صدر حديثًا عن نهضة مصر، كتاب " اللغة كيف تحيا؟ ومتى تموت؟" للدكتور محمد داود أستاذ الدراسات اللغوية بجامعة قناة السويس ، ويُعد الكتاب إتمامًا للبحث الذي بدأه المؤلف في كتابه "اللغة والقوة والحروب اللغوية". وأشار المؤلف في مدخل الكتاب إلى قصة تأليفه وهي حينما كان في إنجلترا في جامعة ليدز لمهمة عملية، أقام نقاشات عديدة مع أساتذة التخصص هناك، وكان تلاميذ العلامة اللغوي "ديفيد كريستال"، وأثار الكتاب في عقل المؤلف أسئلة محورية مستحقة في هذا المعنى، منها: كيف تموت اللغة؟ وهل حقًّا تموت أم أنها تختفي؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي كانت تشغل فكر ووجدان المؤلف حول هذا الموضوع؛ ومن ثَمَّ كان تحدث المؤلف عن حياة اللغة والمقصود بحياة اللغة، والأوضاع التي تخضع لها اللغات في وجودها، ثم ذكر عددًا من الأوضاع، منها: (اللغة الرسمية، اللغة الوطنية، التعدد اللغوي الاستراتيجي، عدم التمييز بين اللغات). وتطرق المؤلف إلى نقطة مهمة، ألا وهي تباين حالات اللغة الرسمية في علاقاتها باللغات الأخرى، فذكر من ذلك حالات على سبيل المثال، منها: (حالة الانسجام، حالة التوافق، حالة الصراع والتصادم)، وعرض المؤلف سؤالًا، ألا وهو .. كيف تحيا اللغة؟ فبيَّن أن من سمات اللغة أنها متغيرة، ثم أشار إلى أن قوة اللغة من قوة أهلها. وتناول كذلك قضية صراع اللغة من أجل البقاء، وأشار إلى المراحل التي تمر بها اللغة في حياتها وبين أنها تبدأ أولى خطواتها ضعيفة كالطفل، ثم تنمو شيئًا فشيئًا، حتى تصبح يافعة، ثم تدخل مرحلة الشباب والعنفوان، وهي مرحلة الترحال والسفر والاحتكاك مع الآخرين، ثم تأتي مرحلة الاستقرار والازدهار والتطور، وذكر مثالًا على ذلك بالإنجليزية الشكسبيرية القديمة، التي تحولت بمرور الوقت إلى الإنجليزية التي نعرفها اليوم، ثم ذكر أن اللغة يطرأ عليها ما يطرأ على الكائنات الحية من الوهن والضعف؛ ومن ثّمَّ البقاء أو الموت، كذلك فإن بعض اللغات كما أشار المؤلف لها القدرة على التكيف والتأقلم والاندماج ببيئات جديدة. كما تحدث عن اللغة وعوامل الغلبة والانتشار، فذكر أن اللغات تتصارع مع بعضها كما يتصارع البشر، ويكون نتاج ذلك إما السيطرة، وإما التقهقر، وإما التمازج والاقتراض بين اللغتين، أو التعايش معًا جنبًا إلى جنب دون غالب أو مغلوب، ولا شك أن البقاء في النهاية يكون للأقوى. ويتساءل المؤلف: هل حقًّا تموت اللغة؟ ومتى تموت؟ وكيف تموت؟ ثم ذكر أن هناك لغات اختفت ثم عادت ثانية وكانت العبرية نموذجًا لذلك. وهناك لغات تموت ثم لا ترجع ثانية كما أكد ذلك اللغويون حيث ذكروا أن هناك نحو 30000 (ثلاثين ألف) لغة وُلدت واختفت دون أن تترك أثرًا منذ 5000 (خمسة آلاف) سنة على الأقل، ثم بدأ المؤلف يجيب عن هذه الأسئلة التي ذكرها، فقال: إن اللغة تموت عندما يتوقف أهلها عن التحدث بها، وذكر نماذج على هذا الأمر، منها: "بوجون" الذي كان يعيش في إقليم أداماوا بالكاميرون والذي كان يتحدث بلغة تسمى كاسابي، فلما مات بوجون مات كاسابي وإلى الأبد. وكان من أكثر نقاط الإثارة في هذا الكتاب - طرح المؤلف للعديد من التساؤلات، فبالإضافة على التساؤلات التي ذكرناها آنفًا، نجده قد ذكر تساؤلات أخرى متعددة، منها: ما أنماط موت اللغة؟ فذكر آراء في ذلك، منها أن اللغة تموت في ثلاثة أشكال، هي: 1- أن تموت اللغة موتًا طبيعيًّا. 2- انتحار اللغة. 3- موت اللغة بالتسمم. ثم ذكر المؤلف سؤالًا آخر وهو ما مستقبل اللغات في العالم؟ فذكر في ذلك إحصاءً قام به مايكل كراوسي أستاذ بجامعة ألاسكا يقول فيه: "أعتقد أن النتيجة المنطقية والمعقولة وفقًا لما تجري عليه الأمور الآن هي أن القرن المقبل (الحالي) سيشهد موتًا محققًا ل 90% من اللغات البشرية". بالإضافة إلى العديد من الموضوعات الأخرى التي تعرض لها الكتاب بالطرح، والجدير أن طبعة الكتاب هي الأولى وستعرض في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام .