■ بيت العيلة وقعدة العرب مجرد «مسكنات».. والتمييز فى مصر له صور عديدة ■ هناك اتجاه سلفى تكفيرى على الساحة يؤجج الفتنة.. ومن يدعون الوسطية من رجال الدين ليسوا «وسطيين» حينما يكون هناك قانون رادع وتتحقق المساواة والعدالة الاجتماعية تنقشع الأزمة.. هكذا شخّص الدكتور صبرى الشبراوى، خبير علم الإدارة، أزمة الفتنة الطائفية فى مصر، خلال حديثه ل«الفجر» عن أسباب تزايد معدلات هذه الظاهرة. الشبراوى أكد ان الكارثة الأساسية تكمن فى عدم الفصل بين الدين والدولة، وعدم تطبيق القانون على الجميع، بالإضافة إلى غياب دور مؤسسات الدولة فى مواجهة قضايا الفتنة. خبير علم الإدارة وجه لوماً شديداً إلى مؤسسات المجتمع المدنى فى مواجهتها للأزمة، قائلاً: لا بد أن تخرج من قوقعتها، مهاجماً كذلك الأحزاب «دى كيانات ضعيفة وهشة».. وإلى نص الحوار: ■ بدايةً.. ما صحة ما ذكرته عن تعدد أشكال التمييز فى مصر؟ - التمييز فى المجتمع المصرى له صور عديدة، مثلا التمييز ضد المرأة، فنساء مصر حكم عليهن انهن لا يحققن ذواتهن، وأؤمن أنه لا تقدم لأى مجتمع إلا بتعليم المرأة. أيضاً هناك مثال «مجدى يعقوب» تمت محاربته، ولم يعين بكلية الطب لأنه قبطى، ثم سافر ونجح فى الخارج، وبعدها عاد إلى مصر فقبلوه.حتى أنا كمسلم تعرضت للتمييز حينما عدت من أمريكا لأننى لست موظف حكومة، فموظفو الحكومة هناك يفضلون أبناءهم. كذلك حالة الكاتبة فاطمة ناعوت مثلاً لماذا يتم ممارسة التمييز ضدها لمجرد تعبيرها عن رأيها، أيضاً رجل مثل على جمعة لماذا يحاولون قتله أيضا لفتوى أو رأى قاله. فطالما لا توجد حرية يقتل البشر، وهو ليس قتلاً جسدياً فقط، لكنه قتل نفسى ومعنوى أيضاً، ولذلك فالحرية أغلى ما منحه الله للبشر. ■ ما علاقة التمييز بتزايد معدلات الفتنة الطائفية؟ - العلاقة بينهما وطيدة، فالفتنة الطائفية هى أحد أشكال الاضطهاد الدينى نتيجة لخلط الدين بالسياسة، والدليل على ذلك أنه فى أمريكا مثلا كان السود مضطهدين حتى قاموا باضرابات واعتصامات حتى تغير قانون تفضيل البيض على السود. وفى أوروبا مثلاً عندما كان الاب فى الكنيسة هو «الحاكم» كان هناك اضطهاد دينى، لأنه يتحيز لطائفته، حتى تعالت الأصوات بفصل الدين عن الدولة، فإقحام الدين فى السياسة يؤدى إلى الفساد. وهذا ما رأيناه فى مصر فى فترة حكم الإخوان، حدث تحيز واضح وكان هناك عنصرية وفساد فى الحكم. ومن ثم فإن الحل يكمن فى إعلاء قيم «الديمقراطية»أى يختار الشعب من يحكمه، وتكون هناك شفافية فى الاختيار، ولا يكون هناك تمييز بناء على اللون أو الجنس أو الدين. ■ معنى كلامك أن الاختيار والمشاركة هما السلاح الأمثل لمواجهة التمييز أو الطائفية؟ - بالفعل، وما أقصده المشاركة فى القرار، فلو كان هناك قرار يمس مصلحة المواطنين، فلا بد أن يشارك الشعب فى صناعته. وبعد المشاركة فى الاختيار وصناعة القرار تأتى النقطة الثالثة فى الديمقراطية وهى محاسبة متخذى القرار. وإذا سقط أى من هذه النقاط الثلاث تتلاشى قيم الديمقراطية، وبالتالى تكون هناك أرض خصبة لوجود الفتنة. ■ ما أسباب الفتنة الطائفية فى مصر؟ - السبب فى ذلك هو عدم تطبيق القانون على الجميع، بالإضافة إلى غياب العدالة والمساواة، وهو ما يخلق أرضاً خصبة للعنف والبلطجة. وجسدت الدراما ذلك بوضوح وهو ما ظهر فى مسلسل «الأسطورة» الذى تم عرضه فى رمضان الماضى، حيث صار بطل المسلسل «مجرماً» نتيجة تعرضه للظلم حين تقدم للعمل ولم يقبل لأنه من أسرة فقيرة. ■ وهل الفتنة فى مصر أزمة عارضة أم بنيوية؟ - الفتنة فى مصر أزمة «عارضة» ناتجة عن العجز فى إدارة البلاد، ومن ثم يمكن القضاء عليها إذا ما تم تطبيق القانون على الجميع. ■ لماذا تتصدر الفتنة الطائفية المشهد تحديداً فى المنيا؟ - المشكلة أن الصعيد موارده محدودة والأقلية مهضوم حقها، ولا يوجد قانون رادع، بالإضافة إلى وجود أشخاص قليلين يتحكمون فى مصير البلاد مادياً وثقافياً ومعنوياً، وأتساءل: لماذا حينما يهان أو يقتل قبطى او تحرق كنيسته أو منزله لا تطبق عقوبة رادعة على الجانى تؤكد قيم المساواة. ولا شك أن غياب العدالة فى التعليم والوظائف وفى كل اتجاه يجعل الأقلية تشعر بأنهم ليس لهم قيمة فى بلادهم، ومطلوب منه بعد كل هذا ان يكون مواطنا صالحا؟ كيف؟! ■ ما دور الأمن فى حل قضايا الفتنة؟ - تقع على عاتق الأمن مسئولية كبيرة باعتباره هو المنوط بتطبيق القانون، لكن مشكلتنا فى مصر أن «القانون فى إجازة» فى أحيان كثيرة، وهو ما يهيئ الأجواء للعنف، وللعلم كانت هناك بلاد حالها أسوأ منا، وحين أعلوا من قيمة القانون واحترام الدستور أصبحت حالهم أفضل كثيراً. لكن من باب التحليل الدقيق فإن الحفاظ على نسيج الوحدة الوطنية ليس مسئولية الأمن وحده، بل يقع على عاتق مختلف مؤسسات الدولة بدءاً من الرئاسة مروراً بمؤسسات المجتمع المدنى وانتهاء بأفراد الشعب أنفسهم، فالإدارة العليا للبلاد هى المسئولة عن إعادة تنظيم الدولة وتهيئة المناخ لتنفيذ القانون والدستور، ويجب أن تخرج مؤسسات المجتمع المدنى من «قوقعتها» وتكون لها مشاركة حقيقية، فكل ما يقوله المجتمع المدنى و«قعدة العرب» و«بيت العيلة» مسكنات لمدد قصيرة، لأنها لا تقدم حلولاً جذرية للأزمة. ■ لا يمكن الحديث عن الفتنة الطائفية دون مراجعة أسباب الفقر والعشوائيات والجهل.. ما رأيك؟ - طبعاً.. هذه أسباب تخلق تربة خصبة للفتنة الطائفية، فمثلاً الناس فى العشوائيات « مغيبة» دينياً، مع ارتفاع معدلات الجهل بينهم، ما يجعلهم عرضة للاستقطاب من قبل بعض المتشددين دينياً، وهو ما يخلق نوعاً من الانغلاق الفكرى تجاه الديانات الأخرى، ويسبب الفتنة. ■ ماذا عن دور القيادات الشعبية والأحزاب السياسية؟ - من المفترض أن هؤلاء مسئولون بشكل كبير عن مسألة نشر الوعى الذى يعد سلاحاً أساسياً فى مواجهة الفتنة، لكن المشكلة أن أغلبهم لا دور لهم على الاطلاق فى الحياة العامة بمصر لأنهم كيانات ضعيفة مهمشة. ■ وما تحليلك لدور رجال الدين فى مواجهة الأزمة؟ - طبعاً دور رجال الدين مهم – لكن هناك اتجاهاً سلفياً تكفيرياً على الساحة يؤجج الفتنة.. حتى من يدعون الوسطية هم ليسوا «وسطيين»، بدليل قتلهم الحرية، وقانون ازدراء الأديان أكبر دليل على سلفية الفكر المتشدد الذى لا يعلى من قيمة الحرية، ناهيك عن السبايا والأفكار الداعشية التى ظهرت مؤخراً ولا تمت للإسلام بأى صلة. ■ فى رأيك، ما جدوى تشكيل لجنة عليا للتماسك الاجتماعى مكونة من قادة الفكر والرأى والدين فى المجتمع المصرى؟ - لا مانع من ذلك، لكن الأهم أن يكون هناك مستشارون حول الرئيس لتطبيق قوانين العدالة الاجتماعية، التى تعد حلاً سحرياً لمواجهة الفتنة، وذلك لأن تطبيق القانون والعدالة الاجتماعية والتعامل مع الفقر والعشوائيات وتحقيق الذات أمور مهمة إذا ما تحققت تتلاشى معها الفتن. ■ معنى كلامك أن القضية أكبر من مجرد معانقة الهلال للصليب فى وسائل الاعلام أو مصافحة الشيخ للقس بعد كل أزمة؟ - طبعاً هذه نماذج احتفالية للشو الإعلامى وليس لها قيمة فى حل المشكلة «ده شىء مؤقت»، ويظل كما يقولون «اللى فى القلب فى القلب»، وبالتالى لا بد من قانون رادع.