رغم ما يشهده عالمنا من ثورات تكنولوجية ومعرفية هائلة كان يفترض بها ان تجعل العلاقات بين دوله أكثر تشابكًا وترابطًا وبين شعوبه أكثر سهولة ويسرًا ، إلا أن ما حدث هو أنها جعلت العلاقات أكثر تعقيدًا وصعوبة وزادت من محاولات الهيمنة والسيطرة من قبل بعض اطرافه على الأخرى بطرق شتى وأدوات متعددة. دليلنا القوي في ذلك هو ان الصراعات في ازدياد والمشكلات في تعقد والصعوبات في اضطراد ، وهو الأمر الذي جعل من المستحيل على دولة من الدول مواجهة التحديات الجمة والتهديدات الخطيرة التي تواجه عالم اليوم وخاصة لو كانت المواجهة فردية والرؤية قطرية . من اشد المؤمنين بتلك الحقيقة والساعين بجد إلى ترجمتها على أرض الواقع هو صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس وزراء مملكة البحرين الذي يحاول بكل قواه للوصول بمجلس التعاون الخليجي إلى مرحلة الاتحاد الذي بات يشكل حلما لشعوب دول العالم . يستند رئيس وزراء البحرين في رؤيته إلى حقيقة اساسية وهي أن الأمن يجب أن يكون له الأولوية على ما عداه من أهداف، أو كما قال سموه مؤخرًا :"الأمن والاستقرار يشكلان محورين أساسيين لمواصلة مسيرة التنمية، وعلى دول مجلس التعاون الخليجي أن تزيد من أطر التنسيق والتعاون الثنائي بالشكل الذي يعزز من قدراتها لتكون أكثر منعة وقدرة على التصدي لكل محاولات الفوضى والتقسيم التي يراد لها أن تدخل فيها". وأكد أن :" تطلعات شعوب المنطقة نحو التكامل والوحدة أكثر بكثير مما هو في الواقع، ولذا فإن الأمر يتطلب ردم هذه الفجوة بالمزيد من التعاون الذي يلبي طموح شعوب المنطقة، وعلينا أن نبذل مزيدًا من الجهد الذي يفي بحاجات وتطلعات أجيالنا القادمة". ويأتي ذلك لاقتناع الأمير خليفة بن سلمان بأن ما تشهده المنطقة والعالم من تطورات متسارعة وغير مسبوقة يحتم على دول مجلس التعاون أن تتعامل مع هذا الواقع بطرق غير تقليدية من شأنها الحفاظ على استقرارها وأمن شعوبها، وهو ما يتطلب أن تعقد القمة الخليجية وفقاً للظروف أكثر من مرة من أجل مزيد من التنسيق المشترك. ولإقناع القادة وأصحاب القرار بتلك الاستراتيجية ، ذكر الأمير خليفة بن سلمان بأننا نعيش في عصر التكتلات الاقتصادية والسياسية، وأن محاولات تفتيت وتقسيم الدول وتأليب الشعوب على بعضها البعض مازال مستمرا ، وأن المنطقة تشهد هجمة تتشابك فيها ظواهر العنف والارهاب والتطرف التي لا هدف لها إلا إعاقة جهود الدول وعرقلة خطواتها في مجال التنمية، وهو الأمر الذي يحتاج من دول المجلس إلى أن تكون أكثر انتباها ويقظة في التعامل مع هذه الأخطار والتحديات. هذه الرؤية لرئيس الوزراء البحريني ليست طارئة أو عارضة وإنما هي عقيدة ثابتة لديه، وهو ما يتضح عند استعراض جملة من تصريحاته على امتداد السنوات الماضية والتي تعد الأبرز والأكثر تجاه موضوع الاتحاد الخليجي ، ففي شهر يونيو من العام 2011 الذي شهد بداية الاضطرابات في عدد من الدول العربية، شدد صاحب السمو الملكي رئيس وزراء البحرين الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة في حوار مع صحيفة السياسة الكويتية على "ضرورة توسيع إطار التحرك الخليجي المشترك بعد انكشاف كل فصول المؤامرة التي كانت تستهدف دول مجلس التعاون من خلال الانقلاب الذي أفشلته البحرين (في إشارة إلى أحداث فبراير 2011 م والتي وصفها سموه في هذا الحديث بأنها مخطط من الأشرار لثورة يليها انقلاب عسكري وإسقاط النظام وقتل أركانه". وفي شهر ديسمبر من عام 2013 ، قال رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة مع وكالة الأنباء الكويتية إن المتغيرات العالمية تجعل من انتقال دول مجلس التعاون الخليجي إلى الاتحاد أمرا ملحا، داعيا إلى الابتعاد عن أي تحفظات، مؤكدًا أن هذا الانتقال يعد ملاذ آمن له أبعاد سياسية واستراتيجية". وفي ديسمبر من عام 2014 ، واثناء لقاء سمو الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء البحريني مع الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أكد أن التكامل الاقتصادي والسياسي والعسكري الخليجي يُسرع قيام الاتحاد الخليجي الذي تتطلع اليه شعوب دول المجلس، وأن الظروف التي تمر بها المنطقة تجعل من الاتحاد ضرورة للتعامل معها. واضح من هذه التصريحات وغيرها الكثير أن سمو الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء البحريني يبدو في الميدان وكأنه يخوض معركة الاتحاد الخليجي كفارس عربي يتقدم الصفوف ليس دفاعًا عن بلاده فقط وانما للدفاع عن المنظومتين الخليجية والعربية معًا وذلك منذ ان اطلق خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدعوة لانتقال مجلس التعان من مرحلة التعاون الى مرحلة الاتحاد في عام 2011 فبات هذا الهدف يحتل الاولوية على رأس اهتمامات الأمير خليفة بن سلمان فكرًا وعملاً، حيث لا يترك سموه أي مناسبة أو لقاء الا ويثير هذه القضية مفسرًا دوافعها وضروراتها وجدواها. والواضح أيضًا أن الأمير خليفة بن سلمان يملك الرؤية الشاملة لطبيعة التحديات الحالية التي تواجه دول المنطقة وللمخططات التي تحاك تحديدًا ضد دول مجلس التعاون الخليجي وطرق مواجهتها ووسائل التغلب عليها.