لا صدمة فى مصر أكثر من أن يكون الموت فى انتظار الطفل بمجرد ولادته ومجيئه للحياة بسبب «بيزنس التطعيم»، الذى يجبر الأهالى أحياناً على عدم تلقين صغارهم الأمصال اللازمة لوقايتهم من الأمراض بسبب ارتفاع أسعارها. فلا يعقل أن يكون هناك 25 % من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، مفتقدين كل أشكال الحياة الآدمية، ومع ذلك تثقلهم الحكومة بأعباء مادية لا يتحملونها، لكنهم فى النهاية مضطرون على تحملها حفاظاً على حياة صغارهم، أو أنهم يسلمون أمرهم إلى الله إذا كانوا لا يملكون سعر هذه التطعيمات. التطعيمات فى مصر بعضها «إجبارى» تصرف بالمجان وتكون مدونة فى بطاقة ميلاد الطفل على مراحل تبدأ من عمر يوم واحد وتصل إلى 6 سنوات، ويصل عددها إلى 24 تطعيماً للوقاية من أمراض الدرن، وشلل الأطفال، والالتهاب الكبدى، والثلاثى البكتيرى «دفتريا– تيتانوس– سعال ديكى»، ولقاح الثلاثى الفيروسى «الحصبة – الحصبة الألمانى والغدة النكافية». لكن ما لا تعرفه معظم الأمهات أن هذه التطعيمات لا تقى الأطفال من جميع الأمراض، بل هناك قائمة أخرى تسمى «التطعيمات الاختيارية» لا تصرف بالمجان بل تشتريها الأسر لصغارها بأسعار تصل تكلفتها إلى 3 آلاف جنيه حتى يبلغ الطفل عامين من عمره. قائمة التطعيمات الاختيارية تضم أصنافاً عديدة منها « المكورات الرئوية» التى تقى من البكتيريا المسببة للحمى الشوكية، والتهاب الأذن الوسطى، ويتراوح سعرها ما بين 225 و350 جنيهاً، وينبغى أن يطعم بها الأطفال فى عمر شهرين. وبعد شهرين من تعاطيه المكورات الرئوية، ينبغى أن يطعم الطفل ب«الروتا» التى تقيه من النزلات المعوية الحادة أو إصابته بالجفاف، ويتعاطى جرعتين على الأقل سعر الواحدة يتجاوز ال300 جنيه. وبعد أن يبلغ الطفل 6 أشهر يطعم بمصل آخر ضد فيروس «الروتا» يتراوح سعره ما بين 260 و350 جنيهاً، ثم تزداد الأعباء تدريجياً بمجرد وصوله إلى سن 12 شهراً، حيث ينبغى تطعيمه ضد الجديرى المائى، بجرعتين سعر الواحدة منها 300 جنيه، بالتوازى مع تطعيمه جرعتين بمصل آخر ضد الالتهاب الكبدى الوبائى سعر الواحدة منها 75 جنيهاً. وما أن يبلغ عامين يتعاطى أمصال تتجاوز تكلفتها ال 900 جنيه. المشكلة أن أغلب الأسر المصرية ربما لا تهتم بهذا النوع من التطعيمات ربما لأسباب تتعلق بجهلهم بها من الأساس، أو بارتفاع أسعارها، وهو ما أكدته نسمة عبد العظيم، أم لطفلة عمرها عامين، قائلة: كنت سأفقد فلذة كبدى بسبب عدم تطعيمها بالأمصال الاختيارية، فأنا لم أكن أعرفها من الأساس، ورغم أننى كنت دائماً ما أتردد على وزارة الصحة للحصول على التطعيمات الإجبارية، لم يخبرنى أى طبيب بأهميتها، مشيرة إلى أنها لم تعلم عنها إلا من خلال «الفيس بوك». والتقطت منها طرف الحديث سمر سلامة، قائلة: «ياريت الحكومة ترحمنا شوية.. التطعيم غالى ومش عارفين نجيب فلوسه منين.. يعنى اللى مش معاه فلوس.. عياله تموت». الدكتورة منى سعد الدين، استشارى الأطفال بمستشفى أبو الريش، أكدت أن تطعيمات القائمة «الاختيارية» ضرورية جداً للطفل خاصة من عمر شهرين حتى أربعة أعوام؛ لوقايته من الأمراض الخطيرة. وأضافت: « لابد أن يكون التطعيم إجبارياً، لأن عدم تناول الأطفال للتطعيمات الاختيارية قد يؤدى إلى الوفاة». وأضافت استشارى الأطفال، أن تطعيم الإنفلونزا البكتيرية تم نقله من قائمة التطعيمات الاختيارية إلى قائمة التطعيمات الإجبارية منذ عام فقط فى مصر، على الرغم من أنه إجبارى منذ سنوات فى معظم دول العالم تقريبا. وطالبت استشارى الأطفال بتحويل تطعيمات «الجدير المائى – الروتا – الحمى الشوكية - الالتهاب الرئوى» من القائمة الاختيارية إلى الإجبارية؛ قائلة: «مفيش حاجة اسمها تطعيم اختيارى».