يعتبر عيد الأم بمصر من المناسبات التي ينتظرها الجميع، ويحرص على الاحتفال بها أغلب طوائف المجتمع المصري لما تمثله هذه المناسبة من أهمية خاصة؛ للتعبير عن الحب وتقديرا لدور وعطاء الأم في حياة أبنائها وتقديرًا لما قدمته من تضحيات من أجلهم في سبيل رعايتهم والحفاظ عليهم. لذا رصدت «الفجر» حكايات أمهات في عيد الأم، وكيف استطاعوا أن يتحملوا متاعب الحياة للنهوض بأبنائهم، والوصول بهم إلى بر الأمان، والحديث عن أمنياتهن في هذا اليوم. «زينب» سبعينية حرمتها الظروف من أحلامها بوجه يملأه الرضا؛ يرتسم بضحكة ممزوجة بالأمل، تفتح «زينب .م»، ذات السبعة وستون عاماً، شباك حجرتها كل صباح، تنظر بعيون آمله إلى السماء، تداعب نور الشمس، داعية ربها بحمدٍ كثيرٍ أن يديم عليها العديد من النعم التي كانت تغفل عنها أو ربما لا تعلم أنها تحمل العديد من الخير لها؛ فتشرد قليلاً لتتذكر كيف وهبها الله القوة التي استطاعت بها أن تواجه مرضها وظروفها المعيشية، وأن تستخدمها لتكون هي نفسها شعاع النور الذي يبعث بارقة الأمل لدى الكثيرين فتوهبهم حياة فوق الحياة التي وهبها الله لهم. منذ ست سنوات مضت، أصيبت «زينب .م» بانزلاق غضروفي في الركبة؛ لاسيما بعد زواجها بعمر صغير، فقد كانت مجرد طفلة لم تتجاوز الثانية عشر من عمرها حين أن تزوجت في ذلك الوقت بالكاد بدأت عينيها البريئة تفتح وترسم العديد من أحلام الطفولة كمثل باقي من في عمرها، لكن حرمتها الظروف من الكثير من أحلامها وحقوقها الطفولية المشروعة، فتقول: «شلت المسئولية بدري أوي، ومن عمر عشرون سنة وأنا تعبانة وركبتي بتتعبني، وذادت بعد وفاة جوزي، خاصة إنه سابني أربي أولادي لوحدي، فبدأت أبيع خضار إلى أن الحال صعب عليا والعيشة كانت مرة خاصة أن عندي 8 أولاد خمسة بنات، وتلاتة ولاد، وأبوهم سابهم ليا أشقى عليهم وأنا معنديش لا أب يساعدني، ولا سند اتسند عليه، فاعتمدت على نفسي..وقولت يارب». ففي ركن صغير بسوق السيدة عائشة، تجلس «زينب» تحت مظلة، تحمي «موزها» من لهيب الشمس، تمر ساعات دون أن تبيع كثيرًا، وتظل فرشتها كما هي ما بين الحين والآخر، ومع نهاية كل يوم، تراودها مخاوف من استمرار الحال كما هو: «ماليش مصدر رزق تاني، هاعمل إيه؟»، متمنية:«كان نفسي يجيلي جلابية بس أنا مقدرة ظروف ولادي». فباتت سيدة عجوزاً سبعينية ولم يتغير حالها، حتى مرضها يزيد يومًا بعد يوم، لاسيما في الجلوس أوقاتًا كثيرة تحت مظلتها، فتروي: « ربيت أولادي أحسن تربية، فبعضهم حصل على دبلومات فنية، وابنتي الكبرى حصلت على معهد خدمة اجتماعية، واحد فقط لازال في دبلوم فني صناعي»، مضيفة أولادها حاولوا كثيرًا اقناعها بالجلوس في المنزل، وهم يقوموا على راحتها مثلما فعلت معهم، لكنها تدرك مدى مصاعب الحياة، ولازالت تساعدهم حتى الآن، لاسيما ابنها ذو العشرون عامًا متزوج حديثًا وعليه أعباء كثيرة، خاصة بعد زواجه: «كل ما أقول هانت بتصعب أكتر.. وأهو مكملة وبقول يا رب».
«بثينة» وتربية 7 أبناء وببسمة تملؤ وجها تروي« بثينة حلمي»، القاطنة في منطقة السيدة عائشة قصتها: « عندي سبعة أولاد، اتخرج أربعة ولازال اتنين لسه في التعليم واحد في ستة ابتدائي، وواحدة في رابعة ابتدائي، وجوزت ثالث بنات، وابني الكبير مريض عنده شلل في رجله وقاعد في البيت، وزوجي طلقني وأنا بولد البنت الأخيرة، وبعديها توفى، فخرجت لشارع مالقتش غير إني أبيع أحذية بلاستيك، علشان آكل وأعلم ولادي.. وعلمتهم أحسن تعليم حتى ابني المريض حاصل على كلية تجارة، وبناتي مؤهلات عليا، وأهو بشد حيلي مع الصغيرين ومعاهم للنهاية»، مضيفة أن الفضل يعود إلى كرتونة الأحذية البلاستيكية التي تبيعها. وعن أمنيتها بعيد الأم، قالت المرأة الأربعنية: «نفسي الحكومة تسيبنا في حالنا فارشين في الشارع.. وناكل عيش..غير كده مفيش»، مضيفة أنها تدفع إتاوة الرصيف، وتواصل عملها ، وتعود كل يوم إلى منزلها مجهدة عقب حلول الليل. «فوزية» ورحلة شقاء يومية بينما في الثالثة فجراً تستيقظ من نومها مسرعة، تهيئ بضاعتها «الحمام.. وإعداد الفطير»، متجهة إلى صوب باب غرفتها الصغير، بمنطقة السيدة عائشة منتظرة «التروسيكل»، يصحبها إلى سوق المنطقة، لتجهيز بضاعتها بالسوق، قبل شروق الشمس. حيث هبطت «فوزية عبد الوهاب» من محافظة الفيوم منذ عشرون عامًا، بعد أن صارت العائل الوحيد لأسرتها، فترة طويلة قضتها بالشارع وسط صعوبات تواجهها وإهانات تصبر عليها، فهي العائل لأسرتها، رغم وجود زوجها على قيد الحياة، لكنه «لا يقدم ولا يؤخر» حسب قولها، يرفض العمل ويكتفي بنفقات قليلة يقضى بها حاجته اليومية من «أكل أو دخان»، وهي من تصرف على أولادها الستة، لاسيما في وجود أحفادها التي تربيهم ويعيشون معها بشبه يوميا؛ لضيق حالة أولادها. ولفتت «فوزية»، أن عقب انتهاء يومها تجلس لتحسب كم جنيهًا كسبته: «بأشوف بعت كم فطيرة، وكم حمامة، وأفضل أحسب طلع ليا كام، وممكن المكسب في الآخر مايكملش خمسون جنيه، هاكل بإيه وأشرب بإيه.. وده حال ناس كتيره لما قرّبنا نشحت»، مشقة صعبة تحملتها: «من يوم ما اتجوزت وأنا شاربة المُر، وكافحت لحد ما جوزت بناتي الخمسة والواد، واتنين فيهم بختهم طلع مايل وجوزهم طلقهم، وقاعدين معايا بعيالهم».