المخابرات التركية دبرت حادث سروج لخلق بيئة عدم استقرار فى البلاد ولشن ضرباتها ضد الأكراد تركيا لم تعد اللاعب الرئيسى فى المشهد السوري فى حين نجحت إيران فى فرض رؤيتها
بنود سرية فى الاتفاق النووي الإيرانى تحمى سلطات بشار الأسد
مصر لن تسمح بأى سيناريو لا يراعى وحدة وسلامة الدولة السورية
قبل أيام من انتهاء المهلة الزمنية لتشكيل حكومة إئتلافية فى تركيا ، اعلن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، اجراء انتخابات مبكرة مطلع نوفمبر القادم.
أسئلة كثيرة تطرح نفسها ، "هل فشلت الأحزاب فى التوافق أم افشل اردوغان تشكيل الحكومة لاجراء انتخابات مبكرة ؟ وعلى ماذا يراهن اردوغان فى الانتخابات القادمة ؟ وهل نجح اردوغان فى تحييد الجيش التركى الذى سبق له القفز على السلطة لمرات سابقة أم أن الجيش يراقب ويتحين اللحظة المناسبة للاطاحة باردوغان ؟ وأخيرا ما هى ملامح السياسة الخارجية التركية فى الفترة القادمة خاصة مع المنحى الخطير الذى اتخذته الأزمة السورية بعد ما اعلنت تركيا عن اقامة منطقة آمنة بمقدار 45 كيلو داخل العمق السوري؟".
كما تثار اشكالية عن الدور التركى إزاء الأزمة السورية التى تبلورت فى محورين ، محور مصر روسياإيران ، مقابل محور تركياالولاياتالمتحدة السعودية ، ويحتدم الصراع ومعركة فرض الارادات بين جميع الاطراف ويتعذر التوصل إلى صيغة مشتركة تبلور مصالح وأهداف الجميع.
ولكن يبدو أن الاتفاق النووى الإيرانى وما ينطلى عليه من بنود سرية قد حسم موازين القوى للمحور الأول الذى وإن اختلفت بواعث وأهداف اطرافه ، الا أنهم توافقوا جميعا على بقاء الرئيس بشار الأسد والحفاظ على وحدة وسلامة الدولة السورية واتاحة الفرصة للشعب السورى وحده لاختيار من يمثله.
وهذا يتعارض تماما مع المحور الثانى المتضمن لتركيا التى تستميت فى الاطاحة بالأسد ، كما يبدو أن نجاح إيران فى فرض رؤيتها قد خصم كثيرا من نفوذ وفاعلية الدور التركى حيال الأزمة السورية وحيال المنطقة ككل التى بات واضحا أن اردوغان لم يعد لاعبا رئيسيا بها كما كان قبل الاتفاق النووى الإيرانى ليشهد العالم ارهاصات أجندة جديدة تقلصت فيها كثيرا تركيا فى مقابل التمدد الإيراني.
الفجر فى لقاء خاص مع نشأت الديهى الباحث فى العلاقات الدولية والمتخصص فى الشئون التركية للإجابة على هذه الأسئلة الشائكة ولوضع تصور مستقبلى عن مآلات الوضع فى الداخل التركى المتأزم وعن السياسة الخارجية التركية حيال المنطقة العربية وبالأخص الأزمة السورية.
* كيف تقيم الوضع فى تركيا عقب الاعلان عن انتخابات جديدة مطلع نوفمبر القادم ؟
الرئيس التركى رجب طيب اردوغان نجح فى افشال الحكومة الإئتلافية التى كان من المفترض تشكيلها بالتوافق مع الأحزاب التى حازت بالمراكز الأولى فى الانتخابات السابقة يوليو الماضى، وهم على الترتيب العدالة والتنمية ثم الشعب الجمهورى ثم الحركة القومية وأخيرا الشعوب الديمقراطية ذى التوجه المؤيد للاكراد.
وذلك لأن اردوغان كان يطمع فى الحصول على أغلبية مطلقة تتيح له تشكيل حكومة منفردا ، كما تتيح له تغيير الدستور - وهذا هو الهدف الأكبر - لتغيير نظام الحكم إلى النظام الرئاسى .
ولكن جاءت نتيجة الانتخابات مخيبة للأمال بالنسبة لأردوغان واطماعه اللامحدودة فى الاستئثار بالسلطة ، ومن ثم فضل افشال تشكيل الحكومة الإئتلافية فى الموعد المحدد ليتاح له فرصة دعوة الناخبين لانتخابات مبكرة وفقا للدستور، مراهنا على حصوله على النسبة المأمولة .
* على ماذا يراهن اردوغان فى الانتخابات القادمة ؟
الاجابة على هذا السؤال مرتبطة بتصاعد وتيرة الأحداث منذ العمل الإرهابى الذى حدث بسروج مؤخرا حيث مثل نقطة تحول كبيرة ليس فقط على صعيد الداخل التركى وإنما السورى أيضا ، واتصور أن المخابرات التركية هى من قامت بتدبير هذا العمل لتحقيق أربعة أهداف ، أولا خلق بيئة عدم استقرار فى الداخل التركى ، ثانيا خلق الذرائع لتوجيه ضربات موجعة إلى الاكراد.
ثالثا حث الناخبين الأتراك على تغيير اتجاهاتهم التصويتية فى الانتخابات المبكرة التى كان يعد لها تحت ذرائع التهديدات المعرضة إليها تركيا والجهود التى يبذلها اردوغان فى محاربة داعش و لامتصاص أى غضب تولد عن ما اشيع عن الدعم التركى للجماعات الإرهابية ، وأخيرا خلق المناخ الدولى الذى يمكن اردوغان من التواجد فى المشهد السورى بعدما استشعر أنه لم يعد لاعبا رئيسيا فيه.
ووفقا لهذه الأسباب تصور اردوغان أن الانتخابات المبكرة التى كان يعد لها ستأتى له بالنتيجة المختلفة التى كان يتمناها .
ولكنى استبعد نجاح اردوغان فى مساعيه واتصور أن نتيجة انتخابات نوفمبرالقادمة لن تأتى بالنتيجة المأمولة وستجعله مجددا مضطرا إلى التفاوض مع بقية الأحزاب الفائزة كما ستعيقه عن تغيير الدستور ،كما اتصور أن اردوغان سيحاول أيضا افشال تشكيل حكومة خلال 45 يوما وهكذا تدخل تركيا إلى دائرة مغلقة من الصراعات لا يوجد تصور للخروج منها الا عن طريق الجيش التركي.
* هل تتوقع قدرة الجيش على الاطاحة ب"اردوغان" بالرغم من التدابير التى اتخذها لتحييده ؟
نعم فالجيش التركى له تقاليد راسخة لا يمكن أن ينفصل عنها مهما اتخذ من اجراءات لتحييده ، والجيش التركى يراقب المشهد جيدا ويعانى حالة استياء من الأوضاع السياسية التى آلت إليها البلاد خاصة فى الأعوام الأخارى ، مع تردى العلاقات التركية بمحيطها الجغرافى والاتهامات الموجهه إليها باعتبارها الداعم الرئيسى لداعش والجماعات الإرهابية.
هذا بخلاف توتر العلاقات بينها وبين مصر ، الأمر الذى جعل تركيا تخسر المقعد غير الدائم فى مجلس الأمن الذى ترشحت إليه ، وبذلك فقد اصبحت نظرية العمق الاستراتيجى التى كتبها رئيس الوزراء التركى أحمد داوود أوغلو صفر علاقات بدلا من صفر مشاكل.
كل هذه الأوضاع محل مراقبة من الجيش التركى ، وهو إذا كان لا يريد أن يتدخل الآن الا أنى اتصور أنه يتحين اللحظة التاريخية المناسبة التى ينقض فيها على المشهد ، كما اتصور أن هذه اللحظة ستكون فى بداية العام القادم 2016 ، وذلك حينما تعجز الأحزاب على التوافق لتشكيل حكومة إئتلافية وتدخل البلاد فى أتون من الصراع الداخلي.
* ما هو تصورك للسياسة الخارجية التركية فى الفترة القادمة ؟
لا جديد فاردوغان مستمر فى نهجه الذى افقد تركيا رصيدها من العلاقات الدولية خاصة مع مصر ، ولكن الملف الاكثر الحاحا هو الملف السورى ، وكما اسلفت فى الذكر فأن اردوغان استشعر أن تركيا لم تعد اللاعب الرئيسى القادر على تحريك مكونات المشهد فى سوريا ، وذلك بعد التوقيع على البرنامج النووى الإيرانى حيث نجحت إيران فى فرض رؤيتها.
واتصور أن بنودا سريا ملحقة بالاتفاق تجعل من بشار الأسد جزءا من الحل وهذا على عكس الطرح الذى تتعنت تركياوالولاياتالمتحدة والسعودية فى التمسك به وهو الاطاحة بالأسد أولا ثم البدء فى اتخاذ اجراءات المرحلة الانتقالية ، ومن ثم كانت هناك حاجة لاعادة التواجد فى المشهد مجددا من خلال المحاولات التركية فى اقامة منطقة عازلة على امتداد 98 كيلو بطول الحدود التركية السورية وبعمق 45 كيلو داخل العمق السورى ، وذلك فى أعقاب حادث سروج والضربات التى شنها الجيش التركى على حزب العمال الكردستانى فى شمال العراق وعلى داعش.
* كيف تفسر الخلاف التركى الأمريكى فيما يتعلق باقامة المنطقة الآمنة ؟
المنطقة الآمنة هو التفاف على احتلال تركيالسوريا وهذا أمريستحيل قبوله سواء من قبل روسياوإيران أوالدول العربية ، وكما أسلفت فى الذكر فإن إيران - الداعم الأكبر لبشار الأسد - نجحت فى فرض رؤيتها على المشهد السورى ، ومن ثم فإن الولاياتالمتحدة لا تستطيع انتهاج سياسة من شأنها مخالفة ما تم التوافق عليه مع إيران ، اضف إلى ذلك فإن روسيا وهى داعم رئيسى للأسد أيضا لن تسمح مطلقا بتحييدها من المشهد السورى أو تقويض نفوذها.
لذا قام الرئيس فلادمير بوتين بطرح المبادرة الروسية ليس فقط انقاذا للأسد وإنما انقاذا للنفوذ الروسى المهدد بسبب السلوك التركى الذى يستميت فى الاطاحة بالأسد لخلق واقع جديد فى سوريا يمكن تركياوالولاياتالمتحدة من تحقيق أهدافهما .
واتصور أن كل من تركياوالولاياتالمتحدة والسعودية خسروا فى معركة فرض الارادات ، وفى المقابل نجحت روسياوإيران على الاقل فى اعاقة المشروع التركى الأمريكى واجبرتا الجميع على التوافق معهما فى صياغة أى سيناريو قادم لحل الأزمة السورية ، ومن ثم فجميع الاطراف مضطرة للجلوس معا لبلورة موقف حيال الأزمة السورية مع الأخذ فى الاعتبار أن الأسد باق فى السلطة .
* ما هى ملامح الدور المصرى حيال الأزمة السورية والمخطط التركى إزاء المنطقة العربية ؟
هناك اتفاق مصرى روسى بشأن الأزمة فى سوريا ، وإذا كان الباعث لدى روسيا فى حمايتها للأسد هو الحفاظ على مصالها فى سوريا ، فإن الباعث المصرى هو الأمن القومى العربى ، اضف إلى ذلك فإن الأمن القومى المصرى مرتبط بسوريا ارتباطا وثيقا وذلك تحقق على مدار التاريخ ، ومن ثم فإن مصر لن تسمح بأى سيناريو لا يراعى وحدة وسلامة الدولة السورية ، كما لن تسمح بأى دور تقوم به الجماعات الإرهابية أيا ما كان اللواء الذى تنضوى تحته .
وتعتمد الرؤيتان المصرية والروسية على أن الشعب السورى هو وحده الذى يحق له اختيار من يمثله من خلال الانتخابات ، وتعتمد المبادرة الروسية على مخرجات مؤتمر جنيف 1 ومقترحات استيفان دى ميستورا - المبعوث الأممى إلى سوريا - بتوحيد صفوف المعارضة واجراء انتخابات تحت اشراف الأممالمتحدة بخلاف السابقة التى فاز بها الأسد .
ولكن تبقى المعضلة الكبرى فى الموقف المتشدد الذى تتبناه السعودية والمؤيد للطرح التركى الأمريكى والداعم لاطراف المعارضة السورية الإرهابية مما يشق الصف العربى ويعيق بلورة موقف عربى موحد . ويرتهن حسم الصراع فى سوريا بقدرة الجميع على التوصل إلى صيغة مشتركة مع ترجيح رؤيا أحد الاطراف ، إما المصرى الروسى الإيرانى وإما التركى الأمريكى السعودى .