يواصل عملاء تنظيم "داعش" تجنيد شبان بمدينة مولنبيك في بروكسل عاصمة بلجيكا، حيث يخالطون الحشود ويبادرون إلى التحدث مع شبان في الشارع مراهنين على "مشاعرهم بالإحباط".
وبين الدول الأوروبية، انضم من بلجيكا عدد كبير من الشباب إلى صفوف التنظيم الإرهابي في سوريا نسبة إلى تعدادها السكاني البالغ 11 مليون نسمة.
وزاد عدد المقاتلين القادمين من بلجيكا عن 500 منذ 2011، وباتت بلدة مولنبيك الشعبية تعتبر بمثابة وكر للجهاديين، بعدما تبين أن عددا من الانتحاريين والمدبرين الذين نفذوا وخططوا لاعتداءات 13 نوفمبر في باريس يتحدرون منها.
وروى صفيان (18 عاما) الذي يبحث عن عمل في أجهزة الأمن، أن أي عنصر لم يحاول تجنيده، غير أن مجندين تحدثوا إلى العديد من أصدقائه، سواء في وسط الشارع أو في منتزهات أو ردهات مبان في مولنبيك.
وأوضح لوكالة فرانس برس: "نقول لأنفسنا في بادئ الأمر أنهم أشخاص كسواهم، قد يكونوا ودودين لكننا نلاحظ في النهاية أن لديهم أفكارا متطرفة.. نفهمهم من دون تأخير، يقولون تعال معنا إلى سوريا، هنا حياتك هباء".
وتابع: "الأمر نفسه يحصل عبر الإنترنت، وهم لا يخفونه، سواء على فيس بوك مع الصور، أو عبر الرسائل التي ينشرونها أو حتى أشرطة الفيديو التي يتشاركون بها".
وأوضح الموظف الحكومي أوليفييه فاندرهيجن أن "هناك بيئة اجتماعية خاصة تجعل المجندين ينشطون بسهولة أكبر دون أن يتم اعتراضهم في مولنبيك، أكثر منها في بلدات أخرى".
وأضاف فاندرهيجن "حين يحاول الشرطيون القيام بعمليات رصد هنا، يتم كشفهم هم أنفسهم خلال نصف ساعة من جانب الشبان"، مضيفا "من الصعب للغاية القيام بعمليات تعقب، والمجندون أدركوا ذلك جيدا"، لكنه يؤكد رغم ذلك "من الواضح أن داعش تجد صعوبة متزايدة في التجنيد في الأحياء".
أدركت السلطات وجود هذه الظاهرة منذ سنتين، وأوقفت عددا من الدعاة الواسعي النفوذ الذين كانت شبكاتهم لنقل مقاتلين إلى سوريا في صلب محاكمات مدوية.
لكن مساعدة رئيس البلدية المكلفة الشباب سارة تورين قالت إنه منذ ذلك الحين "بدأ طراز من التجنيد أكثر تخفيا".
وبعدما كان حوالي 10 شبان بلجيكيين ينتقلون كل شهر إلى سوريا في 2013 و2014، انخفض هذا العدد إلى 5 في الشهر عام 2015.
وبحسب أرقام "المركز الدولي لمكافحة الإرهاب"، وهو مكتب دراسات مقره في لاهاي، فإن مولنبيك التي تعد حوالي 40 مقاتلا أجنبيا أو شابا متطرفا مدرجين في ملفات أجهزة الاستخبارات، أرسلت 24 مقاتلا منذ 2011 إلى سوريا.
غير أن "تورين" تلفت إلى أن عددا من منفذي اعتداءات باريس في نوفمبر وبروكسل في مارس لم يغادروا يوما للقتال في سوريا، مشيرة إلى أن القاسم المشترك بينهم هو بالأحرى ماض طويل من الجنوح والجرائم والسجن، وهو ما ينطبق على الشقيقين إبراهيم وصلاح عبدالسلام المتحدرين من مولنبيك.
وتابعت: "العبرة الواجب استخلاصها من الاعتداءات هي أن داعش ينجح في تعبئة شبكات إجرامية قد لا تكون على ارتباط عقائدي به، ولم تغادر حكما إلى سوريا، شبكات إجرامية تقليدية تقبل بالمشاركة في تدبير اعتداءات هنا".
ويقول فاندرهيجن إنه بالنسبة إلى بعض الشبان العائدين من سوريا "نلاحظ أن السجن في بلجيكا هو المكان الذي يرسخون فيه مسارهم في التطرف وينجزونه، فيتحولون فعلا إلى خطر على المجتمع".
وسعيا لتفادي رحيل الشبان إلى سوريا، تم تدريب العاملين الاجتماعيين لرصد التغيير في السلوك الذي يشير إلى تطرف شاب ما، إذ أنه عادة يغادر تدريجيا مدرسته وناديه الرياضي، ثم ينفصل عن شلة أصدقائه، وصولا إلى انسحابه من الأماكن العامة.
ويرى صفيان الذي نشأ في وسط مولنبيك التاريخي الأشبه بدهليز من الأزقة الضيقة تتخللها ساحات ومنتزهات وتسكنها غالبية من السكان المتحدرين من أصول مغربية، أن "الأكثر هشاشة، الأكثر بساطة، هم الذين يقعون في الفخ".
وهذا ما ينطبق على أنيس، الشاب المثالي الذي كان يعاني أزمة نفسية، سرعان ما ندم على رحيله إلى سوريا في سن 18 عاما، بحسب والدته، وقد قتل هناك في فبراير 2015 في غارة شنها التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش".
ووالدته جيرالدين هينيجن من مؤسسي جمعية شكلتها عائلات رحل أحد أبنائها إلى سوريا.
وتقول "من الضروري أن نعمل مع الشبان، أن نقول لهم بحزم أن لهم مكانهم في المجتمع البلجيكي، وأن نتوقف عن القول إنهم متحدرون من أصول مهاجرة".