كارثة، لأنه قد يكون الممول الحقيقي دولة أجنبية أو تنظيم إرهابي، يعمل على بث الفساد وإثارة الفتن داخل المجتمع المصري.
ورأت الدكتورة ليلى عبدالمجيد، عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقا، أن عملية دمج القنوات الفضائية تؤثر بشكل كبير على حرية الإعلام في مصر، وحق المشاهد في الاختيار، مؤكدة على ضرورة وضع آليات وقواعد لهذه التغيرات التي تشهدها الساحة الإعلامية في الفترة الحالية، وهو الأمر الذي يدعي إلى التخوف على مستقبل الإعلام في مصر.
واستنكرت "عبدالمجيد" التأخر في العمل على تطبيق القانون الموحد للإعلام، الذي وافق عليه مجلس الوزراء، مؤكدة أن القانون يشهد الكثير من الخلافات التي تمنعه من الوصول إلى البرلمان لإقراره بشكل نهائي، فضلا عن عدم وضوح الضوابط الخاصة بملكية المؤسسات الإعلامية، وضرورة الإفصاح عن المصدر الحقيقي لرأس المال المستخدم في تمويل هذه المؤسسات.
وأضافت "عبدالمجيد" أن اقتصار ملكية المؤسسات الإعلامية والقنوات الفضائية على بعض رجال الأعمال، يمثل خطرا واضحا على مستقبل الإعلام، مؤكدة على ضرورة شمول الأمر المواطنين العاديين، حتى لا يستخدم أصحاب رؤوس الأموال سلطتهم في السيطرة على السوق الإعلامي، رافضة ما يتردد حول وجود تمويلات أجنبية خفية لبعض القنوات المصرية، مشددة على أن تطبيق قانون الإعلام هو الحل الأنسب في الوقت الحالي.
وتابعت "عبدالمجيد" أن العمل على تدعيم التليفزيون المصري المملوك للدولة، والتطوير من محتواه الإعلامي، من شأنه أن يحدث نوعا من التوازن المطلوب، للوقوف أمام أصحاب رؤوس الأموال، لعدم تأثير التكتلات الإعلامية على الشارع المصري، خاصة بعد استقطاب هذه الكيانات إلى الكثير من الإعلاميين الذين لابد أن يسيروا على السياسة التحريرية للمؤسسة، والتي تمثل آراء أصحابها من رجال الأعمال.
وشدد الدكتور حسن علي، رئيس قسم الإعلام بجامعة المنيا، على ضرورة العمل بقانون الإعلام الموحد، للحد من انتشار سياسة رؤوس الأموال التي تسيطر على الإعلام الخاص في مصر، مؤكدا أن امتلاك رجال الأعمال للقنوات الفضائية يترتب عليه عدم التحكم في المحتوى الإعلامي المقدم، والذي سوف يخضع لرغبة مالك القناة وتوجهاته السياسية، وهو ما يشكل خطرا بالغا على مستقبل الإعلام في مصر.
على الجانب الآخر، رأت الباحثة السياسية والكاتبة الصحفية عبير سعدي، أن "الاحتكار الإعلامي هو التجسيد الحي لتحالف السلطة والثورة الذي يحتاجه أى نظام لإعادة إنتاج نفسه ورأب الصدع في صورته"، وأضافت: "الحقيقة هي أن الاحتكار يدعمه غلاء تكلفة الإنتاج الإعلامي، ولذا الكسر الوحيد للاحتكار ومن ثم التحالف هو تغيير شكل المنتج الإعلامي وخفض تكلفته فالتعددية والتنوع هي الضمانة الوحيدة للمجتمع".
واختتمت "سعدي": "نماذج مثل الصحف الإليكترونية والإذاعات المجتمعية المحلية ربما تكسر المعادلة، وفي كل الأحول يظل الأمل في الشباب لأنه جيل غير قابل للكسر بعد أن تذوق الحرية". وهاجم المحامي والحقوقي طارق العوضي، أصحاب القنوات الفضائية الخاصة، داعيا إلى إنشاء منصة إعلامية للدفاع عن ثورة 25 يناير، بعيدا عن التحكمات التي تفرضها سياسة رأس المال على الإعلام في مصر.
وكتب "العوضي" عبر حسابه الشخصي بموقع "فيسبوك": "فلتذهب قنواتهم إلى الجحيم ولنصنع نحن إعلامنا البديل ...والأهم أن نقدم لهم إعلاما يتعلمون منه دروس ومهنية وقدوة ومثل"، وأضاف: "هنعمل إعلام بأقل فلوس وهنلمها من بعضنا وهنحقق بيه أكبر نسب مشاهدة واطلاع .. ولينجح إعلامنا - وسينجح".