في ميدان السيدة زينب يقبع العديد من صانعي "القطايف"، يعملون كخلية نحل داخل محالهم الصغيرة وسط درجات حرارة مرتفعة أمام الأفران، وأصوات ماكينات العجن، في ظل أجواء رمضانية بين الأغنيات الشهيرة عن شهر رمضان بالإضافة إلى زينة رمضان وفوانيسه. والقطايف من أشهر الحلويّات العربيّة الشعبيّة التقليديّة في شهر رمضان المبارك، فهي تعتبر من طقوس هذا الشهر الفضيل، ويتمّ تناولها بعد وجبة الإفطار وعلى السحور كذلك، وهي من الحلويّات المحبّبة والمميّزة، وهي عبارة عن فطيرة مكوّنة من عجينة سائلة، يتمّ تناولها محشوّة بالمكسّرات، أو القشطة، أو الجبنة ويتمّ تحميرها أو قليها ويمكن تناولها نيئة، فهي في جميع حالاتها لذيذة وشهية.
ولم يُعرف الأصل بعد في تحضير القطايف فبعض الروايات تقول أنّها تعود للعصر العباسيّ ومنهم من يقول الأمويّ والدمشقيّ، ويقال أنّ أول من تناول القطايف هو الخليفة الأمويّ سليمان بن عبد الملك سنة (98هجري) في رمضان.
كما أن هناك العديد من الروايات حول تسمية القطايف بهذا الاسم، حيث إنّ هذه الرواية تعود للعصر الفاطميّ، حيث إنّ الطهاة كانوا يتنافسون في تحضير أنواع الحلويّات في الشهر الفضيل، وكانت فطيرة القطايف من ضمن هذه الحلويّات، وتمّ تحضيرها بشكل جميل ومزيّنة بالمكسّرات ومقدّمة بطبق كبير، وكان الضيوف يتقاطفونها بشدّة للذّتها لذا أُطلق عليها هذا الاسم و تشتهر بها حاليا محافظة حماة السورية .
وظلت القطايف حتى يومنا هذا من أبرز الطقوس الرمضانية، ورصدت "الفجر" فرحة صانعيها بقدوم شهر رمضان وحالة الرواج التي يشهدونها خلال هذا الشهر واقبال المواطنين عليهم، بالإضافة إلى مراحل صناعتها.
فيقف أحدهم بزيه التقليدي وسط محله الصغير بمنطقة "السيدة زينب"، لبدء تحضير إعداد عجينته السحرية، فيبدأ في تحضير وعاء واسعًا حاملاً في يده قمعًا يحتوي على جزء من الطحين وخلطة العجينة الخاصة بالقطايف ثم يضع عليها الماء الدافئ محركًا يديه بطريقة انسيابية قد اعتاد عليها وعُرف بها، مشكلًا لوحةً فنية ترسخت في أذهان المصريين منذ طفولتهم .
تستغرق 9 ساعات وعلى الجانب الآخر ماكينة " العجانة الكهربائية" الخاصة بدمج الخليط ليتمكن من صنع عجينة مرنة فيبدأ بخلطها عدة مرات داخل الماكينة إلا أن تصبح إنسيابية بشكل بسيط، وبالرغم من بذل قصارى جهده طوال اليوم والذي يستغرق أكثر من تسع ساعات يومية بداية من عقب صلاة الفجر إلى أن آذان المغرب، إلا أنه يعيش حالة مبهجة لانتعاش حالته المادية، نظرًا للإقبال الكثير على شرائها لاسيما بشهر رمضان الكريم.
ومهنة صنع القطايف لها تاريخها الذي تناقلته الأجيال، حيث تختلف طريقة إعداده من بائع لآخر، ورغم أنها مصنوعة من مواد بسيطة معروفة للجميع "طحين وسميد وخميرة وكربونات" ، إلا أن طريقة إعدادها تختلف من بائع لآخر، حسب المواد المضافة إلى عجينتها، وهي سر لا يقدر البائع الإفصاح عنه لأنه سر نجاحه.
تكوين الخليط ويفصح صانعي القطايف عن سر صنع عجينتهم السحرية التي تتمثل في خلطة "الطحين والسميد، مع إضافة الكربونة والخميرة"، ولكن الذي يختلف هو طريقة التصنيع والسر الكبير في العجينة الذي لا يفصح أي بائع عنها، فالطعم والرائحة والشكل لا يكفي من أجل ضمان جودة العجينة، إنما خبرة ومهارة البائع حيث يتم وضع أشياء في العجينة تضيف لها النكهة والطعم. ويقف شخصًا حاملاً قطعة بيضاء من القماش ويغطي العجينة من جميع الاتجاهات، ويتركها لقليل من الوقت، وسط أصوات السيارات العالية وخطوات المارين الذين ينتظرونها في شكلها النهائي، إلا أن ترتفع شكلها وتصلح لتشكيلها على صاجات الفرن. تسوية العجينة وعقب ساعاتين تقريبًا من تجهيز العجينة، يقف صانعي القطايف أمام طاولة حديدية ذات لهب عالي ، للبدء في تسخين "الصاج" الذي يشكل عليه خلطته، من ثمَ يتم تهدئتها للحفاظ على تسوية ولون العجينة، وعقب ذلك يبدأ في سكبها بأشكال دائرية، إلى أن تصل إلى شكلها النهائي، وبعد ذلك تعرض أقراص القطايف للتبريد حتى لا تلتصق ببعض وتكون بذلك جاهزة للبيع، وسط بهجة من صانعيها لمجرد رؤية وجوه الزبائن خلال الشراء . لمشاهدة الفيديو اضغط هنا