تحل اليوم الذكرى السنوية لإعلان الاستقلال السوري، وعلى الرغم من أن الحلفا أعلنوا سيطرتهم على سوريا خلال الحرب العالمية الثانية، وأعلن على إثرها تاج الدين الحسيني كأول رئيس لسوريا المستقلة، وذلك يوم 28 سبتمبر 1941، إلا أنه لم يتم اعتباره استقلالاً كاملاً، خاصةً مع استمرار قسط وافر من الأجهزة تابعًا للمفوضية الفرنسية، إلا أنه بعد انتفاضة الاستقلال، وإتمام جلاء القوات الفرنسية عن سوريا في 17 إبريل 1946، تم الاعتراف بالاستقلال التام في سوريا، ويُعتبر هذا اليوم عيداً للجلاء واليوم الوطني السوري. الانتداب الفرنسي خضعت سوريا للانتداب الفرنسي منذ 1920، ولا يعتبر الانتداب من الناحية القانونية إلغاءً لاستقلال البلد أو احتلاله، بل هو حالة تقييد الاستقلال بالشؤون الخارجية والعسكرية على وجه الخصوص. وعلى الرغم أن المعاهدة السورية الفرنسية لعام 1936 نصّت على الاستقلال التام والناجز لسوريا، إلا أن البرلمان الفرنسي رفض إقراها. وفي عام 1940، وقعت سوريا تحت سيطرة حكومة فيشي الموالية لألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، وفي أبريل من نفس العام أعلن الجنرال دانتز بأن: "فرنسا لم تغفل مطلقًا تطلعات الشعب السوري نحو استقلال بلاده، ولن تألو جهدًا في سبيل تحقيق هذه الرغبة، ولكن فرنسا لم تستطع ولن تستطع تحقيق ذلك ما لم تستقر الأوضاع في العالم". طرد دول المحور تمكنت قوات الحلفاء وقوات فرنسا الحرة من السيطرة على سوريا وطرد دول المحور منها في 8 يونيو 1941، وحلقت طائرات فرنسية تابعة لقوات فرنسا الحرة، وألقت مناشر على السكان بأن "فرنسا بصوت أبنائها تعلن استقلالكم". وفي 20 يوليو 1941 عقد المندوب الفرنسي السامي الجديد الجنرال كاترو اجتماعًا مع الطبقة السياسية في مدرج الجامعة السورية أعلن فيه: "رأينا أن الوقت قد حان لنضع بالاتفاق معكم، نصّ نهاية الانتداب، ونتفاوض معكم في الشروط التي تحقق سيادتكم التامة واستقلالكم الناجز"، و في 12 سبتمبر أعيد العمل بالدستور واختير تاج الدين الحسني رئيسًا للجمهورية لحين سماح الظروف بإجراء انتخابات. إعلان الاستقلال وفي 28 سبتمبر 1941، عقد حفل إعلان الاستقلال في دار البلدية في ساحة المرجة بحضور أعضاء الحكومة والطبقة السياسية ورؤساء الطوائف، وقّع خلاله الجنبرال كاترو مع رئيسي الجمهورية والحكومة على إعلان الاسقلال. وفي أعقاب إعلان الاستقلال أصبح المندوب السامي يدعى "ممثل فرنسا العام"، وبإعلان الاستقلال، تكون سوريا أول دولة انتدبت عليها فرنسا وتنال استقلالها. واعتبر بعض المؤرخين أن إعلان الاستقلال مناورة فرنسية، وحذر ونستون تشرشل ديغول بأن موقفًا كهذا سيؤدي إلى أعمال تضر بمصالح فرنسا وقوات الحلفاء في الحرب. اعتراف الدول باستقلال سوريا وقد كانت بريطانيا ومصر، أول دول معترفة بالاستقلال الثاني، في حين رفضت المملكة العراقية الاعتراف به، وحتى 1943 حين اعترف به وتم تبادل البعثات الدبلوماسية بعيد انتخاب شكري القوتلي رئيسًا للجمهورية. استمرار الإشراف الفرنسي وعلى الرغم من الاعتراف باستقلال سوريا، إلا أن المفوضية الفرنسية استمرت في الإشراف على الشرطة، والقوات الخاصة، والمواصلات، والحدود، وشؤون البدو، وقد صرّج رجال المفوضية صراحة "بعدم وجود أية نية لتغيير فعلي قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية". الاستقلال التام وتحت ضغط بريطانيا اضطرت فرنسا لإجراء انتخابات 1943، وهو ما أدى بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لاندلاع انتفاضة الاستقلال، والتي أفضت لعيد الجلاء يوم 17 إبريل 1946، ليتبعه إعلان الحكومة السورية في 25 أبريل 1946، إعلان تمام الاستقلال الشامل. قرارت ما بعد الجلاء وبعد الجلاء اتجهت السلطة السياسية السورية، لخطوات "فك ارتباط" مع فرنسا، فأقرّ البرلمان السوري قانونًا بالسماح بتدريس إحدى اللغتين الفرنسية أو الإنكليزية في المرحلة الثانوية، وإلغاء اللغة الفرنسية من المرحلة الإبتدائية، واعتماد اللغة العربية وحدها لغة رسمية في جميع المواد، كما تم إقرار قانونًا آخر بمصادرة أملاك الجهات الفرنسية في سوريا، والتي كان أغلبها ملكًا لبعثات أو رهبنات، على أن المصادرة تمت بناءً على تعويض عدال. إنهاء جميع الروابط مع فرنسا وفي عام 1948، انسحبت سوريا من "كتلة الفرنك" بمباركة من شكري القوتلي، وأخيرًا ألغت عام 1952 خلال عهد أديب الشيشكلي، امتياز بنك سوريا ولبنان ومقره في باريس، والذي من حقه لحصري إصدار العملة، وأسست مصرف سوريا المركزي، وهو ما أنهى جميع أشكال الروابط القوية مع فرنسا، ولتكون سوريا بالتالي من الدول القليلة التي وقعت تحت الانتداب أو الحماية الفرنسية، وفي الوقت نفسه لم تستمر فيها أي عنصر من عناصر الثقافة الفرنكفونية، بعد زوال الحماية أو الانتداب. الوضع السوري الحالي وبعد مرور عقوداً كثيرة على انتهاء الانتداب الفرنسي على سوريا وإعلان استقلالها التام، عاد التدخل الأجنبي في سوريا مرة أخرى عقب ثورات الربيع العربي، إلا أن هذا التدخل لم يكن عسكرياً بشكل معلن وصريح بل كان تدخلاً في الشأن الداخلي السوري، حيث انقسمت الدول الأوروبية حول الوضع السوري ما بين مؤيدي لنظام بشار الأسد وأبرزهم إيران عن طريق ميليشياتها في سورياوروسيا عن طريق سلاحها الجوي والبري الذي ادعت أنها استخدمته لمحاربة تنظيم "داعش"، وبين مؤيدي المعارضة السورية والجيش السوري الحر. مطامع أوروبا تجاه الدول العربية ومن جانبه أكد المحلل السياسي صبري سعيد، أن الاحتلال الفرنسي على سوريا عام 1920، كان وفقاً لما نصت عليه اتفاقية "سايكس بيكو" واتفاقية "سان ريمو" والتي قضت بوضع سوريا تحت الانتداب الفرنسي، وذلك عقب سقوط الإمبراطورية الفرنسية. وأضاف سعيد، في تصريح خاص ل "الفجر"، أن الدول الأوروبية دائماً لديها مطامع في الدول العربية، وخاصةً تجاه الدول التي تحتل مركزاً استراتيجياً، وغنية بالمواد البترولية مثل مصر وسوريا والعراق وغيرها. وأوضح المحلل السياسي، أن تلك الدول استغلت ثورات الربيع العربي للتدخل في شؤون البلاد العربية، والسعي وراء تحقيق تلك المطالب، لافتاً إلى أن ذلك هو السبب الرئيسي وراء عودة التدخل الأجنبي في الشأن السوري الداخلي. الغاز السبب الرئيسي وفي السياق ذاته، أكد طارق عبدالوهاب، خبير العلاقات الدولية، أن الانتداب الفرنسي على سوريا كان وفقاً لما نصت عليه اتفاقية سايكس بيكو حينها، لافتاً إلى أن معظم الدولة العربية وقعت تحت الانتداب الأجنبي خلال تلك الفترة. وأضاف عبدالوهاب، أن تورط فرنسا في الحرب العالمية الثانية، ووقوعها تحت الاحتلال الألماني، هو السبب الرئيسي لحصول سوريا على الإستقلال حينها، لافتاً إلى أن الغاز والنفط هم السبب الرئيسي في عودة التدخل الأوروبي في الشأن السوري الآن. وأشار خبير العلاقات الدولية، إلى أن رغبة روسياوإيران في الحفاظ على القاعدة الوحيدة لهما في الشرق، وتخوفهم من وصول بعض المتطرفين إلى الحكم هو السبب وراء وقوف تلك الدول إلى جانب نظام الأسد. وأوضح عبدالوهاب، أن اعتبار سوريا أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى أوروبا، سبباً هاماً لتكالب معظم دول أوروبا لمحاولة السيطرة عليها، والتمتع بموقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية في تصدير الغاز للدول الأوروبية.