فارق البصر إحدى عينيها فزادها عبئاً وجعل حياتها مثقلة بالهموم، اللون الأسود لم يفارق جسدها منذ رحيل زوجها حزناً ووفاءً للرجل الذى كانت تعيش فى كنفه آمنة، كانت زينب محمد، التى تجاوز عمرها السبعين عاماً، تحلم بالعيش كأى ربة منزل فى بيتها معززة مكرمة لكن القدر لم يمهلها تحقيق حلمها، فزوجها أصيب بمرض خطير فارق على أثره الحياة ليتركها هى وأطفالها الصغار دون مورد رزق. لم تستسلم «زينب» لظروفها وخرجت للعمل من أجل تربية أبنائها، وبعد أن شق أولادها طريقهم فى الحياة، ظنت أنه قد حان وقت الراحة، لكن الحال لم يتغير، فابنها الكبير أصيب بمرض فى القلب وابنه أصيب بشلل، فتركت الراحة التى لم تهنأ بها إلا قليلاً وعادت إلى سوق العمل لتكون خير معين لابنها وحفيدها، وزاد الأمر صعوبة إصابة ابنتها بمرض السكر وانتقالها للإقامة معها لتكون مرافقة لها فى مرضها الذى ازدادت مضاعفاته، تحكى «زينب» مأساتها بقولها: جوزى مات وسابنا وحدنا، نزلت اشتغلت لحد ما عيالى كبروا واتجوزوا، ودلوقتى عايشة مع بنتى عشان ماتقلش على ابنى كفاية عليه اللى هو فيه». لحظات من الصمت المرير تمر على العجوز قبل أن ترفع جلبابها الأسود المهترئ لتكشف عن ساقين أكلهما المرض: «ماحبتش أكون تقيلة على جوز بنتى كتر خيره هو شغال على باب الله والعيشة غالية ومصاريف العلاج كتير، وأنا عندى السكر اللى خد منى نور عينى والمرض بقا ياكل من جسمى قلت أجيب شوية بضاعة أبيعها أحسن ما أمد إيدى». لم تحلم العجوز يوماً بأكثر من أن تموت فى منزل يسترها وعلبة دواء تخفف من آلام المرض وتكفيها ذل السؤال: «نفسى الرئيس السيسى يشوف حالى ويساعدنى، نفسى أموت فى بيت مقفول عليا مش فى الشارع».