الجماعة تراهن على حل مجلس النواب فى أقل من عام ■ قرار إخوانى «بألف وجه» بمقاطعة الانتخابات لاستدراج الدولة للجلوس على طاولة «التسوية والتفاوض» ■ الاستعانة ب«الخلايا النائمة» من «النواب الجدد» للضغط والمساومة مع النظام وقت اللزوم مقامرة جديدة، وربما أخيرة، يلعب عليها الإخوان فى مباراتهم المعقدة مع الدولة، فيما أن حلبة المناورة تمتد بطول مصر وعرضها، وتحديداً فى صندوق انتخابات أول وأخطر استحقاق برلمانى تشهده البلاد بعد الإطاحة بمحمد مرسى وأهله وعشيرته من سدة الحكم. المفاجأة.. أن سلاح الجماعة الأساسى فى المبارزة يعتمد على قرار تنظيمى علنى بألف وجه، بمقاطعة الانتخابات ترشحاً وتصويتاً، على وقع استراتيجية براجماتية «لابتزاز الدولة »، واستدراجها فى النهاية إلى طاولة «التسوية» و«التفاوض»، وإرخاء قبضتها الأمنية التى لا ترحم . الرؤية الإخوانية تراهن على أن كم العوائق القانونية والدعاوى القضائية التى تطارد البرلمان المقبل، إضافة لما ينبئ عنه التشكيل غير المتناغم لمجلس النواب المرتقب، حتى من قبل انتخابه، تؤشر إلى أن الأخير لن يصمد أكثر من عام أو عامين على الأكثر، قبل أن يصبح منحلاً أو هو والعدم سواء بحكم يبدو متوقعًا من جانب المحكمة الدستورية العليا، جراء ما يظهر من عوار واضح فى بنود عدة بالقوانين التى ستتم على أساسها الانتخابات. بعين الباحث عن قشة أو طوق للنجاة، التقط الإخوان طرف الخيط لمجلس نواب ودورة برلمانية مهددين بعدم الاستمرار طويلاً، فكان قرار المقاطعة لمزيد من دغدغة مشاعر القواعد وبسط النفوذ والسيطرة عليها بزعم البقاء على عهد «الثورية المزعومة» من جهة، ومن جهة أخرى مغازلة النظام ، وتقديم عربون حُسن نوايا، تدعم مشاريع الوساطات التى يقودها زعيم النهضة التونسية راشد الغنوشى، عبر بوابة الرياض، والتى تقوم على اعتزال يمتد لسنوات من جانب التنظيم للعمل السياسى والحزبى والنيابى، وتهدئة للشارع، مقابل إنقاذ قادة السجن من مصيرهم المجهول المحفوف بالإعدامات والمؤبدات، والسماح بعودة الجماعة بثوبها الدعوى القديم فقط. فى جميع الأحوال، فإن كلمة السر فى القرار الاستراتيجى لجماعة الإخوان فى الانتخابات البرلمانية ، تكمن بالأساس فى أن السيادة على مقاليد الحكم والسلطة فى الجماعة قد دانت أخيراً لجناح صقور مكتب الإرشاد القديم بقيادة ثعلب التنظيم العجوز محمود عزت، الذى أجهز على فريق مكتب إرشاد إدارة الأزمة المعروف إعلامياً بمكتب فبراير 2014 ، بزعامة الهارب محمد كمال والمسجون محمد طه وهدان، وذلك من خلال مجموعة متتابعة ومكثفة من اللكمات التنظيمية الخاطفة والقاضية. عزت ورجاله استعادوا الحكم التنظيمى فى زمن قياسى لم يتجاوز خمسة أشهر فقط، مستخدمين كتالوج المباغتة والترغيب والترهيب، فبسطوا قبضتهم على مكاتب القطاعات الإدارية السبعة الرئيسية التى تمثل الجماعة فى بر مصر، علاوة على المكاتب الإدارية المؤثرة، فضلاً عن استعادة ملفات الدعوة والتربية، الطلبة والسياسة، بخطط ممنهجة لنشر الرجال والتنكيل بالمتمردين على دستور السمع والطاعة. سيطرة صقور الإرشاد وفريقهم تحققت بإعادة ترتيب آليات التحكم فى التدفقات المالية أيضا بسحب الملف المالى رسمياً من محمود حسين، المتواجد بين تركياولندن وبروكسل، لينتقل إلى إبراهيم منير المقيم فى لندن، على أن يقوم الأخير بدور المنفذ فقط لأوجه الصرف، فيما أن الآمر الناهى فى هذا الشأن هو محمود عزت. تلك كانت ضربة قاصمة لفريق فبراير 2014 بزعامة محمد طه وهدان ومحمد كمال ، ولجانهما النوعية ولجانهما الشرعية والشبابية صاحبة «تون» التصعيد والمواجهة مع الدولة على طريقة حروب الشوارع والعصابات، بعدما حرمته عودة عزت من الدعم المادى المطلوب لحرق الأرض، وهو ما استتبعه أيضاً وقف جميع الإمدادات المالية واللوجستية الإخوانية لقادة ورموز جماعات الجهاد المسلح الحالية والسابقة، كى لا تؤكد وصمة التطرف على التنظيم، فضلاً عن إغلاق صنبور المساندة المادية للأنشطة التصعيدية لطلبة الإخوان. ولم يفت عزت دعم اقتناصه الجديد للسلطة فى الإخوان، والذى يحظى بمباركة كبيرة من غالبية قادة السجن الكبار، بوضعه فى إطار لائحى محكم يضمن عدم اختراقه مجدداً، وبالتالى أوشكت اللجنة الثلاثية أو «الخماسية» ، التى اختارها من بين أعضاء مجلس شورى الجماعة الموالين له، على اتمام تعديلات جوهرية على اللائحة الداخلية للجماعة، ظاهرها تمكين الشباب من مساحات حكم حقيقة داخل الإخوان، بينما باطنها يسعى لقطع الطريق على المتمردين من الوصول إلى مراكز أعصاب التنظيم، وكذا التنكيل والإطاحة بالموالين لجناح كمال ووهدان وبطيخ وأحمد عبد الرحمن وحسين إبراهيم. عزت استعاد كذلك نوافذ عدة من كيانات الجماعة الإعلامية خاصة الإلكترونية منها، فيما لم يتردد فى رفع يد الدعم أو على الأقل عدم مساعدة قنوات كالشرق ومصر الآن ، فكان مصيرهما الإغلاق أو الخروج من ولاية الإخوان، الأمر الذى خلصه من نوافذ تتبنى خطاباً لا يجده مناسباً لمرحلة مغازلة النظام . المغازلة الإخوانية بعدم الدفع بمرشحين معروفين تنظيمياً وإعلامياً فى انتخابات النواب كرامة للدولة، والتى تبدو نتيجة منطقية لعودة صقور مكتب الإرشاد القديم من رموز التكتيك والمناورة واللعب بمختلف الفرص والكروت، توازى مع انسحاب تام للجماعة من معركة انتخابات نقابة الأطباء التى جرت مؤخراً ، فضلاً عن تراجع شبه كامل للمنافسة الإخوانية فى انتخابات نقابة المحامين التى ستجرى خلال بضعة أسابيع، وهما معقلان تاريخيان للنفوذ الإخوانى..ما علق عليه التنظيمى السابق عبد المنعم أبو الفتوح، بأنه أغبى قرار للإخوان. لكن الجماعة تلعب على كل الاحتمالات، ولا تتخلى عن كل كروت الضغط والمساومة وقت اللزوم .. وعلى هذا النحو جاءت أول بنود خطة العمل الإخوانية ل"تفخيخ» البرلمان القادم، بدفع «الخلايا النائمة» للتنظيم فى السباق الانتخابى، وحظر صدور أى قرار تنظيمى يمنع أو يعوق الكوادر التنظيمية السرية أو غير المرصودة أمنياً أو إعلامياً ، فضلاً عن «المحبين»، أو من حصلوا على كارنيه حزب الحرية والعدالة دون صلة تنظيمية مباشرة بالجماعة، من خوض غمار معركة الانتخابات سواء كمستقلين أو متسربين ضمن القوائم، بما فيها تلك المحسوبة على السلفيين وحزب النور، لزوم الضغط الإعلامى تحت قبة مجلس النواب، والمناورة بهم وقت الحاجة . ووفقا لآلية «المهادنة» الكاملة، يتحدث البند التالى من الخطة الإخوانية أيضا عن ضرورة وحتمية تأجيل الكشف عن الكوادر السرية والمتعاطفة التى ستنجح فى اختراق البرلمان، بينما هم يدينون بالولاء للجماعة أو قابلين للشراء من جانبها، حتى مرحلة تالية من المواجهة مع الدولة. ومن بنود الخطة أيضاً، مباركة أى مبادرة فردية يتولاها كادر أو عضو بالجماعة لتقديم دعم مادى أو لوجستى أو معنوى للمرشحين السلفيين أو «المدنيين المتعاطفين والمخترقين»، كذلك تتحرك الجماعة لتفخيخ البرلمان الجديد فى مرحلة الولادة، عبر تأمين تقارير لمنظمات حقوقية ومجتمع مدنى مصرية وأجنبية ستشارك فى مهام مراقبة سير العملية الانتخابية، للطعن والتشكيك فى نزاهتها. مع محاولة اختراق المنظومتين القضائية والإدارية (الموظفين المدنيين الذين توكل إليهم مهام تشغيل اللجان تحت أمر القاضي) اللتين ستتوليان مهمة الإشراف على الانتخابات، على أمل اصطياد خروقات هنا، أو تجاوزات هناك، تساعد على تشويه عمليات التصويت والفرز والنتائج. بالتزامن مع تشغيل الحسابات والميليشيات الإلكترونية من الباطن، خاصة تلك المحسوبة على غير التنظيمين أو المنشقين السابقين المتواجدين فى الخارج، لأجل ذات هدف الطعن فى عملية اختيار نواب الشعب، ضمنت الجماعة أيضا بنود خطتها تحركات من جانب قوافل المظاهرات النقالة لأعضاء التنظيم فى الخارج لمحاصرة السفارات والقنصليات المصرية أثناء تصويت المغتربين. الإخوان سيتغلبون على وعدهم الذى قطعوه على أنفسهم مؤخراً للغنوشى بوقف تمويلات التشويه ضد القاهرة دعماً لجهود الأخير فى طريق المصالحة، عبر تحريك مخصصات مالية بالملايين، كان التنظيم قد صرفها بالفعل لنوافذ إعلامية ودعائية أجنبية بعد أيام قليلة من إعلان بنود خارطة الطريق، وتم الصرف منها أثناء إقرار الدستور والانتخابات الرئاسية الأخيرة، فيما بقى ما يخص البرلمان منها رهن التجميد حتى ينطلق ماراثون الانتخابات. الأخطر فى بنود الخطة الإخوانية، يتمثل فى توجيه الكتل التصويتية المتعاطفة مع الجماعة، من عائلات وعصبيات الريف فى الصعيد والدلتا، خاصة تلك التى فقدت أحد أبنائها بالوفاة أو السجن، على هامش المواجهة مع الأمن بعد عزل مرسي، إما لمقاطعة التصويت، ومن ثم الهبوط بنسب المشاركة فى بعض الدوائر الضخمة لمستويات مخجلة، أو لدعم المرشحين السلفيين والمحسوبين على التيار الدينى نكاية وثأراً من الأمن، وعلى طريقة «ابن أيديولوجيتى أولى ولو كنت فى خصومة مؤقتة معه الآن».