كنت اعرف رجلاً مشهوداً له بالذكاء الشديد .. وبقدر شدة ذكائه كانت ايضا شدة تواضعه .. كان كل من يعرفه يحبه .. وكل من يسمع عنه يرغب في التقرب له والتعرف عليه لتواضعه .. ظهر له في احدي الايام رجلاً ودوداً ولكنه شديد الغباء .. تعارف الاثنان ببعضهما واصبحا اصدقاء بشكل كبير .. وكان هذا الغبي يخاف دوماً علي صديقه من ان يغتر بذكاءه .. ولكن الذكي كان دوما عند حسن ظن صديقه الغبي وانه ابعد ما يكون عن الغرور .. وكان الغبي فرحاً بصديقه الي ابعد حد .. خاصة عندما يري المئات من الناس يلتفون حوله ليستمعون الي مايقوله من حكم الدنيا وفك طلاسمها .. كان دائما مايُعظم الصديق الغبي هذا صديقه الذكي .. دائما مايصفه بانه خارق الذكاء والقدرات .. كان يمتدحه بأنه من افضل البشر وان كل من حوله لايفهمون مثله ولا تصل اعلي قمم ذكاءهم الي اقل حدود ذكاءه .. كان يمجده ويقول له لو كل الناس مثلك لاصبح العالم اليوم مختلفا. وبعد مرور عدة سنوات شاهد الغبي تصرفا لم يعجبه من صديقه الذكي .. فقد جاء له رجلا مسكينا ليسأله في مسألة ما .. جاء يسأله طامعاً في مشورته .. وماشجعه علي سؤاله لم يكن شيئا سوي ما يعرفه عنه انه رجلاً متواضعا كريماً لايرد احد ابداً .. وبالفعل قابله وسأله عن ما يريد .. وبعد ان انتهي الرجل من طرح سؤاله منتظرا الاجابه .. ضحك الذكي ساخرا من تفاهة سؤال الرجل .. قم نهره قائلا انتقي سؤالك قبل ان تسأل ، فانا لا املك من الوقت الكثير لاضيعه معك .. فخرج الرجل حزينا وجال في المدينه كلها يحكي في التجمعات وعلي المقاهي وللاصدقاء والغرباء عن مافعله ذكي المدينه به ، فقال الغبي لصديقه الذكي .. انني اري ان شيطان الغرور قد بدا يسير بداخلك ، هذا اذا لم يكن قد تمكن منك بالفعل .. رد الذكي معتزاً فخوراً بنفسه وهو لا يري نفسه ساخرا .. شيطان الغرور!! .. ومن يكون .. !! ياصديقي .. الشيطان يلعب دائما علي نقاط ضعفك .. وانا لا امتلك منها شيئا وانت تعرف ذلك جيدا .. وليس انت وحدك بل كل المدينة تعرف ذلك .. من يكون هذا الشيطان ..؟ فانا اذكي منه .. من هو حتي يظن انه قد يغلب ذكائي او يخدعني .. رد الغبي وقال له .. انا.. انا الشيطان .. نعم انا الشيطان .. لقد وهمتك بغبائي حتي اغويك بذكائك فتصبح مختالاً فخوراً مغروراً بنفسك .. افقدتك تواضعك .. ففقدت حب الناس .. احب الناس فيك تواضعك قبل ذكاءك .. وانا لم اكن غبياً لأجعلك غبياً لانني لن استطيع .. فذكاءك من صنع ربي .. وانا لا اقوي علي تغير ماصنعه الله للبشر .. ولكن تواضعك منك .. ملكك انت وحدك .. وها انا اليوم قد بدلته الي غرور كرهك الناس بسببه .. اضعت منك تواضعاً تملكه فأضعت انت بغبائك ذكائاً لا املكه .. ان كنت مغرورا وتعتقد بغرورك انك اذكي من الشيطان فاعرف ان من اغرك وجعلك تظن ذلك هو الشيطان .. انا.. فانا شيطان غرورك .. انا غباء ذكاءك .. انا اسكن بعقلك .. انا دمك المحارب لبعضه البعض داخل عروقك .. كراته الحمراء انا والبيضاء ايضا انا.. انا شيطان شيطانك ذاته .. انا صديقك الغبي الذي ارافقك دوما .. اشهد لك انك كنت ذكيا ولم تشعرني يوما بغبائي حتي لا ارحل عنك فاظل امتحدك .. ولكني اعرف ان كل ذكي يحتاج الي غبي بجواره يُشعره بذكاءه ، وكل غبي يحتاج لذكي يسير في ظله فيري فيه ماقد حُرم منه . وهكذا كنا .
بُهت صديقي الذكي مما قلتله له وتغيرت ملامح وجهه من الابتسام الي المفاجأة ، ثم من المفاجأة الي الغرور .. تحير بين ذكاءه وغباءه وتواضعه المفقود ، رآيت في عينيه حقداً يصور له انني غيورا منه ، وغباءً يهيأ له انني غبي يتذاكي عليه .. تواضعه المفقود يصورني مسكيناً احتاج الي ابتسامة لاتشعرني بغبائي .. وفي النهايه وجدتني انظر له وهو مضطربا ثم انفجرت في الضحك وقولت له .. صديقي لا تصدق ماقالته لك للتو .. فأنا صديقك الصدوق .. لست شيطاناً كما وهمتك .. لم يصدقني فآقسمت له وقلت اقسم لك انني صديقك .. صديقك الغبي .. لاتغضب مني فأنا فعلا رجلا غبياً حتي اقول لك ما قلت .. فابتسم مطمئناً وعاد له هدوءه ثم غروره ثم احتضني ، فابتسمت انا ايضا ووجدتني اقول لنفسي وانا احتضنه .. ما اغباك ياصديقي .. كيف تصدق شيطانا يحلف بالله ..