التوحد أو الذاتية.. مرض عصبي صعب، لم يعرف له العلماء أسباب محددة، وكذلك لم يعرفوا له علاجاً شافياً، لكن المجهودات العلمية ما زالت مستمرة لتحديد أسبابه على وجه الدقة والتوصل لعلاج معروف، اهتمت به السينما في كل أنحاء العالم في جهود للتوعية به وبمدى صعوبته، لذلك خصصت الأممالمتحدة يوم الثاني من أبريل للتوعية بمرض التوحد، وذلك لمساعدة المرضى وأسرهم على التعايش مع محنتهم الصعبة بطريقة أسهل. تعريف بالتوحد ويتم تشخيص الإصابة بالتوحد في عمر مبكر جداً يكون عادة قبل بلوغ الثلاث سنوات من العمر، حيث يظهر الطفل مجموعة من الأعراض التي تشير لإصابته بالمرض، على اختلاف حدته من طفل لآخر، وتظهر جميع الأعراض في سلوكه الاجتماعي. فمثلاً نلاحظ عدم اندماج الطفل مع محيطه الاجتماعي كمن هم في سنه، فهو مثلاً لا يستجيب لأصوات عائلته بالرغم من صحة حاسته السمعية، وهو أيضاً غير قادر على مشاركتك النظر أو الاهتمام بشيء ما، حيث أن عادة الأطفال جذب انتباه الآخرين إلى شيء يهمهم بالنظر إليه طويلاً، لكن الطفل المصاب بالتوحد لا يستطيع فعل ذلك. ولا يقوم الطفل المصاب بالتوحد بتقليد أصوات الآخرين أو الانفعالات التي تظهر على وجوههم عند الشعور بأي شيء، كما أنه غير قادر على إقامة التواصل البصري مع الأشخاص في محيطه، ويجد صعوبة في الإيماء أو الإشارة بيديه إلى شيء ما. الطفل المصاب بالتوحد يجد في صعوبة في الكلام، فعادة ما يتأخر في النطق والكلام، كما أنه يجد صعوبة في تكوين جملة من كلمتين، لكن بإمكانه بسهولة ترديد ما يقوله الآخرين. صعوبة في تغير روتين الحياة دائماً لديه طقوسه ويجد صعوبة في تغير روتين حياته، فمثلاً ستجد لديه عادة معينة يكررها أثناء الأكل، وغالباً ما يفضل الأكل في طبق معين، يمكن لتغييره أن يتسبب في مشكلة وأزمة بالنسبة له، وهذا ينطبق على كل تفاصيل حياته مهما كانت صغيرة. يمكن للطفل أن يظهر وكأنه طفل طبيعي فيما يخص اللغة وتعلم المهارات، لكنه بمرور الوقت يبدأ بفقد هذه المهارات، وينسى الكلمات التي تعلمها، كما أنه لا يتفاعل عاطفياً مع المحيطين به، فالطفل الطبيعي يقوم مواساة من يبكي ويضحك مع من يضحك حوله، الطفل المصاب بالتوحد غير قادر على فعل ذلك. لا يتفاعل عاطفيًا كان هناك معتقد خاطئ بأن الطفل المصاب بالتوحد ليس لديه مشاعر أو أحاسيس لذلك هو لا يتفاعل عاطفياً، ولا يكون علاقات اجتماعية قوية مع المحيطين به، لكن مؤخراً ثبت خطأ هذا المعتقد، المصاب بالتوحد غير قادر على إقامة العلاقات لكن هذا ليس بسبب انعدام مشاعره، بل لأنه يجد صعوبة في التعبير عن مشاعره للآخرين، فهو عادة ما يكون علاقة معقدة وقوية جداً مع الشخص الذي يقدم له الرعاية مثل أمه مثلاً. يقوم الطفل بأداء حركات لا إرادية متكررة أغلب الوقت، مثل التأرجح للأمام والخلف، والرفرفة بيدية وكأنها جناحان، وأحياناً يجد صعوبة في البقاء ساكناً، كما أنهم يجدون صعوبة في اللعب بألعابهم بشكل تخيلي، فهو مثلاً لا يستطيع تخيل القطار وهو يتحرك لكنه لابد أن يحركه بيديه ليراه يتحرك. يجد الطفل صعوبة في الشعور بالألم، فمن الصعب أن يشعر بالألم كبقية الأطفال، لكن الضوضاء تزعجه بشكل كبير، ومن المعروف أن الأطفال المصابون بالتوحد يصابون بنوبات غضب يمكن فيها أن يقوموا بأذية من حولهم أو حتى أنفسهم. أسباب الإصابة بالمرض لم يحدد العلماء أسباب للإصابة بالتوحد على وجه الدقة، لكن السبب الأول يرجع إلى سبب جيني، فمثلاً أن يكون أحد أفراد العائلة مصاب به، أو مصاب باضطرابات ذهنية وعصبية، كما أن نسبة إصابة الذكور بالتوحد أعلى من الإناث. لكن تشخيص الإصابة بالتوحد ليس بالأمر السهل، فلابد أن يجمع الطفل أكثر من خمسة أو ست أعراض حتى يستطيع الطبيب تشخيص الإصابة، التي يختلف شكلها ومدى حدتها من طفل لآخر. علاج التوحد لم يجد العلماء علاج نهائي لمرض التوحد، وليس هناك طريقة موحدة للعلاج في كل الحالات، فكل حالة هي حالة خاصة منفردة بذاتها لها طريقة خاصة في العلاج، لكن الجزء الأهم والأكبر في العلاج هو الجزء السلوكي، فيتلقى الطفل معالجة سلوكية للتعديل من سلوكه ومهاراته، ومعالجة نطقه، وتغيير نظامه الغذائي إلى آخر مناسب، وأحياناً يلجأ الأطباء إلى بعض الأدوية للتخفيف من حدة الأعراض. والجزء الهام أيضاً في العلاج هو توعية أهل المريض وذويه بحالته، وتأهيلهم للتعامل، لأنه يحتاج إلى معاملة ورعاية خاصة أصعب من تلك التي يحتاجها الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة. والعلاج في النهاية لا يهدف إلى الشفاء، لأنه مرض مزمن لا يشفى منه المريض بل يظب معه طوال حياته، لكن الهدف منه هو تأهيل المريض للاعتماد على نفسه في تلبية احتياجاته الأساسية، وتقليل اعتماده على الآخرين مع التقدم في العمر. أرقام وإحصائيات تقول الدراسات والإحصائيات أن أعداد المصابون بالتوحد في ازدياد كبير ومستمر، حيث أشارت الدراسات عام 1970 أن من بين كل 1000 طفل يوجد طفل واحد مصاب بالتوحد، أما الآن فبين كل 1000 طفل يوجد 68 طفل مصاب بالتوحد. لم يستطيع العلماء تحديد أسباب ازدياد الإصابة بالمرض، لكن المؤكد أن في السابق كان هناك ضعف حاد في القدرة على تشخيص المرض، فكان يتم تشخيص الكثير من الحالات على أنها أمراض عصبية أخرى، لكن الآن الوعي بالمرض أصبح أكبر بكثير، وتشخيصه بات أسهل. كما أثبتت دراسة سويدية حديثة أن المصابين بالتوحد غالباً ما تكون أعمارهم أقصر من الأشخاص الطبيعيين بمتوسط حوالي 16 عام، وأنهم أكثر عرضة للانتحار بسبب الأدوية التي ينصح بها لهم للتخفيف من حدة أعراض المرض، أو مضادات الاكتئاب التي يحتاجونها أكثر من الأشخاص الطبيعيين. علماء ومشاهير مصابون بالتوحد على الرغم من أن التوحد يعتبر مرض عصبي ويصيب العقل باعتلال ما، إلا إنه أحياناً يعطي المصابين به مواهب خاصة لا يتمتع بها الأشخاص العاديين، فإذا نظرنا إلى قائمة المشاهير أو أبرز العلماء والعباقرة الذين عرفتهم البشرية سنجد أن عدداً منهم كانوا مصابين بالتوحد أو طيفه
"بيل جيتس" صاحب شركة مايكروسوفت، أكبر شركة إلكترونيات بالعالم، يعاني من متلازمة اسبيرجر، وهي درجة خفيفة من التوحد.
"ألبرت أينشتاين" عبقري الفيزياء، عانى من متلازمة اسبيرجر في طفولته، لكنه لم يجد صعوبة في التعلم، لكنه ظل يردد الجمل بشكل لا إرادي طوال حياته، وكان يفضل التعامل مع الأشياء لا الأشخاص، وكان يتهم بالغباء على الرغم من أنه حل الكثير من ألغاز الكون، وعند تشريح مخه بعد وفاته، وجد العلماء أن مخه يحمل علامات إصابته ببعض علامات التوحد.
"إسحق نيوتن" أجمع المؤرخون على أنه كان يعاني من التوحد، حيث كان يتجنب الاختلاط بالناس، ويجد صعوبة في التفاعل معهم، وأصيب قبل وفاته بالاكتئاب.
"فان جوخ" واحد من أشهر الرسامين في العالم، حيث تعتبر لوحاته الأشهر والأغلى، وكان يعاني من اضطرابات مرض التوحد. "توماس إديسون" مخترع المصباح، والكثير من الأجهزة الأخرى، عانى من صعوبة في تعلم القراءة حتى الثانية عشرة من عمره، كما وجد صعوبة في الكتابة طوال حياته. "نيكولا تسلا" واحد من أهم العلماء في تاريخ البشرية، وخاصة في مجال الطاقة الكهرومغناطيسية، وساهم في بداية اكتشاف الموجات التي تنتقل عبر الهواء مثل الواي فاي والبلوتوث، يقال أنه كان لديه بعض أعراض الإصابة بمرض التوحد. "تشارلز داروين" من أهم علماء الحيوان في العالم، صاحب نظرية الانتخاب الطبيعي أو التطور. "لودفيج فان بيتهوفن" من أعظم الموسيقيين في العالم، كان له الفضل في تطوير الموسيقى الكلاسيكية، وقدم أول مقطوعة موسيقية وهو في الثامنة من عمره. "فولفغانغ أماديوس موزارت" واحد من أهم مؤلفي الموسيقى في العالم، قاد أوركسترا وهو في السابعة من عمره، ألف أكثر من 626 مقطوعة موسيقية، على الرغم من أنه مات في سن مبكرة، فقد مات عن عمر يناهز 35 سنة.