وسط تحديات وآمال بعودة الهدوء، استيقظ اللبنانيون اليوم الخميس، الموافق الثاني والعشرون من نوفمبر/ تشرين الثاني، على وقع احتفالات عيد الاستقلال. فيحتفل اللبنانيون اليوم، بالذكرى ال "69" لعيد الاستقلال، حيث حصل لبنان عام 1943 على استقلاله من فرنسا، وتولى بشارة الخوري رئاسة الجمهورية.
وقد نال لبنان استقلاله التام في 31 ديسمبر/ كانون الأول 1946 اثر انسحاب الجيش الفرنسي منه، إلا أنه يحتفل به في22 نوفمبر/ تشرين الثاني كيوم للاستقلال الوطني وذلك تخليداً لذكرى حكومة الاستقلال الوطنية.
ويعد استقلال لبنان مرحلة هامة في تاريخ الدولة الحديث، حيث مر 69 عاماً على لبنان تخللها صفحات مشرقة وإنجازات عنوانها "الأمن والاستقرار"، وأخرى عنوانها "القلق من المستقبل".
التحديات
ويأتي عيد الاستقلال هذا العام، يرتدي ثوب التحديات الداخلية والخارجية، وخاصة الإقليمية منها في ظل الوضع الإقليمي وانعكاساته أمنياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
فعلى المستوى الداخلي يشهد لبنان أزمة سياسية تتمثل بمطالب عدد من القوى تغيير الحكومة، إثر اغتيال اللواء وسام الحسن الرئيس السابق لشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي شهر اكتوبر الماضي، في حين يرفض عدد من الأطراف السياسية هذا المطلب خوفا من الوقوع في الفراغ.
وفي الوقت نفسه، هناك تحديات كثيرة بوجه الاستقلال اللبناني خاصة في ظل وجود أراض لبنانية ما زالت تحت الاحتلال "مزارع شبعا" وهو ما استدعى وجود قوات دولية متعددة الجنسيات تابعة للأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان بعد الحرب الإسرائيلية عام 2006.
الجيش والتوترات
ووسط تلك التوترات الداخلية والمخاطر المتأتية من الجوار الإقليمي اتخذ الموقف الرسمي اللبناني مبدأ "دعم الجيش" من أجل مواجهة الواقع.
وأكد قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي قبل أيام أن مهام الجيش اللبناني هي الدفاع عن وطن سيد حر مستقل وطن نهائي لجميع أبنائه، وعن لبنان الجمهورية الديمقراطية البرلمانية، إضافة إلى الدفاع عن الحريات وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد والدفاع عن العدالة والمساواة.
وأعرب قهوجي في رسالة وجهها إلى العسكريين بمناسبة العيد عن التزام الجيش بالتصدي لأي صراع داخلي يتخطى الحدود الديمقراطية وأنه سيعمل على صون حق كل لبناني في إقامة آمنة كريمة في ظل سيادة القانون.
وقال: "إن المؤسسة العسكرية هي مؤسسة الثاني والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني، التي ستدافع عن كل مرتكزات هذا اليوم، كما حددتها وثيقة الوفاق الوطني وتحولت إلى مقدمة للدستور، مشدداً على أن الجيش سيتصدى بحزم لأي محاولة للنيل من المبادئ التي كرسها الدستور.
وشدد قائد الجيش على التزام المؤسسة العسكرية بالثوابت والمسلمات الوطنية المعروفة لدى الجميع، مشيرا إلى أن ذكرى الاستقلال تمر هذه السنة التي تكثر فيها الانقسامات والتجاذبات والخلافات الداخلية حيث لامس بعضها المحرمات التي تمس بالعيش المشترك.
الاستحقاقات الدستورية
وبمناسببة عيد الاستقلال، وجه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان رسالة إلى الجميع، رأى فيها ان "الإستقلال لا يستقيم إذا لم نحدد لأنفسنا مجموعة أولويات نلتزمها، وأبرزها واجب الابتعاد عن كل قول وعمل يجر لبنان إلى الفتنة الداخلية أو اتون الصراعات الاقليمية مع تعزيز مقومات قوتنا الدفاعية والتوافق على إستراتيجية للدفاع على لبنان تحافظ على دور الدولة في صيانة الشئون المصيرية، في وقت لا زلنا نسعى لإلزام إسرائيل لتطبيق القرار 1701".
وأكد سليمان في الرسالة احترام كل الاستحقاقات الدستورية وإجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها، بعيدا من أي ترهيب أو ترغيب، بصفتها خيارا أرقى من خيار التأجيل والإرجاء.
ودعا للعودة إلى منطق الحوار ونهج الاعتدال، للخروج من حال التأزم والقلق السائدة على مساحة الوطن منذ اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن، مؤكدا بموازاة ذلك السعي الحثيث والدؤوب لكشف المسؤولين عن هذه الجريمة النكراء، وعن كل من تسبب بزعزعة الأمن والاستقرار وإيذاء المواطنين الأبرياء، وسوقهم إلى العدالة.
كما شهد الرئيس اللبناني صباح اليوم الخميس، العرض العسكرى الذى أقيم بمناسبة الاحتفال، بحضور رئيس مجلس النواب نبيه برى ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي فى منطقة شفيق الوزان ببيروت.
دول الجوار
وتؤكد الجهات الرسمية التي تزور لبنان دعمها لسيادة واستقلال لبنان، في حين تطلب القوى اللبنانية حتى الرسمية منها الطلب من دول الخارج دعم سيادة لبنان في كل مجال ومقال وهو ما يؤكد أن لبنان يسعى دائما لصون هذا الاستقلال من المخاطر المحدقة به.
ومن جانبها، أكدت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية بمناسبة الاحتفالات، التزام الولاياتالمتحدة باستقلال وسيادة واستقرار لبنان في ظل ما يواجهه من تحديات إقليمية وداخلية.
كما أكدت كلينتون على إيمان الولاياتالمتحدة الراسخ بضرورة الحفاظ على لبنان يتمتع بالسلام والازدهار والديمقراطية والاستقرار من أجل أمن الشعب اللبناني والمنطقة.
وأضافت كلينتون أن الولاياتالمتحدة ستواصل تعميق التعاون بين البلدين ومؤسساتهما في إطار مساعدة لبنان على بناء مستقبل يقوم على الحرية والأمن والرخاء.
وقالت كلينتون: "يسعدني نيابة عن الرئيس أوباما والشعب الأمريكي ارسال أطيب التمنيات لشعب لبنان وهو يحتفل بالذكرى السنوية لاستقلاله".
ولم يكن لبنان بمعزل عن مساعدة الدول الخارجية لصون أمنه واستقلاله طيلة العقود المنصرمة التي تلت الاستقلال كما حدث إبان "اتفاق الطائف"، وهو الاتفاق الثلاثي الذي تم التوصل إليه بمدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية في 30 سبتمبر 1989 ومنح لبنان مزيداً من الاستقرار والهدوء.
سداد الفاتورة
وقد نال اللبنانيون الاستقلال بعد سداد فاتورة مليئة برجال جاهدوا وعملوا لاستقلال وازدهار لبنان ومنهم المفكر كمال جنبلاط "العام1977" ورئيسا الوزراء الأسبقان رشيد كرامي "العام 1987" ورئيسا الجمهورية الأسبقان بشير الجميل "العام 1982" ورينيه معوض "العام 1989"، ومفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد "العام 1989" ورفيق الحريري "العام 2005" وغيرهم.
وكان استقلال القرار اللبناني عن الخارج سواء عن الجوار الإقليمي أو الدول الغربية مدار إشكالية عنوانها الأبرز "الانتماء للبنان بين الفرقاء السياسيين والربط بين المواطنة وعلاقتها بالاستقلال".
ورأى عدد من المراقبين أن استقلال لبنان بقراره مرحلة هامة في تاريخ الدولة الحديث بل يرون أن فترة ما بعد رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري قد مهدت الطريق لاستقلال القرار اللبناني عن الجوار الإقليمي ومحطة هامة في مسيرة الاستقلال اللبناني عن القرار الخارجي، وفور ذيوع خبر وفاة الحريري سارت مظاهرات في عدد من شوارع بيروت تردد عبارات "حرية، سيادة، استقلال".
عيد الاستقلال
ويرمز يوم الاستقلال إلى تحرر لبنان مما عرف ب "الانتداب الفرنسي" الذي استمر منذ العام 1920وحتى 1943 وهي فترة حكم فرنسا للبنان التي نتجت عن الحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبراطورية العثمانية وفقا لتقسيمات اتفاقية "سايكس-بيكو" والتي تم تأييدها لاحقا بقرارات من عصبة الأمم صدرت عام 1920 و أجازت نظام الانتداب على المناطق العثمانية المتفككة بحجة المساعدة في إنشاء مؤسسات للدول الجديدة.
واتحد اللبنانيون معا فيما عرف بالميثاق الوطني اللبناني وأعلنوا استقلال لبنان تحت اسم الجمهورية اللبنانية.
وأعلن اللبنانيون عن استقلال لبنان عام 1943 وانسحبت القوات الفرنسية كليا بحلول 17 ابريل 1946 "وهذا التاريخ يسمى عيد الجلاء في لبنان احتفاءً بجلاء آخر جندي استعماري عن البلاد".
وبعد ذلك أثبت لبنان نفسه دولياً بمشاركته بتأسيس هيئة الأممالمتحدة سنة 1945 وجامعة الدول العربية سنة 1947.
ويرمز استقلال الوطن إلى سيادة الشعب على أرضه، وإلى قراره الحر المعبّر عن إرادته بعيداً عن التدخلات والتأثيرات الخارجية، إضافةً إلى توفر دعائم أساسية ليكون كاملاً ولعل أبرزها الإرادة الوطنية الجامعة بعيداً عن التشرذم والانقسام. مواد متعلقة: 1. قوى سياسية لبنانية وفلسطينية تنظم اعتصاما حاشدا دعما لغزة 2. تظاهرة لبنانية تحذر من ال"حرب الأهلية" 3. الجيش اللبناني: سنتصدى لأي صراع داخلي