قبل مائةعام اطلق الفيلسوف الالماني نيتشة اعلن نيتشة جملته الشهيرة(موت الله )هذه العبارة أعتقد أن من يقرأها للوهلة الاولي سينعت نيتشة بالجنون والإلحاد، كما سيتهم الفلسفة ذاتها بإنعدام القيمة وأعتبارها مجرد كلام فارغ خاوي من اي مضمون ولعل هذا ما ذهب اليه الكثيرون من اعداء الفلسفة . ولكن هل كان يقصد نيتشه حقا موت الله ؟؟ في تصوري لم يكن يقصد نيتشه موت الله بذاته الله الذي نعبده بل انه كان يريد ان يتخلص من تلك النزعة التي كانت تسيطر علي الفكر الإنساني بشكل عام حتي منذ ايام سقراط وأفلاطون وأرسطو إذ ذهب البعض إلي القول بأنهم أنبياء يتلقون الوحي من عند الله وبالتالي تبقي اقوالهم صادقة بالضرورة لكونها تمثل تعاليم الاله وكان هذا سائدا في العصر الوسيط ذلك العصر الذي عانت فيه اوربا من ويلات الظلام بفعل سيطرة الكنيسة علي كل انواع الفكر وكانت تعاليم الكنيسة تعد تعاليم من عند الله لا يمكن تكذيبها او حتي الاعتراض عليها ولعل هذا هو ما دفع باوربا الي الدخول في حالة من الجهل المخيف انذاك... وكان هناك في تلك الفترة ما يسمي بالقيم العليا التي لايجب علي الانسان ان يتخطاها او يتصرف بعيدا عنها ولهذا كله جاءت صرخة نيتشة ومقولته بموت الله فهو كان يريد ان يقول لا لهذه القيم العليا التي لا تمثل قيما بقدر ما تمثل تاريخ خضوع الانسان . وأكد نيتشة علي أن ما يسمي بالقيم العليا سواء كانت الهية او بشرية تجعل من نفسها قوة قامعة تنفي قدرات الانسان علي العمل والابداع ،فسعي نيتشة الحثيث كان من أجل أن يعلمنا كيف نرفض حتي نتمكن من إستعادة وحدة وهوية الفكر والحياة . والمتعمق أكثر في قرائة نيتشه يعرف انه كان يرمي من جملته تلك (موت الاله) لفكرة اخري اكثر عمقا وهي دحض فكرة مركزية الانسان اذ كان هناك اعتقاد سائد بأن الإنسان هو مركز الفكر لجميع المبادرات التي تبني وتكون الفكر والتاريخ الإنساني .. وهنا يسأل نيتشه هل يمكن للإنسان أن يبقي هو ذات المعرفة وذات التاريخ ؟؟ وعلي هذا الاساس جاءت دعوة نيتشة بنسبية القيم وانه ليس هنالك قيم ثابته لا في العلم ولا الاخلاق ولا في السياسة ولا حتي في العلم نفسه ومن ثم دعي نيتشة للبحث عن قيم جديدة ورفض كل تلك القيم المزعومة الغير واقعية علي حد وصفه.. وبعد هذه الافكار الثورية التي اطلقها نيتشه ذهب البعض للقول بأنه فيلسوف متشائم لكنني لا اراه كذلك فهو في نظري قارئ جيد للواقع اذ أن افكاره ترمي إلي إزاحة هذا الغطاء الأسطوري الذي يسيطر علي الواقع بفعل تلك الاوهام الميتافيزيقة غير ذات الصلة بالواقع.